رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بعيدًا من فاجعة غرق «مركب رشيد» التي أدمت القلوب، وتطبيق قانون الضريبة على القيمة المضافة، و«تحرش» الدولار بالجنيه، وجشع التجار، والغلاء، وجنون الأسعار، وصعوبة المعيشة... نرجو ألا نكون من هؤلاء الذين يحاولون «خلق مناخ تشاؤمي في البلاد»!!

 

   على رغم ما يكابده المواطن من إحباط ويأس وهموم وأوجاع لا نهاية لها، إلا أنه لا يمكن إنكار وجود لحظات يلتقط فيها الإنسان السعادة من أي معنى، لتستعيد الروح وهجها وإشراقها، واستقبال الفرحة والتفاعل معها في وقتها، دونما أي انتظار، أو اكتراث بالحسابات التي من شأنها أن تغتال تلك اللحظات الجميلة.

 

   لحظات صفاء وتأمل نادرة؛ عشتها أخيرًا؛ عندما استيقظت فجرًا، أترقب بدء طابور الصباح، في اليوم الأول من العام الدراسي الجديد، بإحدى المدارس الابتدائية الملاصقة لبيتي الريفي.

 

   رأيت عبر نافذتي أطفالًا في عمر الزهور، يلبسون ثيابًا جديدة، ويحملون حقائبهم المثقلة على ظهورهم.. السعادة الغامرة تكسو وجوههم، والبراءة تشع من عيونهم، في مشهد لا يتكرر سوى مرة واحدة كل عام.

 

   تابعت مشهدًا يصعب وصفه.. ترقب الكبار والصغار، لاستقبال اليوم الدراسي الأول.. البراعم والزهرات في صحبة آبائهم وأمهاتهم، فرحين وهم يستمعون إلى نصائح ما قبل الحصة الأولى.

 

   الأطفال ينتظرون بشغف ويتابعون باهتمام، في انتظار معرفة صفوفهم وأماكن جلوسهم.. يقفون متراصين في صفوف، لا تخلو من بعض المشاكسات حول أولوية الوقوف في الصف، وكلهم يأملون أن يكونوا في المقدمة.

 

   ودَّع الآباء والأمهات أبناءهم، وعيونهم مليئة بدموع الفرح، وقلوبهم تلهج بالدعاء لأبنائهم، متمنين لهم أن يكونوا أفضل حالًا منهم، راجين أن يكون عامًا سعيدًا، مختلفًا عن «السنوات العجاف».

 

   استحضرتُ ذاكرتي، مع تلك المشاهد التي لم تغب عن ذهني، في أول يوم دراسي، عندما ذهبت إلى المدرسة، ينتابني شعور؛ لم أدركه حينها؛ بعد أيام قضيتها انتظارًا لتلك اللحظة الفارقة.. لم أنم قبلها بأيام عدة.. حقيبتي الجديدة لا تفارقني و«المريول الأصفر» الذي سأرتديه، بين أحضاني.

 

   كانت لحظات انتظار صامتة، أترقب فيها موعد فتح بوابة المدرسة.. دخلت مع زملائي إلى الفناء في اصطفاف طابور الصباح.. رددت النشيد الوطني وتحية العلم.. انتظمت بعدها في الصف، واستمعت إلى التوجيهات المتكررة والنصائح المعادة من المعلمين، وقبلها من والديَّ.

 

   شعور لا يمكن وصفه، عندما تكون تلميذًا في أول يوم دراسي، وإحساس أروع عندما يتكرر المشهد نفسه ـ مع اختلاف العصر وأدواته ـ ولكن هذه المرة مع أبنائك.

 

   لم نكن نعلم ما يكابده الوالدان من مشقة لكي يوفرا متطلبات الحياة، واهتمامهما بالمستقبل التعليمي لأبنائهما، الذين ـ قطعًا ـ لا يدركون هذه الحقيقة إلا بعد أن يكونوا في موقع تحمل المسؤولية.

 

   أتصور أن لا أحد يستطيع نسيان أول يوم دراسي، أو أول طابور صباح، وبالتأكيد رحلة البحث عن مقعد مناسب قبيل انطلاق الحصة الأولى.. إلى جوار صديق أو جار.

 

   تمر الأيام والسنون، ويعاد المشهد بشخوص وأماكن ومعالم مختلفة.. المناهج والأدوات والأبنية والمعلمين.. كل شيء تغير، ولكن الأجمل أن تلتقي زملاء الدراسة القدامى بعد أن أصبحتم آباءً، ومعكم أبناؤكم، ليبدأ الجيل الجديد رحلة تعارف.. وكأن التاريخ يُعيد نفسه!

 

[email protected]