عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لمحته في أسوأ حالاته، بدا لي وكأنه يحمل الدهر فوق أكتافه، حينما حاولت التخفيف عنه، شعرت وكأنه ينتظر، على أحر من الجمر، من يمكن له أن يفتح معه قلبه ويبثه همومه وشكاواه وخواطره. بادرته قائلا: هات ما عندك؟ لم يكذّب خبرا. قال لي: تصور ماذا حدث صباح اليوم؟ رحت أهز رأسي بإيماءة أن ينجز. لم أشأ أن أكسر خاطره وأخبره أنني مشغول ووقتي لا يسمح لي بالدخول في تهويمات..  ومناقشات بيزنطية.

أخبرني أن إحدى القنوات التليفزيونية كانت تقوم بالتصوير بين مجموعة من المواطنين في ميدان التحرير لقاءات سريعة تستطلع خلالها رؤي المصريين لحدث افتتاح قناة السويس. وعندما حاول أحد القائمين على الإعداد الضغط عليه للتصوير ولأنه لا يرى نفسه مؤهلا لذلك تهرب ما أمكنه ذلك، ومع استمرار الضغط كان تهربه بأن كلامه قد لا يعجب. هنا صدمه رد فعل المعد الذي راح يتساءل في دهشة واستغراب: إنت إخواني!!

قالها صديقي لي في أسى وكأن التساؤل الذي وجه له كان بمثابة طعنة في قلبه أو سب له بأمه وأبيه. قلت له : هون على نفسك .. فهذا هو المعتاد .. فنحن نعيش فترة استقطابية حادة.. وهذه طبيعة ما بعد الثورات.. فإما أن تكون مع اليمين أو مع اليسار.. وما دمت لا تريد الحديث عن افتتاح قناة السويس فأنت مع اليسار.. آسف.. الإخوان!

نظر لي شذرا وكأن لسان حاله يقول لي: حتى أنت يا بروتس! كنت أود أن أقول له: لماذا تفكر كمن على رأسه بطحة؟ دون قصد منه وكمن لا يرى أحدا أمامه سمعته يقول: هل أكون إخوانيا وأنا الذي لم أفكر في الصلاة يوما جماعة؟ رحت أردد بيني وبين نفسي: استغفر الله. واصل مناجاته بينه وبين نفسه قائلا: هل أكون إخوانيا وأنا الذي لم أعرف أي شئ عن سيد قطب سوى من كتاب لمؤلف إسمه شريف يونس بعنوان «سيد قطب والأصولية الإسلامية» فكك فيه مؤلفه من يوصف بالمنظّر الفكري للجماعة وشرّحه تشريحا، فغرس في عقلي نقد الإخوان والتحفظ على فكرهم.

هل أكون إخوانيا وأنا لم أعرف أي معلومة عن حسن البنا سوى من كتاب الدكتور رفعت السعيد الذي يحمل هذا العنوان، مع ما هو معروف عن السعيد من عدائه الشديد للإخوان والذي يفوق عدائه لليهود، ونتانياهو لديه أفضل ألف مرة من الشاطر أو بديع! هل أكون إخوانيا وأفضل جلساتي مع رفقائي في مقهى الحرية رغم أنني لا أعاقر البيرة؟ هل أكون إخوانيا وأحلي جلسات قراءتي لا تكون سوى مع «الثابت والمتحول» لأدونيس؟ هل أكون إخوانيا وأجمل لحظاتي تلك التي أقضيها مع عاهرات ماركيز الحزينات؟

رحت أعارضه: هل هذا هو مفهومك للأخونة من عدمه؟ هل الأخونة الصلاة جماعة واللا «أخونة» الصلاة في المنزل؟ لو كان الأمر كذلك لأصبح نصف المصريين إخوان؟

قاطعني قائلا: يا أخى إليك مفارقة قد تندهش لها.. لقد عشت أياما جميلة مع صديق لي دمث الخلق وجميل الطباع ولم أكتشف أنه إخواني سوى بعد أن رحل مع من رحل.. إلى الخارج وليس الآخرة! هل هناك جهل بالإخوان أكثر من ذلك؟ بادرته قائلا: كلنا هذا الرجل. لم أشأ أن أدخل معه في نقاش قد يجرنا إلى ما لا تحمد عقباه وأكون جزءا من المشكلة، مارست دوري الذي أفضل أن ألعبه، أن أترك الآخرين يجلسون مسترخين أمامي «يبعبعون» بكل ما يجول في أعماقهم، فيما إستمتع أنا بالدخول لخبايا النفوس.

كادت دمعة أن تسقط منه، تشبه دمعة النمنم، حاول التواري عني لكي يمسحها بمنديل ورقي في يده حينما راح يقول: صدق أو لا تصدق ولكن هذا ما حدث .. أنني في 6 أغسطس الماضي وبينما كنت في سيارتي في طريقي إلى عملي ولدى سماعي إعلان الرئيس السيسي عن مشروع قناة السويس، لم أتمالك نفسي من الفرح، شعرت أن سيارتي لا تسعني، لم أستطع صبرا، ومن شدة فرحتي اتصلت بزوجتي، قبل أن أصل لعملي، أزف إليها هذه البشرى. اتصلت بأصدقاء لي أبشرهم . كان الخبر بالنسبة لي - رغم أنه لم تكن أي تفصيلات قد أعلنت بعد - كانه نصر لبلدنا في حرب .. أو نصر لفريقي – الأهلي – على الزمالك. دون مبالغة يحق لي أن أكون أول من صك مصطلح أن القناة الجديدة «عبور» جديد لمصر.  

شعرت باللوم حينما جال بخاطري شك في حديثه والكلمات التي كادت أن تخرج من فمي: عليّ أنا الكلام ده؟! ورغم ذلك انتابتني حالة من الشفقة على صديقي الذي بدا لي متهافتا إلى هذا الحد بغض النظر عن حقيقة موقفه إخوانيا كان أم لم يكن كذلك.. فلست مكلف بالتفتيش في النفوس، ولست مبعوثا إلهيا لأشقق عن صدره وأكشف عن مدى تغلغل الأخونة فيه من عدمها. شعرت بإشفاق على مجتمعي الذي لا أنكر أن طريقة تعامله مع قضاياه أفضت إلى مثل هذا النوع من التفكير. سرحت بخيالي .. ركبت آلة العودة في الزمن، لمحت السيدة عائشة تجلس مع رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.. خيل إلىّ أنها تدعوه أو يدعوها، لم يكن الأمر واضحا لي، إلى الكف عن حقن دماء المسلمين. سألت نفسي: أيهما على حق؟. جاءني صوت شيخي الذي كنت أزحف إليه لصلاة الجمعة أواخر السبعينيات: الحق واضح جلي. سمعت صوت ثالث معهما لم أتبينه، وإن كان بدا لي في هيئة إبليس يقول: لقد فات آوان حقن الدماء. صدرت صرخة من أعماقي: لا لم يفت.

[email protected]