رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

المدينة الفاضلة.. يوتوبيا أفلاطون.. مدينة الأخلاق والفضائل والحياة الرومانسية والحق والخير والجمال، تلك المدينة الحلم الذى عاش فى وجدان ومخيلة الكتاب والمبدعين على مدار مئات السنين يدعون ويحلمون بها وبسكانها وبحياتها الملائكية الفردوسية على أرض الإنسان، هذه المدينة تحطمت فى موجة فنية وأدبية اجتاحت الأدب والفن الحديث بعد العولمة وبعد الحداثة والحروب فإذا بنا أمام مدينة الأفضلية.. مدينة الشرور والآثام يسكنها «ونوس» الشيطان الإبليس الذى ارتكب الخطيئة الأولى وعصى ربه فخرج من نعمته وجنته إلى الأبد يغوى بنى آدم ويفسد فى الأرض ومن عليها فكانت الدراما التليفزيونية هذا العام معبرة عن تلك الموجة الجديدة من مدينة الآثام والشرور، حيث «ونوس» الذى يفسد الحياة والبشر ويطارد ياقوت ليبيع له روحه نظير حياة اللهو والمتع وكل الشرور.. قتل ودماء وخيانة وغواية وحقد وكراهية يبثها «ونوس» فى نفوس البشر والشخصيات لتخرج من رحمة المولى إلى جحيم اليأس والشر.. هذا المسلسل الدرامى الذى كتبه عبد الرحمن كمال عن قصة «فاوست» الشهيرة عبر فيها المبدع يحيى الفخرانى وهالة صدقى ونبيل الحلفاوى ببراعة عن الصراع الأزلى بين الإنسان وإبليس الذى يتجسد فى كل ما يهواه ويحبه ويتوق إليه الإنسان ليأخذه إلى طريق الغواية ويبتعد به عن طريق الخير والإيمان والإنسانية.. فنجد ذلك فى.. رجل الدين والإعلام والفنان والابتذال والأخ والغيرة والابنة والحقد والسحر والكراهية والأم والعمر والضعف والاحتياج والأب والأنانية والملذات وعدم القيام بدوره والتخلى عن المسئولية.. إخراج شادى الفخرانى أضاف جواً أسطورياً رمزاً للعمل.

وكانت مباراة الأداء مشتعلة بين الفخرانى وهالة والحلفاوى وانتصر الإنسان فى النهاية حين غلب دعاء البشر القدر وحيل وغواية «ونوس» فى مشهد صوفى إنسانى درامى تداخلت فيه الأصوات والدعاء والحقيقة والمس الشيطانى والإرادة البشرية.

معظم أعمال الدراما هذا العام كان «ونوس» حاضراً فى شخوصها وصراعها، حيث التيمة الرئيسية هى الفساد والشرور وكم الدهاء والمكائد والحبكة البوليسية والنفوس المريضة المشوهة التى تقتل الأخت والزوج وتعذب الأصدقاء وتسم الأحباب وضباط الشرطة الذين يرتشون أو يضعفون ورجال القانون المنافقون الذين يبيعون الحق من أجل المال والباطل واختلال كل المعايير الإنسانية حتى الأطباء على استعداد لقتل مرضاهم نظير المال فجأة تجد أنك تعيش فى مدينة اللا فضيلة ولا إنسانية.. إنما وحوش آدمية قد غلبها «ونوس» وامتلك روحها وجعلها تبيع روحها وذاتها للشيطان.. «سقوط حر» و«فوق مستوى الشبهات» و«هى ودافنشى».. الأبطال يعانون من أمراض نفسية وتشوهات عقلية وبشرية.. وبقية الأعمال.. مكائد وقتلى وجرحى حتى «جراند أوتيل» الذى استحوذ على استحسان العديد من المشاهدين لرقي الصورة والحوار كان عملاً مليئاً بالأكشن والظلم والحقد والكراهية والدم.. باستثناء عمل درامي واحد سلم ونجا من فخ ومصيدة «ونوس» ومدينة الشر والدم.. «مأمون وشركاه» الذى كتبه يوسف معاطى وقام بالبطولة النجم عادل إمام ولبلبة العظيمة ومصطفى فهمى وشيرين وخالد سرحان المتميز.. بيت مأمون يعبر عن مصر التى تعانى الفقر والحاجة وهى تملك تراثاً وأبناءً قادرين على العمل والإنتاج ولكنهم ينتظرون أموال أبيهم.. بيت مأمون يعيش فيه المسلم والمسيحى واليهودى ويطمع فيه السفير الأمريكى وزوجته.. ويحاول المتطرف معتز زوج الابنة أن يفجره ويدمره.. وينتهى العمل بالأمل بالرغم من موت مأمون الأب.. الذى حافظ على البيت وربى الأبناء وعلمهم الحب والانتماء والتسامح والاعتماد على النفس مع حميدة.. الأم الصابرة المخلصة الحنونة العاملة بشرف وكرامة.. عادل إمام ترك الساحة فى الأداء والظهور لشباب الفنانين فكانت البطولة جماعية ولم ينفرد بالعمل والنجومية.. كما أنه لأول مرة يقبل أن يموت فى المسلسل ويدفن ومع هذا كان الغائب الحاضر.. المسلسل جمع بين الكوميديا الهادفة والدراما السياسية الساخرة والاجتماعية لأسرة مصرية تعانى وتحلم ومع هذا مازالت تحتفظ بالحب والأمل وتلتف حول الأب رغم بخله الشديد وحرصه المريض ولم يتقاتل الأبناء ولم يجحدوا أمهم وأباهم بل احتفظوا بإنسانيتهم وآدميتهم فلم يسكن «ونوس» قلوبهم ولم يفلح فى أن يشترى البيت ولا أن يغوى أرواحهم.. وكانت رسالة العمل سياسية اجتماعية إنسانية.. فمصر باقية فى أيدٍ أمينة.. حميدة الأم التى تصون وترعى البيت والأبناء وهم قد وصلوا إلى حقيقة الانتماء للوطن ولمصر وقرروا أن يعملوا فى بلدهم وأن يعيشوا الواقع لا أن يبيعوا أو يتركوا الأرض والأهل.. وأن قوة الفرد فى أهله وصحبه وعمله وأن للأب مكانة وللأم وضعًا ومهابة وأنه لا مكان للإرهابى المتطرف باسم الدين وأن الغرب طامع طامح مستغل.

وأن مأمون لم يبع ولم يفرط وأن قسوته كانت لمصلحة بنيه.. وعلى الرغم من أن «ونوس» كان شيطاناً إلا أنه أبدع وتفوق على ذاته مع يحيى الفخرانى فكانت مدينته قاسية ومرعبة بينما مأمون وبيته قد نجوا من شره وفساده بالحب والأمل والبسمة والسخرية.. قد نعيش فى مدينة «ونوس» لكن الحب والامل فى قلب وبيت كل منا.. هو الملاذ والنجاة.