رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

العذاب فى دور رعاية الأيتام

بوابة الوفد الإلكترونية

تحتفل مصر بيوم اليتيم، ذلك اليوم الذى ينتظره ملايين الأطفال «مجهولي النسب» المحرومين من الرعاية الطبيعية داخل دور الرعاية الاجتماعية، سواء الأهلية منها أو الحكومية، أكبر أحلامهم فى هذا اليوم قبلة أو كلمة طيبة تمسح على وجوههم البريئة وتشعرهم بالدفء والحنان والمحبة،

والأمل فى غد ومستقبل أفضل لهؤلاء الأيتام، الذين يعانون من التعرض لكافة أشكال الاستغلال على أيدى القائمين على أمور الدور التى من المفترض أنها تقوم برعايتهم، التي تصل في شدتها وسعة مجالها إلى حد الاتجار بالأطفال الذى يبدو مكشوفاً أمام أصحاب البصيرة.
أكثر من 4.5 مليون طفل يسكنون دور الأيتام بنوعيها العام والخاص فى مختلف بقاع مصر ومحافظاتها، تلك الفئات عانت مرارة التهميش وعدم الأمان والخوف والإهانة والأذى، حيث تطالعنا وسائل الإعلام المختلفة يومياً بانماط جديدة من الجرائم الوحشية داخل دور الرعاية لم تكن مألوفة من قبل، ورغم سيل التصريحات الحكومية المتكرر يومياً التى تزعم أنها تراعى الفئات المهمشة، إلا أن الحقائق فى دور الرعاية ترصد زيادة حجم العنف والجريمة الذى يرتكب ضد الأطفال بشكل غير مسبوق، وحقوق الطفل تنتهك فى بعض المؤسسات جهاراً نهاراً إلى حد يصعب تصوره، كما أن القضية لديها أعباء كبيرة وخطيرة الآن.
ولا يمكن تجاهل أن الآونة الأخيرة شهدت عدة جرائم بشعة فى حق الطفولة البريئة داخل دور الأيتام فى مختلف المحافظات هزت البلاد، فى منتصف سبتمبر 2014 ، تعرض أطفال بدار أيتام فى النزهة الجديدة لحفلات تعذيب، حيث قامت مشرفة بوضع «شبشب» فى فم أحد الأطفال لإسكاته، والمشرفة الأخرى تقيد طفلاً بالحبال ثم تعتدى عليه، وآخرون يضعون مياهاً فى ألبان الأطفال دون رحمة أو شفقة، وتم التحفظ على المتهمات بعد اعترافهن بنيابة النزهة الجديدة، وغلق الدار ونقل الأطفال لدار أخرى.
وفى أغسطس الماضى، تعرض أطفال بدار أيتام الهرم لوقائع وحشية تقشعر لها القلوب والأبدان من أحد العاملين بالدار، بسبب قيامهم باستعمال الثلاجة والتليفزيون.
وفى فبراير الماضى، اغتصب مشرف بدار أيتام بالشرقية 3 أطفال فى عمر الزهور على فراشه وتحرش بخمسة آخرين وجاءت اعترافاته بالنيابة العامة مفاجئة للجميع فلم ينكر التهم الموجهة إليه باغتصاب ثمانية أطفال بل اعترف بكل جرائمه.
وفى مايو 2013، اغتصب طفل عمره 7 سنوات بإحدى المدارس التابعة لجمعية شهيرة لرعاية الأيتام بالمقطم.
وفى عام 2012، اغتصب مهندس بدار أيتام شهيرة بالجيزة طفلين وهتك عرض ثلاثة آخرين تتراوح أعمارهم بين 8 إلى 10 سنوات، لأجل ذلك تبدو الأسئلة حول أوضاع الأيتام ملحة.
ولعل سبب مناسبة الاحتفال بيوم اليتيم يفرض هذا السؤال نفسه: كيف يقضى أطفال الملاجئ الأعياد والمناسبات؟.. وهل مازالت قلوبهم نابضة بالحياة والأمل فى حياة كريمة، أم إهمال وزارة التضامن لهم سبب فى أن أصبحوا على هامش الحياة؟
وهل نحن بحاجة إلى مشروع «رعاية الأيتام» يمكنه استيعاب الأيتام وترويضهم فكرياً واجتماعياً وأخلاقياً، مع تنمية قدراتهم البشرية، وبحث إمكانيات الاستفادة منهم ليكونوا نواة فاعلة فى المجتمع ويدركوا أن لهم قيمة وحاضراً ومستقبلاً، أم أن الحكومة والجهات المعنية ستواصل تجاهل هذه الفئة المهمة من المجتمع وتتركها في يد القسوة والإهمال.
حاولنا رصد حال الأطفال الأيتام فى ذلك اليوم، وما تقدمه دور «ملائكة الهرم» من أعمال تمسح دموع اليتيم وتشعره بالأمان وإزالة العقبات وشرور الحياة.
«مصطفى عز» يبلغ من العمر 17 عاماً، وهو خجول مع الأغراب، إلا أن مظاهر الفرحة تغلب على ملامح وجهه البريئة عند رؤية الزائرين، وقال: «مستنيكم نحتفل مع بعض بيوم اليتيم.. هيكون عندنا فقرات كتير للأطفال وهدايا ومفاجآت.. وكتب رسم وألوان وقصص للأطفال.. نرسم ونلون معاكو وهنحكى قصص ونلعب طول اليوم».
وهناك أيضاً «وسام مراد»، يعشق الرسومات التى غابت عن عالمه الباهت لتخرج منه إبداعات فنية رائعة تجاوزت سنه الصغيرة.. ويقول: «أنا أحب أختار ألوان التلوين، وأقوم برسم الشخصيات الكرتونية لعرضها فى معرض الدار، وسوف نشارك الاحتفال بأعمالنا الفنية».
أما «رأفت»، 21 سنة، يقول: «بحب ألعب لعبة كرة القدم مع إخوتى فى الملجأ، ونفسى أكون لاعب كورة معروف».
ويقول عادل، «ذو الـ 13 سنة»: «أنا بحب سماع الأغانى الشعبية ومشاهدة الألعاب الترفيهية والجلوس بصحبة الأخ الأكبر والمراقبين وباقى العاملين بالدار».
وكذلك «حبيب»، الذى يعانى من شلل رباعى وضمور فى المخ، فهو طفل عاجز عن الحركة والكلام، لكنه يظل مبتسماً دائماً، يرغب فى مشاهدة الكرتون واللعب مع إخوته الكبار وممازحتهم وتقبيلهم وضمهم بسبب وبدون سبب.
«وحيد» 17 سنة، رأيته جالساً فى غرفة الألعاب وهو منغمس بالرسم والتلوين.. وعندما سألته.. ماذا تفعل.. قال لى بابتسامته التى تخطف القلوب: «بحضر صور ورد وأزهار علشان هوزعها على أقاربنا اللى هنشاركهم فرحة الاحتفال داخل الدار.. وهيكون يوم مش عادى.. فرق موسيقية ورسم بالألوان»، مؤكداً أن رياضة الكاراتيه وكرة السلة.. أهم اهتماماته.
أما على إبراهيم، «16 عاماً»، معاق حركياً وجسمانياً، حاصل على ثانى بطولة للكاراتيه لذوى الاحتياجات الخاصة، يتمتع بالذكاء الفطرى ونظرته مؤثرة تبحث عن الأمل، كما يعشق لعبة الكاراتيه والرسم والتلوين، وعندما يرسم يعود سريعاً للعبة الـ «بلاى ستيشن» التى تجمعه مع إخوته فى الدار، كما أنه تعلم مهارات التريكو، والنول، التى يتم تدريبه عليها داخل مركز تنمية القدرات، الذى يقوم بعرض منتجات هؤلاء الأطفال فى المعارض والفعاليات المختلفة التى تشارك فيها جمعية الأورمان، للتأكيد على قدرة هؤلاء الأطفال فى العمل والإنتاج.
«هانى»، طفل هادئ ومحبوب من كل العاملين في الدار، تميزه ابتسامته التى تشرق كل صباح داخل الدار.. وعندما سألته عن شعوره فى عيد اليتيم.. قال: «أنا فرحان علشان ناس كتيرة هتيجي تزورنا زى كل سنة، إحنا مستنينكم، وهنكون فرحانين وهنلعب مع بعض فى غرفة الموسيقى، وهعطيهم من الرسومات ومنها وردة وطيارة».. ثم سكت لثوانى وقال: «لما أكبر عاوز أطلع طيار».

