عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الكفر فى مصرنا المعاصرة وخاصة بعد ثورة يناير ثلاثة أنواع: كفر دينى، كفر سياسى، كفر مجتمعى. ويمكنك أن تدرجنى فى عداد هذا النوع الأخير بعد الفراغ من قراءة هذه السطور، لا لشىء إلا لأننى اقتربت من «قدس الأقداس» لدى المصريين، الكعبة التى يحجون إليها على مدى شهور الصيف.. الساحل الشمالى. فالساحل، بالنسبة للكثير من المواطنين، على اختلاف مستوياتهم يمثل الغاية التى يتطلعون إليها، فالمقتدرون مادياً أو الأثرياء قد ركنوا إلى أن أصبح لديهم شاليها أو فيلا أو قصراً بالساحل.. إنه المعبود الذى يوفر لهم جنة نعيم فى وحداته، ويمكن أن يقيهم من «نار جهنم» التى يرون أن القاهرة وباقى المحافظات تعيش فيها خلال فترة الصيف، فضلاً عما تمنحهم فكرة الامتلاك تلك من مكانة اجتماعية تضفى عليهم قدراً من الوجاهة تزيد من تميزهم. أما الفقراء فالساحل يمثل لهم الحلم المفقود الذى يصلون ليلهم بنهارهم متمنين أن يزورونه أو حتى يمرون بجواره لكى يؤكدوا لغيرهم أنهم رأوه رأى العين، كما شعور المسلم برؤية الحجر الأسود حينما يتعذر عليه لمسه، فضلا عن تقبيله.

على هذا النحو يمكنك أن تدرك المكانة التى يحتلها الساحل فى قلوب المصريين، وإن كنت يجب أن تضع فى بالك أن حديثنا رغم أنه ينصرف إلى قطاع كبير من المواطنين، إلا أن قطاعا آخر أكبر قد لا تتوافر له حتى مساحة الحلم التى أشرنا إليها، إنه القطاع الذى لم تصله بعد رسالة الساحل، فبقى على جاهليته.

شغلتنى الفكرة التى يقوم عليها الساحل الشمالى فى بداية النصف الثانى من الثمانينات مع بدء عملى الصحفى، وقتها قمت بإجراء تحقيق صحفى فى «الوفد» حول ما اعتبرته بيع الوهم للمصريين بأسعار مغالى فيها على إثر معرض ترويجى فى أحد الفنادق الكبرى فى قلب القاهرة للقرى السياحية. انقطعت صلتى بعد ذلك بالفكرة وتحولها من نبتة صغيرة إلى كيان ضخم أو «غول» لظروف غربة طالت بعض الشىء عن الوطن، كانت تطرح نفسها أمامى مع أحاديث بعض المغتربين وسعيهم الحثيث لامتلاك شاليه فى الساحل، غير أنى لم ألقِ لها أى بال.

بعد عودة إلى الوطن منذ سنوات، كان من الطبيعى الاحتكاك والاشتباك مع كل قضاياه وكان من بين ما احتككت به الساحل الشمالى. كانت صدمتى كبيرة فى أول رحلة صيف لى مستأجراً شاليهاً بإحدى قراه. وازدادت صدمتى فى الزيارة الثانية، وفى الزيارة الثالثة إلى مطروح حيث مررت بكل الساحل بدا لى الأمر يمثل العنوان الذى جعلته عنوانا لهذه السطور.

لا داعى لأن يذهب ذهنك بعيداً وتتصور أننى أحظر على المصريين الترفيه والاستمتاع بحياتهم، فذلك الأمر هو أحوج ما يكون إليه المصرى، غير أن التحفظ هنا على نمط التعبير عن السعى لتحقيق هذا الترفيه على النحو القائم فى الساحل الشمالى. باختصار ودون إطالة فإن ما يجرى، من وجهة نظرى، التى أعلن مقدما استعدادى للاعتذار عنها اذا ثبت لى خطأها، أن ما يجرى هناك يمثل هدراً لثروة قومية ويعبر عن سفه قد يحاسبنا الله عليه يوم القيامة، فضلاً عن الحساب الذى قد نلقاه من العالم الذى نعيش عالة عليه فى جانب من مواردنا.

ليس لدى أرقام محددة يمكن تقديمها لتوصيل الفكرة التى أود توصيلها، ولكن إذا كان مفهوم الساحل الشمالى ينصرف فى تفكيرنا إلى تلك المساحة الممتدة من الإسكندرية وحتى مطروح وتتجاوز 250 كيلومتراً كلها مع استثناءات محدودة قرب مطروح قد غزتها عن آخرها القرى السياحية، فإن السؤال الذى أطرحه هو حول عدد القرى فى تلك المنطقة، وعدد الشاليهات والفيلات والقصور والشقق فى تلك القرى؟ وإذا وضعنا فى الاعتبار أن كل شاليه أو وحدة مصيفية يتم تشطيبها وعلى مستويات جيدة – تتجاوز على الأقل سكن العشوائيات – فكم عدد الأجهزة الكهربائية من تليفزيونات وغسالات وبوتجازات، وكل ما تتخيله من مستلزمات تجهيز شاليه للإقامة؟ باختصار كم عدد المليارات التى تم إنفاقها من أجل وصول الساحل إلى الوضع الذى هو عليه الآن؟ وما هو حجم الاستفادة المتحققة منه على مستوى الترفيه، باعتباره الهدف الاساسى من إقامة الساحل الشمالى؟ وهل إقامة مثل هذا المكان بتلك التكلفة يعبر عن نوع من الرشادة الإقتصادية فى دولة ذات ظروف كتلك التى تواجه مصر؟ وما هى تجارب الدول الاخرى، متقدمة ومتخلفة، فى التعامل مع فكرة التصييف أو الإجازات الترفيهية؟

لا أدعى أننى بهذه السطور أحاول تقديم إجابات، ولن أفتى وأطرح حلولا، فالمسألة تتجاوز اجتهادات شخصية فى حيز ضيق للكتابة، ولكن للسفه حدود. ومبررنا لهذا التوصيف أن تلغيم الساحل الشمالى بالقرى السياحية، على غرار ما جرى من زراعة المنطقة بالألغام خلال الحرب العالمية الثانية، لم ينعكس فى تنميتها، ولو بقدر محدود. ليس ذلك فقط بل إن الاستفادة من الساحل كوجهة سياحية داخلية لا يتم بالشكل الأكمل، حيث إن بعض مالكى الشاليهات لا يتوجهون لوحداتهم ولو مرة فى السنة، حتى ولو لدفع رسوم الصيانة ويكتفون بدفعها من القاهرة. ورغم عمليات الاستثمار بالتأجير وخلافه، إلا أنه من المستحيل أن تجد قرية وقد امتلأت كل شالياتها. أعلم أننى، قد أكون أتجاوز المسموح به مجتمعيا للحديث على هذا النحو بشأن صنم صرنا نعبده. كل ما أتمناه هو رأى مسئول – ليس من شخص مسئول وإنما رأى يمكن الاعتداد به – يحدد لنا ما يمكن وصفه بنفقة الفرصة البديلة لو تم إنفاق هذه المليارات فى عملية أخرى غير إقامة قرى الساحل الشمالى، وهل كان مثل هذا الخيار يعد الأفضل؟ أم أن ما تم هو الأفضل؟ ولماذا؟ وهل يمكن استدراك ما فات بالبناء على ما تم لتطوير عملية استغلال الساحل الشمالى؟.. اسئلة طويلة فى إنتظار إجابات أطول!

[email protected]