رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قبل أن تقرأوا: يعيش العالم عصر «الزومبى» فى أفلام الرعب والخيال العلمى وأفلام الفيديو والرسوم الهزلية والمسلسلات الكارتونية. تجتاح العالم من أمريكا الشمالية إلى الفلكلور الأوروبى حمى التعبير عن هذا العصر، وهو نتاج «خيال» ساحر يبدعه فكر غربى متجدد ومتقدم يعرف ويملك أدوات ووسائل العصر الحديث. أما نحن فى بلد النور والحضارة (وهذا حقٌ لا استخفاف فيه مهما كانت حالتنا أو وضعيتنا أو أزماتنا الطاحنة) فنعيش فى «الواقع» عصر الزومبى فعليًا!. مفارقة مأساوية مدهشة.. لا بل صادمة ومؤسفة. وطبقًا لويكيبيديا فإن «الزومبى أو الكسالى (بالإنجليزية: Zombie) هو الجثة المتحركة وغالبا ما يطبق هذا المصطلح المجازى لوصف شخص منوم مجرد من الوعى الذاتى. منذ أواخر القرن 19. وفى العصر الحديث. تم تطبيق مصطلح «الزومبي» على الموتى الأحياء فى أفلام الخيال المرعب. وتم تصوير فيلم يمثلهم سنة 1968م من إخراج جورج روميرو واسمه ليلة الحى الميت. وقد ظهرت شخصية الزومبى فى الكثير من الأفلام والقصص وألعاب الفيديو والرسوم الهزلية والبرامج التلفزيونية».

لننظر إلى أحوالنا نظرة واقعية.. فى الحكم.. فى وزارات الدولة.. فى دواوين الحكومة.. فى المناقشات البرلمانية.. فى التعاملات اليومية بين الناس. فى المدارس والمزارع والمصانع.. فى المساجد والكنائس.. فى الشارع.. فى المقهى.. فى فودافون أو أورانج.. إلخ.. سيتجسد أمامنا عصر «الزومبى المصرى» بامتياز، حيث شاع الكسل بين الناس، وغرقوا فى لذة المنشطات، وتحت تأثير المخدرات، وانتشروا على المقاهى وملأوا الشوارع بلا عمل وبلا انتاج وبلا تحصيل لمعارف أو علوم، ولم يعد بإمكانهم أن يقدموا فكرة واحدة لـ«بكرة»!

ساقتنى الأقدار الأربعاء الماضى، أنا والزميلين الكاتبين الصحفيين بجريدة الوفد سليمان جودة وأحمد بكير إلى مسرح الفنان الكبير جلال الشرقاوى أحد مقاتلى المسرح المصرى.. وآخر أجيال الإخراج المسرحى العبقرية فى الوطن العربى كله.. (أمد الله فى عمره). مسرح «الفن» (وهو فعلا كذلك) هو المسرح الوحيد الذى «ينير» ليل القاهرة المعتم الآن! حيث يقدم جلال الشرقاوى مغامرته المسرحية الجديدة «عازب فى شهر العسل» من إخراجه وتأليف صلاح متولى وبطولة مجموعة مغمورة جدًا (انتظروهم نجومًا كبارًا غدًا) من طلبة المعهد العالى للفنون المسرحية. تدور فكرة العرض المسرحى المغامرة حول فكرة التغيير الذى طرأ على الشعب المصرى فى العقود الأخيرة، مع تسيد الأفكار الجاهلة والظلامية التى تعلو على ما عداها من أفكار عصر العلوم والتكنولوجيا، حيث يلجأ الناس فى شئون حياتهم اليومية إلى طلب العلاج من الدجالين والنصابين والمشايخ المزيفين وحملة الدكتوراه (المضروبة) وسماسرة الإعلام.. ومدعى العلاج بالطب الشعبى كبول الإبل ونحو ذلك. استكان الناس إلى هذه الحلول السهلة فى حياتهم اليومية، واستسلموا لحالة العيش أمواتا وهم على قيد الحياة. فهذا معد ومخرج برامج فضائى يمنح الفرصة لمثل هؤلاء الجهلة والادعياء ليطلوا على المشاهدين بأفكارهم الخزعبلية الجاهلة، ويلجأ إلى الإثارة الرخيصة باستضافة نجوم الدجل المتصارعين على كعكة الدعاية والإعلان وبيزنس التجميل والتنحيف وعلاج ضعف الذكورة.. الخ، فيقدمون فاصلًا مثيرًا من السباب والشتائم يكاد يصل إلى حد الاشتباك بالأيدى أمام المشاهدين، وينتهى الأمر بإيقاف المخرج ليكون كبش الفداء الذى يمكن معاقبته والنيل منه، لأن من هم أعلى منه كما نفهم أناس «واصلين» ومن علية القوم الذين لا يجوز أن يقام عليهم الحد.. أى حد!