الرعاية الطبية والنفسية
من جانبه، أكد إيهاب إبراهيم، مدير دار ملائكة الهرم لرعاية الأيتام، حرص الدار على رعاية الأطفال صحياً، مشيراً إلي أن الطبيب يأتي لفحص الأطفال والاطمئنان على حالتهم الصحية، كما تحرص الدار على مراعاة الجانب النفسى للأطفال، بالإضافة إلى نشاط «الأخ الأكبر» الذى تتميز به جمعية الأورمان عن الجمعيات الأخرى، بحيث يصبح للطفل مجموعة من الإخوة يتحملون المسئولية مع الدار ومشاركتهم الإيجابية من أجل مصلحة الطفل لكى يشعر أنه يعيش وسط أسرة يشاركها المناسبات والأعياد كأى طفل عادى.
وتري الدكتورة ابتهال أحمد رشاد، مستشارة التنمية البشرية وقضايا المرأة والطفل وحقوق الإنسان، أن وزارة التضامن الاجتماعى هى المسئول الأول فى الرقابة على دور الرعاية،

إلا أن الوزارة لا تتوافر لديها الرؤية والاستراتيجية الواضحة للنهوض بدور الرعاية أو تحسينها.
وأوضحت أن المجلس القومى للطفولة والأمومة ليس لديه خطة لوضع سياسة عامة لحماية الأطفال، أو حتى التنسيق مع الوزارات المعنية بالطفل مثل التضامن الاجتماعى والصحة والتعليم.. وغيرها.. مؤكدة أن حماية الأيتام لابد أن تبدأ فوراً حتى لا يتحولوا إلى مواطنين كارهين للمجتمع والسلطة لم تلتفت إليهم فى الوقت المناسب، ولم تتقدم لحمايتهم فى طفولتهم.

