رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

فى حلبة الملاكمة، أنت تعرف من يوجه لك اللكمات، من يضربك، خصمك المباشر الذى يريد أن يصرعك، فى الحلبة قد تهرب إلى الحبال، قد تتفادى لكمة قاتلة لوجهك، قد تحتضن خصمك أو تهرب منه للحظات وتسترد أنفاسك، قبل أن ترد اللكمة أو تستعد لاستقبال مجموعة لكمات جديدة، تبدو عيناك منتفخة، أنفك مكسوراً وينزف، حاجبك منتفخاً، وفمك أو ذقنك فى غير مكانهما.

خلال خمسة عشر جولة، تتحمل اللكمات، تُتابع الضربات، قد تكسر ذراعك، وتتحطم ضلوعك، وتصاب جمجمتك بالارتجاج، أسنانك تطير، يهتز العالم حولك من كثرة الضربات، تسمع تهليل وصيحات الجمهور، وفلاشات المصورين، تفقد تركيزك ثم تستعيده، يذهل خصمك من قدرتك على التحمل والعودة من جديد رغم كثرة اللكمات، قد تفقد طاقتك، وتنتظر أن يضرب الحكم الجرس اللعين، معلنًا هزيمتك أو فوزك.

أحيانا بعض اللكمات تكون كأصابع الديناميت مفجرة، وأحيانًا تسمع صوت أضلاعك تتحطم ولا تستطيع أن تصرخ حتى تكمل المباراة، تناضل للهروب من قوة خصمك، يهتز العالم أمامك وتحت أقدامك ولا مفر.

تتعلم داخل الحلبة كيف تتلقى اللكمات وكيف تتفادها وكيف تطلقها، تتعلم أن تحافظ على جمجمتك التى يريد أن يحطمها خصمك، وأن اللكمة التى لا تقتلك تقويك وتبقيك حيًا.

فى الحلبة يوجد حكم يقوم بفض النزاع بينك وبين خصمك، يقوم بالعد عندما تسقط أرضًا، تبتعد وتتراجع وتتقدم وتنقض، ترى خصمك – دائمًا – وقادر على هزيمته أيضًا.

فى الحلبة عندما تفوز تحمل على الأعناق، يتلف حولك الجميع، وتلتقط لك الصور، وعندما تخسر يركلوك بأقدامهم وينهمر عليك السباب.

أما فى الحياة، فأنت تتلقى الضربات واللكمات من أماكن كثيرة، أماكن واضحة وأماكن لا تستطيع أن تتوقعها، قد تكون الضربة قادمة من المكان الذى تعمل فيه، أو من سائق سيارة، أو شخص فى الشارع، أو من الحكومة، قد تكون الضربة من صديق أو قريب، تأتى الضربة فى لقاء أو ندوة أو اجتماع عائلى، أو أثناء مرورنا فى الشوارع، أو على المقاهى، حتى فى الهواتف النقالة، يوجد ضربات قوية وقاسمة أيضًا.

فى الحياة كل ما عليك فعله أن تتلقى الضربات كل لحظة ومن أى مكان، وعليك أن تتدرب باستمرار لتتلقى الكثير من اللكمات والضربات، فى الحياة لن تستطيع أن تصرخ ولن تستطيع أن تنظر إلى الحكم كى ينهى المباراة، ولن تسمع هتافات الجمهور سواء فزت أو خسرت، فى الحياة أشياء كثيرة لن تستطيع فعلها كما تستطيع فعلها فى حلبة الملاكمة.

ورغم أن أجسادنا تبدو قوية للعيان، وأننا نستطيع تحمل الكثير والمزيد من اللكمات والضربات، إلا أن الملابس تخفى الكثير من الضربات القوية التى تركت آثارها على أجسادنا، ونحاول أن نجمل وجوهنا بكثير من الابتسامات والاصباغ، ونجاهد كى نستعير كل يوم ابتسامة قديمة من ذاكرتنا، نضعها على وجوهنا ونتحرك بها، حتى لا يرى احدًا اللكمات التى نتلقها يوميًا.

لكن الأمر تطور الآن، وفقدت اللكمات قوتها ووضحها، وأصبحت لدغات تصيبنا إينما سرنا وتحركنا، لدغات تعرقلنا فى بحثنا عن قوت يومنا، لدغات قوية ومؤثرة وسامة، وهى لا ترى مثل لكمات الملاكمة، لكنها أكثر منها قوة وأشد ألمًا، ومميتة أيضاً.

 

[email protected]