يعود المخرج «المعاقب» إلى بيته يجتر خيبته، ويعيش عازبًا ممزقا بين عصر الزومبى الذى يرفل فيه الجميع ويعيش الكل فيه، بأفكارهم القاصرة العاجزة الخربة الموبوءة التى لا تقيم رأيا أو تبدع فكرًا أو تغير اتجاها أو تنير مستقبلا أو طريقًا.. فيبدأ فى التعايش مع حياة الزومبى والكسل والموت بالحيا كما يقولون، وفى القلب منها صاحبة البقالة التى تقطن اسفل العمارة والتى تحلم بشىء واحد وهو الزواج من والدة (العمدة) فهذا الحلم هو كل حياتها،(!!) حتى أنها تعرض ذلك بنفسها على ابن العمدة، وطلبت منه ان يرشحها زوجة لأبيه الحلم! 

ثم يتفاجأ صاحبنا بأن شركاءه وأصدقاءه فى حياة العزوبية السابقة يريدون العودة للإقامة معه فى شقة العزوبية، بعد أن تشاجروا مع زوجاتهم لأسباب مختلفة، وبحث كل منهم عن مبرر للتطليق ولو انتزعه انتزاعًا من شفتى زوجته، غضبًا من مطالب تفوق الطاقة والرغبة، كزوجة أحدهم التى تصر أن يقوم زوجها بكسر وديعة بنكية لأسباب استهلاكية! 

نكتشف فى العرض المسرحى الكوميدى لجلال الشرقاوى «عازب فى شهر العسل» أن امرأة ما من الزمن الجميل هى الوحيدة الباقية من نساء هذا الزمن.. امرأة عصرية.. روحها جميلة.. أناقتها بسيطة.. جمالها مدهش ومحبب فى غير إثارة رخيصة أو فتنة زائفة.. وبينهما تدور صراعات بين «زمن الزومبى» الذى نعيشه وبين «الزمن الجميل» الذى فقدناه ونحلم بعودته، وأبرز دليل على ملامح الصراع هو أن والد المخرج الذى فاجأ ابنه بزيارته فى شقته، ما لبث أن فاتحه فى أمر رغبته بالزواج مجددًا من امرأة تعيد إليه شبابه! هكذا يسقط العمدة فى شراك أم هدى (يحصل من بقالتها على احتياجاته السريعة بواسطة «السبت» الشهير الذى يستخدمه سكان العمائر الشعبية القاهرية من زمن مضى) حتى أن العمدة يقبل بكل سرور الزواج منها بعد أن ذهبت إلى الكوافير لتنزع عنها غبار الأيام والسنين وتعود «على سنجة عشرة»، وتمسك بالرجل الحلم.. وتعيش معه حياة «العمودية»! (أسند المخرج الدور إلى الممثلة الوحيدة المعروفة فى هذا العرض وهى النجمة انتصار).

