رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

فى حياة الشعوب قصص وحكايات, تجارب وأحداث, يتفاعل معها وتؤثر فى تكوينه, صححت من مساره أحياناً, وهناك شعوب تجاملهم الأقدار, تحتفى بهم كتب التاريخ, تعبد أمامهم الطرق.. والشعب المصرى من أكثر شعوب الأرض ديناميكية للأحداث, فلم تتوقف صناعة الأخبار فى مصر, والأحداث التى مرت على الشعب المصرى جعلته أكثر شباباً, أعطته أكثر مما أخذت, جعلت حركته حادة, يعرف الزيف ويفضح النفاق.

ولعل «قناة السويس» من أكثر المحاور التى درات حولها الأحداث فى مصر وأثرت فى حياة الشعب المصرى إيجاباً وسلباً, على مدى تاريخه, قديمه وحديثه, حاضره ومستقبله, ارتبط تاريخها بالكثير من المستجدات, التى أثرت الوطن بالحيوية, فجعلته دوماً مفعماً بالأحداث عبر الأجيال.

ولم تكن حيوية الأحداث حول قناة السويس وليدة يوم 26 يوليو 1956 عندما وقف الزعيم «جمال عبدالناصر» فى ميدان المنشية بالإسكندرية معلنا «تأميم قناة السويس شركة مساهمة مصرية», ولم يكن تأميمها مجرد استعادة حق فقط, ولكنه استعادة تاريخ وعطاء قدمه الشعب المصرى للعالم.

فقبل عام 1874 ق.م قام الملك «سنوسرت الثالث» أحد ملوك «الأسرة الثانية عشر» بحفر قناة تربط البحرين الأبيض والأحمر عن طريق النيل وفروعه, لتسهيل حركة التجارة بين العالم.. ومرت السنون وفى عهد «الإسكندر الأكبر» تمت إعادة حفرها مرة أخرى بعدما أهملت على مدى التاريخ, واهتم بها «الإسكندر» لإدراكه أهميتها الاقتصادية والعسكرية فى حملاته لشبه القارة الهندية وبلاد فارس، ومع الفتح الإسلامى لمصر أعاد المسلمون حفرها مرة أخرى, وأطلق عليها «قناة أمير المؤمنين», وردمها فيما بعد الخليفة «أبوجعفر المنصور» خوفاً من الإمدادات المصرية لأهالى مكة والمدينة الذين ثاروا على الدولة العباسية آنذاك.. وحوالى عام 1490 م وبعد اكتشاف البرتغاليين لطريق «رأس الرجاء الصالح», لم تعد السفن تمر على مصر, إلى أن جاء احتلال إنجلترا لشبه القارة الهندية وضمها لممتلكات التاج البريطانى, فأصبح طريق «رأس الرجاء الصالح» حكراً على بريطانيا، ومع مجىء الحملة الفرنسية لمصر, ومحاولة فرنسا قطع طرق الإمداد عن الجيش الإنجليزى بالهند, فكر مهندس الحملة مسيو «لوبير» فى ربط البحرين الأبيض والأحمر عن طريق قناة تصل بينهما, ونتيجة لخطأ فى الحسابات الهندسية, يفيد بأن البحر الأحمر أكثر ارتفاعاً عن البحر المتوسط, فقد رأى «لوبير» عدم جدوى حفر القناة, التى قد علق «نابليون بونابرت» قائد الحملة الفرنسية الآمال عليها, ليعيد بها مجد فرنسا وسيطرتها على طرق التجارة العالمية.

وأثناء حكم «محمد على» جاءت جماعة «السان سيمونيون» إلى مصر بمجموعة من المشروعات, ومنها إقامة سد القناطر الخيرية, وإنشاء ممر مائى يربط ما بين البحرين الأبيض والأحمر عن طريق قناة ذات فرعين أحدهما شمالاً, حيث يربط البحر الأبيض بالبحيرات المرة, والآخر جنوباً حيث يربط البحر الأحمر وخليج السويس بالبحيرات المرة, وذلك بعد أن أثبتت المجموعة أن مستوى البحرين واحد عن طريق نظرية «الأوانى المستطرقة», التى أثبتت أن مستوى البحار فى العالم كله واحد, ويمكن القياس عليه على أى بقعة على الكرة الأرضية, وتحمس «محمد على» لفكرة القناطر الخيرية، خاصة أنه أراد التوسع فى الزراعة, إلا أنه رفض مشروع القناة بحجة أولوية الأخذ بالمشروعات التنموية, ولكنه فى حقيقة الأمر رفضه لأنه سيفتح الباب على مصراعيه لأطماع القوى الأجنبية فى مصر, للسيطرة على هذا الطريق الاستراتيجى, الذى سيصبح أقصر الطرق البحرية لربط الدول الأوروبية بمستعمراتها فى آسيا وأفريقيا.

وفضلاً عن أن للوثائق أهميتها وقيمتها التاريخية, فهى تكشف لنا ما خفى وتنير ما هو ملتبس فى حركة الأخبار, فقد أظهرت الوثائق مدى قدر «محمد على» كرجل دولة, ومدى بعد نظره للأحداث الجارية, فقد ذكر مسيو «بارو» قنصل فرنسا فى مصر فى تقريره للحكومة الفرنسية أن «محمد على» لن يسمح أبداً بمنح شركة أجنبية امتياز حفر القناة المقترحة مهما حدث.

وقد أعجبت الفكرة الشاب «فردناند ديليسبس» نائب القنصل الفرنسى حين ذاك, وحين تولى صديقه «سعيد باشا» حكم مصر عرض عليه مشروع «قناة السويس» واستطاع فى 14 يونية 1854 م إقناعه وحصل على امتياز حفر قناة السويس فى اتفاق من 12 بنداً أهمها امتياز حق إدارة القناة لـ 99 عاماً.

وقد شارك نحو مليون مصرى تقريباً فى حفرها, ونتيجة للسخرة وتفشى الأوبئة والأمراض مات فى حفر القناة حوالى 120 ألف مصرى, وفى 1869 م وصلت مياه البحر الأبيض للبحيرات المرة, وضرب أول فأس فى قناة السويس.

وقد كانت القناة سبباً للكثير من المؤمرات ضد مصر,  وفى 1956 م أممها الرئيس «جمال عبدالناصر» فأعادت الحق لأصحابه, وساهمت القناة بإيرادتها فى بناء «السد العالى» ونجاح خطط التنمية, فالإرادة السياسية والشعبية هى سياسات على أرض الواقع وليست أمنيات مؤجلة.

فرفع درجة التصنيف للقناة لدى المجتمع الملاحى العالمى, ليست فقط المراد, فصنع الشعب لتاريخه, وعمله كجسد واحد, بداية من تدابير تكاليف المشروع إلى العمل لاستكماله, لهو دليل على قدرة الإنجاز وتحمله مع الدولة للتحدى والصعوبات, والعبور بالمشروع إلى الواقع, فنحن فى انتظار افتتاح قناة السويس الجديدة لتعبر بنا إلى المستقبل المأمول بإذن الله.