رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على الهوا

يعرف من عاش في قرية صغيرة- مثلي- ان بعض بيوت القرية- خاصة بيوت الميسورين نسبياً- يوجد بجانب باب البيت مكان لجلوس المتسامرين يجتمع عدد من الرجال ليجلسوا علي هذا المكان الذي يشبه كنبة مبنية بالطوب وهذه هي «المصطبة».

في جلسات المصطبة هذه تدور الأحاديث والكثير منها يتعلق بمشكلات شخصية صغيرة ثم يتطرق الجالسون إلي الحديث عن الشأن العام السياسي أو عن فتاوي دينية.

ويتصدر المجلس- عادة- أحد الأفندية الذي نال قسطاً من التعليم فيخوض في كل الموضوعات السياسية يشرح ويفسر ويبهر الحاضرين بمعلومات لا يعرفها إلا الأفندية مثله، واسترجع الآن نماذج من هذه الأحاديث أيام الحرب العالمية الثانية وأحد هؤلاء الأفندية يؤكد ان «شرشر» (يقصد تشرشل) قد حضر إلي مصر ليطلب من الأزهر أن يعلن عن عدم اعتناق «هترل» «يقصد هتلر» للإسلام.

وتكسوا الدهشة الوجوه وتتصاعد الهمهمات التي تدعو «لهترل» بالنصر علي الانجليز المحتلين.

أما في شئون الدين فيتصدي للفتوي شخص درس لبضع سنين في معهد أزهري أو قرأ بعض كتب الحديث والتفسير بعد أن تعلم القراءة والكتابة في كتاب القرية أو في المدرسة الإلزامية (وهي مرحلة من التعليم تسبق المرحلة الابتدائية).

ويفتي هذا الرجل المعمم في كل الأمور ويحرص أن يوثق فتواه بذكر رواة الأحاديث وبنفس الانبهار يتلقي الحاضرون هذه الفتاوي في جميع شئون حياتهم.

أحاديث المصاطب هذه كانت في معظمها قرأها من تولي الحديث في بعض الصحف أو سمعها من بعض من قرأ الأخبار وفي الشأن الديني والفتاوي يردد من يتولي الافتاء عبارات حفظها من بعض كتب السيرة المملوءة بأساطير وإسرائيليات، ولأن هذه الأحاديث كانت هي مصدر المعرفة لأهل القرية فقد كانت المعلومات السياسية أو الدينية للغالبية العظمي من البسطاء من أهل القرية معلومات مشوشة ولا تمت للمعلومات الحقيقية بصلة.

لهذا شاع استخدام تعبير «كلام مصاطب» ليصف كل حديث يفتقد المعلومة الموثوقة.

عذراً للقاريء وأنا أسهب في وصف المصاطب لكن هذا الشرح المفصل رأيته ضرورة لأن هذه «المصاطب» اختفت تقريباً من القري المصرية وطبعاً لم تعد المصاطب حتي ان وجدت مكاناً للتزود بالمعرفة من وجهة نظر البسطاء من أهل القرية.

وإذا كانت «المصاطب» بشكلها التقليدي قد اختفت من أزقة القري ولم يعد «الأفندي» الذي يقرأ بعض الصحف يتصدي للحديث عن الشأن العام واختفي من المصاطب فقط «المفتي» الذي لملم بعض العبارات والأحاديث ليزين بها فتاواه إذا كانت هذه الصورة التقليدية قد اختفت من قرانا فقد ظهرت هذه «المصاطب» في صورة جديدة اكتست بقدر كبير من الابهار.

المصاطب الجديدة احتلت الكثير من شاشات الفضائيات المصرية والعربية اختلف الشكل التقليدي فظهرت «المصاطب» الفضائية بشكل مبهر سواء في الأثاث أو الإضاءة أو شكل من يتصدر المصطبة.

فالحضور يرتدون أكثر الملابس العصرية أناقة والكثيرون منهم تسبق اسمه ألقاب علمية فخمة وتبارت المصاطب الحديثة في اضفاء الألقاب علي «صاحب المصطبة» فمنهم «الإعلامي اللامع» و«الإعلامي المعروف» و«الإعلامي المتميز» و«النجم التليفزيوني» وأمثال هذه الألقاب الرنانة.

متصدرو المصاطب الحديثة لديهم وسائل ابهار شتي يستخدمونها لدعم أحكامهم وما يقدمونه باعتباره معلومات موثوقة.

فإذا أخضعنا أحاديث هؤلاء وجدنا أكثرها مغالطات،وتستمر الأحاديث التافهة لفترات طويلة.

حاولت- مخلصاً- أن أجد وصفاً مناسباً لهذه الظاهرة يستند إلي «علوم الإعلام» وتقاليده لكنني فشلت.. وأخيراً أسعفتني حكاية «المصاطب» لأجد انها فعلاً تمثل التعبير الدقيق من حيث المضمون لهذه الظاهرة التليفزيونية. فهذه «المصاطب الفضائية تقوم فعلاً بنفس المهمة التي كانت تقوم بها «المصاطب» التي كانت مصدر المعرفة في فترات التخلف، الفرق الوحيد في أن مصاطب الفضائيات تستعين بوسائل الابهار البصري الحديثة لتؤدي نفس المهمة التي كانت تؤديها «المصطبة» القديمة في أزقة القري، وهي نشر المعلومات المشوشة والمغلوطة في الأمور المتعلقة بالشأن العام ونشر الخرافات في الأمور المتعلقة للدين الإسلامي، ولهذا يري خبراء الإعلام ان أكثر التعبيرات دقة في وصف هذه الظاهرة هي ان ما يقال بها ليس أكثر من «كلام مصاطب».