العرض المسرحى البسيط فى كل شىء، فى الفكرة رغم عمقها، والممثلون - رغم أنهم يطأون الخشبة لأول مرة ومصابون بالرعب من الوقوف أمام الجمهور- كانوا نجومًا، حتى الديكور البسيط جدًا كان معبرًا جدًا، ليأتينا جلال الشرقاوى وهو فى قمة نضجه الفنى، وبعد مشوار فنى ناهز ستة عقود أو يزيد قائلًا لنا إنه كمخرج وفنان لا يمكن أن يعيش من دون الإبداع والمساهمة فى تشريح مجتمعه والتعبير عنه فنيًا ولو بأقل الإمكانيات، ولكن خبرته الطويلة وموهبته الأعلى تجعل حتى من عرض بسيط كهذا عرضًا فى منتهى الثراء الفنى.. فهو يعبر بقوة وربما بقسوة وبمزيد من الصدمات والخبط على الأدمغة حتى تفيق من سباتها وكسلها، عن عصر أو زمن الزومبى الذى يجتاحنا ويشرذم حياتنا ويؤخرنا، ويقدم لنا صراعًا جميلًا بين عصر الزومبى هذا وبين الزمن الجميل الذى عشناه ونعرفه، وذلك من خلال الفتاة المصرية (تلعب دورها فى المسرحية الممثلة سوزى).

المفارقة الجميلة هنا هى أن المخرج العبقرى الذى يناهز الخامسة والسبعين تقريبًا لم يعرف ولم يعش عصر الزومبى (الكسالى أو الموتى الأحياء) مع أن افتراضاتنا تقول إن شيخًا فى الفن مثل جلال الشرقاوى وبعد أن قدم عناقيد من الأعمال الإبداعية (ومن دررها افرض وانقلاب وعالرصيف والخديوى وغيرها تمثيلًا وإخراجًا). من حقه أن يتقاعد وأن يستمتع بحياته الآن.. لكنه لم يسايرنا فى أفكارنا الساذجة، ويبدو أن جلال الشرقاوى أقسم ان يموت واقفًا على خشبة مسرح أفنى عليها عمره، وبين جمهوره، يقينا هو كل حياته.

يبقى ان نقول إننا ونحن نرفع القبعة لجلال الشرقاوى، لأن مسرحه هو الوحيد المضيء اليوم فى ليل القاهرة الثقافى والفكرى المعتم، مسرحًا وسينما وموسيقى وتأليفًا وكتبًا.. ونجح فيما أخفقت فيه مسارح الدولة، فإننا ننعى غياب وزارة الثقافة عن المشهد الثقافى، حيث لم تستطع حمل مشاعل التنوير فى المحروسة، فى مواجهة كل التيارات والمناخات الظلامية السائدة حتى أننا لا نشعر بوجودها مطلقًا رغم فداحة كل ما يجرى من حولنا من دجل وشعوذة وإرهاب ودماء وكسل وحياة للموتى الأحياء. ويكفى أن مسرح الفن أعاد النور لمسرح القاهرة، فى حين أن وزارة الثقافة فشلت كليًا فى إضاءة المسرح القومى بعرض مميز كتب خصيصًا لهذه الخشبة، وأبدعه مسرحًا الشاعر الكبير فاروق جويدة وهو نص  «هولاكو» الذى علمت أن الأستاذ جويدة سعى لدى الوزير لتذليل عقبات عرضه على المسرح القومى، ومع ذلك فإنه ومنذ عام كامل، وهذا النص متعثر لا يجد ممثلين! فعلى الرغم من أن عدد الممثلين المنتسبين إلى المسرح القومى بلغ 114 ممثلًا، إلا ان إدارة المسرح عجزت عن تكوين (Caste) لتقديم العرض، بسبب رفض هؤلاء أن يتركوا العمل فى المسلسلات المربحة لهم والتى يتقاضون منا ملايين، مقابل ما يعتبرونه ملاليم من مسرح الدولة، من أسف أنهم يقبضونها شهريًا بلا عمل.. مطلقًا! لا يستنكفون أن تكون أموالهم «سحتًا». كلهم «زومبى» وحياتكم.. عظم الله أجوركم!