رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

فى الصباح الباكر أجده خلف مكتبه منكبًا على أوراقه، أمامه فنجان القهوة المعتاد، ودخان سجائره يعبق المكان، وهو مستغرق يكتب مقالته اليومية، وقد سبقنا جميعًا فى نشاط نحسده عليه نحن الأصغر سنًا، كنت أتساءل، لماذا يحرص على الحضور اليومى للجريدة رغم إمكانية تخليه عن هذا وإرساله المقالة من منزله كما يفعل غيره من رواد وكتاب «الوفد» الكبار، خاصة أنه بعد أن حاصره المرض وخنق الهواء النقى فى رئتيه قرر التوقف عن تقديم صفحات الثقافة المتميزة التى خص «الوفد» بها على مدى سنوات طويلة مضت قبل أن يسلمها للزميلة الرائعة المثقفة نعمة عزالدين، واكتفى بكتابة مقاله اليومى المتميز، فى ترحاب وابتسامة ودودة نادرة فى زمننا العبوس، ينادينى فى تعمد وأنا أهرول كغيرى أمام مكتبه وباقى المكاتب، ويقول جملته المعتادة «تعالى يا فكرية سلمى وكفايكى جرى فى الدنيا»، أتوقف أمامه وأنا أيضًا فى عجالة، فيما يبدو لى وجهه شاحبًا بين تلافيف دخان سجائره الذى كان سببًا فى مرضه، وسببًا فى سرقة أنفاس حياته، ويحكى لى بنبرته الهادئة غير المتعجلة قصة قصيرة، مضمونها «عيشى حياتك يا بنتى لا تتوقفى أمام نذالة الأشخاص ولا أحقادهم، لا تدعى أحدًا يغيرك أو يعيق انطلاقك للحياة، لا تقعى ولا تستسلمى للحزن وضربات البشر، ثم يتطرق لمقالاتى وكتاباتى، وكان يسعدنى كثيرًا أن هذا الأستاذ صاحب القلم الشريف والرأى الصائب والتاريخ الصحفى والثقافى الكبير النزيه يقرأ لى دومًا وتعجبه مقالاتى».

فى كل مرة يتكرر معى المشهد، ومع كل الزملاء تقريبًا، حتى كنا نلقبه فيما بيننا دون أن يعلم «الحكيم الرايق» فهدوء أعصابه، وبطء كلماته المتعمد لنعى بقلوبنا لا عقولنا ما يقوله، وقصصه الآتية من الحياة ومن ثقافته الثرية لا تنتهى، وتحمل إلينا العبرة والعظة، كانت قصصه تمنحنى شخصيًا طاقة إيجابية لأقفز حواجز الألم وأواصل الحياة بإصرار، فكنت أقف لأستمع إليه، وأنسى مواعيدى وهرولتى، وكان آخرون يهربون ويختصرون الحكايات معه فلا وقت لديهم لمواعظ هذا العظيم الحكيم، فمادية الحياة تطحنهم.

أكثر من مرة دخل الأستاذ حازم هاشم المستشفى بعد أن دمرت معشوقته «السجائر» صحته، وكنت فى كل مرة أزوره، فكان لا يعفينى حتى وهو فى ألمه من تلك الحكايات بنفس الهدوء، وكان فى كل مرة يطمئننى بأنه سيعود لـ«الوفد» الذى يعشقه، وكان يفى بوعده، قبل أيام علمت أنه بالمستشفى، وللأسف لم تمهلنى مهام الدنيا وترحالى بين أكثر من طبيب لمتابعة وعكات صحية تزاحمت على فى وقت واحد، وكأنها تتسابق للنيل منى وكسر صمودى، لم تمهلنى فرصة لزيارته كبعض الزملاء، زميلنا الخلوق عماد غزالى كان من ضمن زواره، قال له الحكيم الرايق الأستاذ الكبير «دى الوقعة الأخيرة يا عماد»، وصدق أستاذ حازم هاشم، قتلته معشوقته «السجائر» كما قتلت من قبل شاعرنا العظيم عبدالرحمن الأبنودى، وستقتل آلاف من أحبائنا.

رحل الأستاذ وفى جعبته ألف حكاية نحتاج إليها لنصمد ونصبر، رحل وترك مكتبه خاليًا منه، وبه بقايا أوراقه ومقالة لم تكتمل، وبقايا دخان السجائر اللعين المتهم الأول بحرماننا منه ومن طيبة وجهه وابتسامته الحانية وقصصه الحكيمة.. نبكيك ونحزن لفراقك، ولتوقف حكاياتك الطيبة.. وداعًا يا أطيب وأروع أستاذ.. ألف رحمة ونور عليك، وإلى الملتقى بين يدى الله ورحمته.

 

[email protected]