رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عسل أسود

لا ينكر أحد أن الشعب المصري بعد ثورتين زادت طموحاته في أن يعيش حياة أفضل، حلم بإقامة دولة ديمقراطية حديثة تحترم قيمه الدينية، وتواكب تطورات العصر، وتقدر إنسانيته وحقوقه الطبيعية في سكن آدمي وعلاج مجاني، وتعليم جيد، وفرصة عمل تناسب مؤهلاته، ووضع الرجل المناسب اعتماداً على الكفاءة فقط، مع التقاطع على الوساطة والمحسوبية وكروت التوصية، وغيرها من الأحلام الوردية التي صاحبت أغلبية شعبنا الذي ظل يعاني من الفساد والاستبداد لعقود طويلة وما زال، وذاق مرارة التبعية للغرب الذي نهب ثرواته وما زال.

هل يبقي السؤال هل حياتنا أصبحت أفضل، لا أحد ينكر أن ما فعله المصريون في ثورتي يناير ويونية غير مجرى التاريخ، لكن ما يجري في القاهرة لا يجري بمعزل عن المتغيرات التي يشهدها العالم شرقه وغربه، وأن قواعد اللعبة العالمية والتي تتحكم فيها أمريكا لم تتغير كثيراً، يبقى السؤال: هل معني ذلك أن نستسلم «شعباً ودولة»، ونرفع الراية البيضاء ونعلن قبولنا الدوران في فلك واشنطن من جديد، وتنفيذ أجندتها في العالم العربي، أم أننا سوف نتعلم الدرس ونضع استراتيجية واضحة للخروج من تلك الدائرة، استراتيجية لا تعتمد على التصريحات العنترية، أو الآمال الوردية، وإنما تدرك حجم المخاطر الداخلية والإقليمية والدولية التي تشهدها كل تلك الدوائر، كل منها علي حدة أو مجتمعه.

بداية ساذج أو مخطئ من يتصور أن أمريكا يهمها إقامة ديمقراطية حقيقية في أي مكان في العالم، بل تصدر ذلك ذريعة للتدخل في شئون مختلف الدول، بادعاء أنها حامية الديمقراطية والحرية، فما يهم أمريكا أن تظل كل خيوط اللعبة في يدها، وتحرك الجميع كعرائس المارونيت، لتضمن استمرار تدفق الطاقة «تحديداً النفط الذي تملك أكبر احتياطي عالمي منه ويبلغ 200 ضعف احتياطي السعودية أكبر دولة منتجة له» ثم السلاح وتجارته، ويضاف لذلك هدف استراتيجي ثالث، عندما يتعلق الأمر بالعالم العربي وهو ضمان أمن وقوة الكيان الصهيوني «إسرائيل»، وواشنطن تدرك أن النفط متوقع أن ينضب في السعودية ودول الخليج بحلول 2020 لذا لن يكون لها أهمية استراتيجية، لذا بدأت منذ عقود التمهيد لنقل ثقلها المالي والاقتصادي والعسكري إلى جنوب شرق آسيا لمواجهة الخصمين الصاعدين «الصين وروسيا» مرة بالمواجهة ومرات بالتعاون أو العكس، كما أن واشنطن حريصة على إشعال الحروب في مختلف أنحاء العالم من أجل تشغيل مصانع وشركات السلاح التي بلغ حجم مبيعاتها العام الماضي نحو 2 تريليون دولار، وهو ما ينقذ الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني مصاعب عديدة تهدد بانهياره بأي وقت.

وقد أدرك أمراء الخليج تلك المتغيرات المتتالية في العالم، فمنحوا فرصة القيادة لجيل جديد قادر على التفاعل والمواجهة خاصة في الإمارات والسعودية وهو ما باتت تحتاجه الكويت بدلاً من قيادات تحكم بأساليب وتكتيكات قديمة، كل ذلك ليس لنزاع عن السلطة كما يحاول أن يروج البعض وإن وجد على مستويات محدودة، إلا أنه لتفادي متفجرات وقنابل الشرق الأوسط الجديد الهادفة لتفتيت دول المنطقة لعدة دويلات، حيث تسعي واشنطن إلى «لبننة العالم العربي» أي تعميم النموذج اللبناني سواء عبر أنظمة عميلة توافق على التفتيت السلمي، أو إشعال حروب أهلية طاحنة، تنتهي إلى دولة طائفية بلا قدرة على الحركة، وتمارس الجري في المحل، أو الدوران حول النفس، دون أي خطوة نحو الاتجاه الصحيح، أو التقسيم لعدة دويلات طائفية أيضاً، وهو ما يجدي الحديث عن تطبيقه الآن في العراق، وأصبح أحد أكثر الحلول المطروحة لإنهاء الأزمة السورية، وهو خطر لو تعلمون عظيم.

