عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لك أن تصدق أو لا تصدق، فالأمر متروك لك، أن العبارات التالية قالها الأشهر في علم الرياضيات اليوناني فيثاغورس، غير أني أنقلها لك من مصدر ثقة لا يرقى إليه الشك. فماذا يقول الرجل؟. دعنا نرى. من التعليمات التي جاءت في مذهب فيثاغورس الديني: يجب عليك أن تمتنع عن أكل الفول، يجب ألا تمس ديكاً أبيض، ألا تمشي في الطرق العامة، ألا تحرك النار بالحديد، ألا تأكل من رغيف كامل.

تخيل أن أياً من هذه الأقوال وردت على لسان البخاري مثلاً أو الإمام الشافعي أو الإمام أحمد بن حنبل أو أي من رموزنا الدينية في التاريخ الإسلامي ممن قدموا لنا كتباً ما زالت حية بيننا حتى الآن. لا أشك لحظة في أن الكثيرين من «المتنورين» كانوا سيدعون إلى حرق هذه الكتب باعتبارها تروج لخرافات وهلاوس عفى عليها الزمن والتلميح من بعيد إلى أن هذه الأقوال لا تعبر عن صاحبها بقدر ما تعبر عن ديننا، في إشارة من طرف خفي إلى أن المشكلة ليست في الأشخاص وإنما في الدين الذي ربي هؤلاء الأعلام. ولكن كيف تعامل الغربيون مع مثل هذا التراث الذي يماثل ما وجدنا عليه من سابقينا في التاريخ الإسلامي؟

نشير بداية إلى أن الهدف من هذه السطور ليس الدفاع عن التراث أو الهجوم عليه وإنما ترشيد النظرة إليه وعقلنتها في ظل تصاعد الموجة الرافضة لاعتباره أحد الأصول التي يمكن التعويل عليها في النهوض بالأمة, وفي ذات الوقت مواجهة محاولات البعض تقديس التراث لدرجة اعتبار ما جاء به لا يرقي إليه شك أو إعادة نظر.

صحيح أن النقاش حول هذه القضية ليس جديدا، لكن تزايد الحديث عنها على خلفية عدد من القضايا كان أبرزها الجدل حول برنامج إسلام بحيري الذي قدمنا رأينا من قبل فيما دار بشأنه. لا نناقش هنا مواقف الأطراف المختلفة من التراث وإنما نقدم رؤية غربية ليست من تراثنا وإنما من التراث الغربي لعلها تكون هادية في شأن التعامل مع تراثنا في ضوء نظرة البعض للغرب باعتباره النموذج الذي يجب الاقتداء به وتلمس خُطاه في طريقنا نحو النهضة.

نستعين في استعراض هذه الرؤية بما قدمه الفيلسوف برتراند راسل بشأن تراث اليونان ومن سبقهم في كتابه «تاريخ الفلسفة الغربية» والذي ترجمه الفيلسوف الراحل زكي نجيب محمود وراجعه الأستاذ أحمد أمين.

في هذا الكتاب يقدم راسل رؤية نقدية لما قدمه أعلام اليونان قبل سقراط وبعده بشكل يثير التساؤل حول حكمة اعتبار هؤلاء من قبيل الأعلام الذين يجري تخليد ذكرهم وما قدموه من إسهامات فكرية ما زالت تمثل الأساس للفلسفة والعلم في عصرنا الحديث، فطاليس الذي يعتبر أحد الحكماء السبعة في اليونان يقول عنه راسل: نعم إن ما قرره من علم ومن فلسفة كان ساذجاً لكنه كان جديراً أن يثير الفكر والملاحظة.

أما فيثاغورس فرغم ما أشرنا إليه سابقا من أقواله، فإن راسل يقول عنه إنه كان من أهم من شهدت الدنيا من رجال من الوجهة العقلية. ويذكر أن البعض وصل لمرحلة تقديسه وصولاً به إلى مرتبة كونه ابن ما يسمى بالإله أبولو.. فيما يضعه آخرون في مرتبة الأنبياء، ويصل إلى حد التأكيد على أنه كان قوي الأثر إلى حد بعيد جداً في كلا الجانبين: الدين باعتباره نبياً.. والرياضة البحتة. ويضيف: لست أعلم عن رجل آخر كان له من التأثير في نطاق الفكر ما كان لفيثاغورس.

الأمثلة التي يقدمها راسل بشأن ما قد يعتبره ضحالة وتخلف تراث الأولين في الغرب عديدة، ويقصر المجال عن استعراضها بالتفصيل في هذه السطور. غير أنه لزيادة الأمثلة خذ هذا النموذج وهو الفيلسوف «أمباذقليس» الذي يقول عنه راسل إنه يمثل في شخصه أكمل تمثيل ذلك الخليط الذي شهدناه في فيثاغورس ويعني به أن يكون فيلسوفاً ونبياً وعالماً ومهرجاً في آن معا؟ لقد كان واضع أساس المدرسة الإيطالية في الطب. وقد كان يتحدث عن نفسه باعتباره إلهاً: «إني لأتحرك بينكم إلها خالداً فلست الآن بالفاني». ورغم إدانة راسل لإذعانه للخرافات السائدة في عصره، فإنه لا يلومه قائلاً إنه في ذلك لم يكن أسوأ حالاً من كثير من رجال العلم في العصر الحديث.

وبشكل بالغ العقلانية يشير راسل في تحديد الموقف المطلوب من تراث الأولين لديه في الغرب إلى موقفين الأول، هو التبجيل والثاني، اعتبار سلطان القدماء كابوساً جاثماً ورغم تحفظه على تفكيرهم بأنه كان صبيانياً إلى حد كبير فإنه يعترف بأنهم هم الذين خلقوا التفكير النظري خلقا. ومن هنا يخلص إلى القول بأن من الخطأ معاملة اليونان باحترام خرافي فعلى الرغم من أن فئة قليلة منهم هم الذين أشرقت عليهم أشعة المنهج العلمي لأول مرة إلا أنهم بصفة إجمالية لم يكونوا يستسيغون المنهج العلمي بطبيعة عقولهم وأن محاولة تمجيدهم بالتصغير من شأن التقدم العلمي الذي تم في القرون الأربعة الأخيرة لمما يقعد بالفكر الحديث عن النهوض. ويدعم رؤيته تلك بمقولة حبذا لو آمن بها الجميع وهي «أنه لا يحتمل أبداً لأي إنسان أن يكون قد بلغ الحق النهائي الكامل في أي موضوع كائناً ما كان».

رغم أن هذه آراء فيلسوف بحجم راسل في أساطين التراث اليوناني وما يراه سقطاتهم.. فإننا على جانبنا الإسلامي نرى العجب العجاب.. فتراثنا هو مطية البعض للشهرة، والهجوم عليه هو الوصفة السحرية للصعود، حتى يخال لك أن نهضتنا بإلقاء هذا التراث في البحر، وتلك هي الطامة الكبرى!

[email protected]