رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ضربة قلم

كان فردينان ديلسبس في الرابعة والعشرين من عمره حين نزل من السفينة بالإسكندرية قادماً من تونس ليتولي عمله القنصلي. ولما كانت الإسكندرية ينتشر بها وباء الكوليرا ـ حينذاك ـ فقد تم احتجازه وجميع ركاب السفينة في العزل الصحي . ومكث وقتا شغله بقراءة الكتب التي أحضرها له مسيو «ميمو» رئيسه في العمل, ومن بينها تلك الدراسة التي
أجراها «لوبير» أحد علماء الحملة الفرنسية عن إمكانية حفر قناة تربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر وتختصر الطريق إلي الهند بمقدار النصف. ومنذ ذلك الوقت  ولد حلم قناة السويس وشغل باله وسيطر علي تفكيره وشغف به وجدانه. فردينان ديلسبس ابن عم الإمبراطورة أوجيني وسليل عائلة دبلوماسية فوالده «ماثيو « كان أول ممثل لبلاده في مصر بعد الحملة الفرنسية وجده «بارثليمي» كان سفيراً ووزيراً للخارجية لم تواته الشجاعه ليتقدم بمشروعه الي والي مصر عباس باشا الأول بعد أن استيقن من كراهيته للأوروبيين فاتجه شطر السلطان العثماني الذي رفض مشروع القناة فلجأ إلي الزراعة حيث أنشأ مزرعة نموذجية بعد إعفائه من عمله الدبلوماسي ووفاة زوجته وأحد أبنائه بالحمي القرمزية. وبعد هذا النحس الذى لازمه لسنوات طويلة استيقظ الأمل وتجدد الحلم في 11 يونية عام 1854 عندما بلغه نبأ اغتيال عباس الأول وتولي صديقه سعيد باشا حكم مصر الذى كان يعاني من السمنة المفرطة وفرض عليه والده محمد علي نظاماً غذائياً صارماً وتمرينات رياضية قاسية وتحولت شرائط المكرونة الإسباجيتي التي كان يقدمها له فردينان الي حبال من الود الموصول . وسرعان ماكتب ديلسبس خطاب تهنئه للوالي الجديد الذى دعاه لزيارة مصر في نوفمبر من نفس العام. وفي يوم السابع من نوفمبر اصطحب سعيد باشا صديقه ديلسبس في رحلة من الإسكندرية الي القاهرة عبر الصحراء الغربية في حراسة عشرة آلاف جندى وأهداه حصاناً جميلاً قادماً من سوريا. وفي خيمة الباشا عرض ديلسبس مشروع القناة وحصل علي الموافقة المبدئية واستدعي سعيد قواده ومستشاريه لأخذ آرائهم وموافقتهم وبعد عودته للقاهرة أصدر فرماناً بتنفيذ المشروع. لم يرضخ سعيد ولا ديلسبس لمحاولات السلطان العثماني بوقف الأعمال ولم يثنيهما رفض الإنجليز ولم يلق بالاً لمخاوف الروس أما الأمريكان فكانوا في مرحلة الإنغلاق علي الذات ولم يكترثوا كثيرا بشأن القناة. وفي 12 نوفمبر عام 1862 وصلت المياه الأولي من البحر المتوسط وبدأت تملأ بحيرة التمساح في احتفال حضرة سعيد باشا وقناصل الدول والأعيان المصريين ورجال الدين. وبعد وفاة سعيد أبدى الخديو إسماعيل رفضه لتشغيل العمال المصريين بالسخرة وقال لقنصل فرنسا: «أريد أن تكون القناة لمصر وليست مصر للقناة». واضطر ديلسبس إلي جلب عمالة أوروبية مرتفعة الأجور وجرافات من فرنسا. وفي الخامس عشر من أغسطس عام 1869 نظم ديلسبس احتفالاً بدخول مياه البحر الاحمر إلي البحيرات المرة وقال وهو يعطي إشارة البدء: «منذ خمسة وثلاثين قرناً انحسرت مياه البحر الأحمر بأمر من موسي واليوم تعود هذه المياه الي مجراها تنفيذا لأمر عاهل مصر» . وبعد الانتهاء من حفر قناة السويس كان ديلسبس قد بلغ الرابعة والستين من عمره واحتفل بهذه المناسبة بطريقته الخاصة، حيث عقد قرانه بكنيسة الإسماعيلية علي لويز هيلين الفتاه ذات العشرين ربيعاً.. ديون إسماعيل اضطرته لبيع أسهم القناة وجعلت مصر للقناة خلافاً لمقولته لقنصل فرنسا بأن تكون القناة لمصر ورغم ذلك فإن التاريخ كما يذكر  له بذخه وأسرافه يذكر له أيضاً إنه خلال ستة عشرة عاماً من حكمه أنشأ 112 قناة و430 جسراً و1880 كيلومتراً من خطوط السكك الحديدية و5200 كيلو متر من خطوط التلغراف وأدخل المياه الصالحة للشرب وشبكات الصرف في أحياء القاهرج والإسكندرية وأنشأ 64 مصنعاً للسكر وأنفق كثيراً علي التعليم. وإذا كان قد أضاع القناة بديونه فإن جمال عبد الناصر اعادها الي أحضان الوطن بالتأميم وصارت رمزاً للوطنية. وأعاد الرئيس السادات تشغيلها وزادها تحسيناً وتوسيعاً, وفي عهد مبارك إنهارت شركات الملاحة التابعة لها وزادت خسائرها. الأعمال العظيمة تبدأ بحلم وتولد بفكرة وتتحقق بالعزيمة. . قناة السويس كانت علي الدوام رمزاً للإراده والتحدى. لقد تواصل الرئيس السيسي مع التاريخ ومع أسلافه وواصل الإبحار نحو المستقبل بمشروع قناه السويس الجديدة.. اليوم أحيا الرئيس السيسي روحاً ظننا أنها ماتت وايقظ مشاعر تبلدت.. اليوم نشاركه الفرحة بعد أن شاركناه الحلم والفكرة وكنا مدداً له وعوناً.. اليوم وجب الشكر علينا لسعيد باشا وإسماعيل وناصر والسادات وعبد الفتاح السيسي .. اليوم من حق مصر أن تفخر وأن تفرح .. يارب كتر إفراحنا.