رقابة ومتابعة
ويؤكد الدكتور على ليلة، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن دور الأيتام فى حاجة ماسة إلى إشراف مباشر وعاجل من الدولة، لأن حقوق الطفل تنتهك فى بعض دور الرعاية جهاراً نهاراً إلى حد يصعب تصوره، ويبدو أن حالة العنف التى تستشرى فى السلوكيات داخل المجتمع قد وصلت إلى دور الأيتام أيضاً، مضافاً إليها غياب ضمائر بعض المشرفين وانحدار الأخلاق وتجاهل أصحاب الدور للمعايير المطلوبة فى المشرفين عن هذه الدور، مع غياب الرقابة من جانب أصحاب الدور الذين من المفترض أن يتابعوا  ما يجرى داخلها، وقبل كل ذلك لابد من حضور قوى من جانب وزارة التضامن الاجتماعى بداخل إدارة الدور، بحيث يتسنى لها المتابعة والتقييم وضمان حد أدنى من الأداء يكفل أمان وصحة ورعاية  الملحقين بالدور.
ويذكر أحمد عودة، الخبير القانونى ومساعد رئيس حزب الوفد، أن المادة 80 من دستور 2014، التى تمثل إطار حماية دستورية مبتكرة للطفل، يشترط إيجاد آليات لتطبيقها على أرض الواقع، التى تنص على: يعد طفلاً كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، ولكل طفل الحق فى اسم وأوراق ثبوته، وتطعيم إجبارى مجانى، ورعاية صحية وأسرية بديلة، وتغذية أساسية، ومأوى آمن، وتربية دينية، وتنمية وجدانية ومعرفية، وتكفل الدولة حقوق الأطفال ذوى الاعاقة وتأهيلهم واندماجهم فى المجتمع.. وتنص أيضاً على التزام الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسى والتجارى، ولكل طفل الحق فى التعليم المبكر بمركز للطفولة حتى السادسة من عمره، ويحظر تشغيله قبل تجاوزه سن إتمام التعليم الأساسى، كما يحظر تشغيله فى الأعمال التى تعرضه للخطر، كما تلتزم الدولة بإنشاء نظام قضائى خاص بالأطفال المجنى عليهم، والشهود، ولا يجوز مساءلة الطفل جنائياً أو احتجازه إلا وفقاً للقانون وللمدة المحددة فيه.
مؤكداً أن هناك تراخياً من وزارة التضامن الاجتماعى، التى لم تؤد دورها  الإشرافى والرقابى كما يجب، على أنشطة جمعيات رعاية الأيتام وهو أمر غاية فى الخطورة، خاصة مع تكرار حوادث انتهاك الأطفال فى دور الرعاية المختلفة.
ويطالب الدكتور أحمد ماضى أبوالعزائم، رئيس الاتحاد العالمى السابق للصحة النفسية، الدولة بضرورة توفير رعاية طبية، واجتماعية، نفسية للأطفال بدور الأيتام، بهدف تحجيم عزلتهم عن المجتمع.. مشدداً على أهمية وضع لوائح تحميهم من خطر الاستغلال الجسدى والنفسى، إلى جانب تطبيق الفصل السكنى وفق النوع والسن والإيفاء بالاحتياجات الثقافية والترفيهية.

مطلوب الرحمة
ويقول الشيخ على أبوالحسن، رئيس لجنة الفتوى الأسبق: تعد كفالة اليتيم من باب الإحسان إليه فى وقت يحتاج فيه إلى الرعاية بعد فقد والديه أو أحدهما، وهى فى نفس الوقت إحسان إلى الأمة التى يوجد فيها باعتبارها مسئولة عن أفرادها.. الحاجة إلى الرعاية كما هو حال اليتيم، فمن كفل واحداً أو أكثر منهم.. فقد حمل عنها ما يفترض عليها أن تحمله، فهو بالتالى قد أحسن إليها.. فكفالة اليتيم إذن بر وإحسان أمر الله به من يقدر عليه من عباده ضمن عموم قوله تعالى: «وأحسنوا إن الله يحب المحسنين»، كما أكد الله على رعاية اليتيم والإحسان إليه فى عدد من الآيات فى كتابه العزيز، فأمر بإعطاء اليتيم من ماله ما يكفى لأن يطعمه ويكسوه، وينفق عليه إذا كان لا يزال فى الولاية، ومن ثم تسليم ماله إليه بعد بلوغه ورشده عملاً بقول الله تعالى: «وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيراً».
وأوضح الشيخ «أبوالحسن» أن كفالة اليتيم لا تقتصر على النواحى الغذائية فقط، بل يتسع معناها ليشمل احتضانه وتعليمه والاهتمام بصحته وإعداده نفسياً وتربوياً لمواجهة المستقبل، والأخذ بيده نحو الفضيلة ودعمه روحياً وثقافياً وزرع الأمل فى نفسه، ومعاملته بصدق وإخلاص والحرص على مستقبله وسلوكه، كما يكون حرص الأب على مستقبل أبنائه وسلوكهم.