يبقي السؤال أين مصر من كل ما يجري، وما يحدث، وهل النظام الجديد قادر على مواجهة التحديات وفرض قواعد جديدة للعبة، فالغرب لن يتخلى عن الكنز الثمين «مصر» بسهولة، أم أنه يستكمل اللعب بنفس القواعد القديمة التي توارثتها الأنظمة المصرية منذ عصر السادات، والتي تتحكم أمريكا في أغلب خيوطها وتتخلى عن استقلال القرار الوطني وتنعم في براثن التبعية، ووفقا لمراكز أبحاث أمريكية متخصصة فإن واشنطن لا يهمها إلا من يحقق مصالحها في الاتجاه الذي تريده، فقد تخلت عن مبارك رغم أنه خادمها المخلص «مبارك كان خادماً ولم يكن عميلاً»، وسلموا الأمر لجماعة الإخوان التي قبلت أن تكون رأس حربة مشروع تفتيت العالم العربي وقدموا أنفسهم على أنهم العميل الأفضل لواشنطن لتنفيذ ذلك المخطط، ورغم رفض أمريكا لثورة المصريين في 30 يونية، فإن عدداً من مراكز صنع القرار نصحت وما زالت بخطورة عدم التعامل مع النظام المصري أو ترك القاهرة تلعب خارج النفوذ الأمريكي، مؤكدة ضرورة استعادة الثقة مع القاهرة وتجديد التعامل مع المؤسسة العسكرية المصرية لإدارة الأمور باعتبارها مصدر ثقة، استناداً لخبرة التعاون معها منذ حرب أكتوبر 73 واتفاقية كامب ديفيد 1979، ووفقاً لمصادر أمريكية فإن إدارة أوباما قبلت بالأمر الواقع مؤقتا، وقررت منح النظام الجديد في مصر فرصة من الوقت «عام تقريبا» لتحديد إمكانية التعاون بينهما، وسط تسريبات عن تفاهمات مع القاهرة، لكن يبقي الخطر هل يلعب الرئيس عبدالفتاح السيسي ونظامه مع واشنطن بقواعد جديدة تقوم على استقلال القرار الوطني، وتحقيق مصالح مشتركة بين البلدين، أم تظل مصر تابعة والسيسي يتحمل ميراث مبارك، والبداية هل يعلن السيسي تغيير لعبة الطاقة وتجارة السلاح في مصر والتي يستفيد منها شخصيات أخطبوطية في الداخل والخارج، ويفرض عقوداً ورؤية جديدة أم تسير الأمور «كما كنت» منذ سبعينيات القرن العشرين، وإذا كانت لدى الرئيس الرغبة في تغيير المشهد واللعبة معا فهل يملك الأدوات لذلك؟

تلك الأسئلة المشروعة وغيرها، تكشف حجم التحديات الصعبة التي تواجهها مصر «شعباً ودولة»، ولن يستطيع «السيسي» الذي يمتلك شعبية واسعة أن يفرض أي تغيير في الخارج دون ترتيب البيت من الداخل، وهنا سيجد نفسه يواجه تحديات أصعب، أبرزها نظام مبارك الذي يتحكم في الوطن اقتصاديا واجتماعيا وإعلاميا وسياسيا عبر شبكة مصالح عنكبوتية تكونت عبر عشرات السنين، وتفتيت تلك الشبكة وبناء أخري جديدة على أسس وطنية ليس بالأمر السهل، فقد استطاع فسدة النظام المباركي أن يعودوا للساحة من جديد وبشكل أقوى، ولو نجحوا في السيطرة على البرلمان القادم أياً كان الاسم المتجمعون حوله فإنهم سيصبحون خطرا عظيما، وهؤلاء ليس لديهم مانع أن يتعاونوا مع الإخوان والخارج في سبيل تحقيق أهدافهم الشخصية الضيقة كما فعلوا في صفقة برلمان 2005 الشهيرة، إضافة إلى أن الرئيس الذي يحظي بدعم شعبي واسع، يواجه لوبي يحاول إسقاطه وإفشاله، هذا «اللوبي» يضم مكونات متعددة الاتجاهات إلا أنها تجمعت على هدف إسقاط الرئيس، وهو ما يستوجب فضح ذلك المخطط المشبوه وجميع أطرافه الداخلية والخارجية، وترتيب البيت من الداخل والاحتماء بالشعب فمن يحتمي بغير شعبه يذل، وذلك عبر قرارات وإجراءات حاسمة يطلع عليها الشعب، الذي أصبح هناك الآلاف «يلعبون في دماغه» لجعله يكفر بالنظام الجديد، فلن تفلح تبني الثقة بين المواطنين والنظام بحملات مثل استمارة «أثق في السيسي» رغم هدفها الوطني، لكن الإنسان البسيط يبحث عن تحسين أحواله المعيشية وفرصة عمل تغنيه عن السؤال، وليس مجرد شعارات. وفي الختام لا نملك سوى أن نؤكد أن الرئيس لن يمكنه أن يواجه المخططات الغربية المشبوهة دون أن يؤمن ظهره بشعبه، وهو ما يستوجب المصارحة بين الطرفين، وبدء مرحلة العمل والبناء لإقامة دولة العدل التي تحترم جميع أبنائها وتمنحهم كافة حقوقهم، دولة لا تتصالح مع الفساد والاستبداد، ولا ترضخ لضغوط الإرهاب وجماعة العنف والتطرف المصنوعة غربياً، دولة لا تهدر أعمار أولادها فيما لا يفيد، وتعلم أن النظام أي نظام لا يعيش دون رضاء شعبي واسع وحقيقي وليس مصطنعا.. اللهم بلغت اللهم فاشهد.

[email protected]