رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

من صابر المصرى للرئيس: نفسى أكون كومبارس

 

سيدي الرئيس الجليل، لعلك مازلت تذكرني، بل أحسبك ستعمل جاهداً علي أن تفي بعهدك الذي وعدتني إياه فأنا قريبك ونسبيك.. جارك القديم في السكن وزميلك في معاهد التعليم.. أنا ذلك الرجل الأسمر الصبور الحمول ذو الوجه دائم الابتسام رغم قسوة الحياة الذي كثيراً ما جلس إلي جوارك في مطاعم الفول والكشري

وكم جاذبته أطراف الحديث العابر في المقهي الذي اعتاد كلانا الجلوس عليه أيام الصبا والشباب.. أنا يا سيدي صابر المصري الذي اعتدت – مثلك - أن أصحو مع صياح الديك مؤذناً للفجر وإيذاناً ببدء يوم جديد ينضم إلي ألوف أيام سبقته في رحلة معاركة الحياة في اللحظات القليلة الفاصلة ما بين اجتهادي لفتح عيوني وجهادي من أجل مغادرة الفراش تعاودني رغبة – لا تتحقق أبداً – أن أستمتع – ولو لمرة واحدة في العمر – بلذة وترف إكمال النوم حتي الضحي متحدياً الخوف من أرباب العمل، وممتنعاً عن الانضمام إلي طابور المربوطين بساقية استخراج لقمة العيش من بين أنياب الدنيا بالعرق والدم.. أهب من الفراش دفعة واحدة لوأد مشروع التمرد علي واقع أرفضه ولكنني لا أملك سواه.. وضوء وصلاة يعقبهما دعاء طويل تصاحبه في غير قليل من الاحوال دموع ساخنة صادقة تستعجل فرجاً طال انتظاره.
أخرج من بيتي الذي أهداه عبدالناصر لأبي قبل نصف قرن ولكنه الآن شاخ واهترأ.. أصل إلي أي شارع عمومي مزاحماً ألوفاً غيري طمعاً في الفوز برغيف عيش غير آدمي أو الحصول علي فطيرة رخيصة مصنوعة بدقيق منتهي الصلاحية أو لأسبقية القفز داخل «ميكروباص» يقوده مسجل خطر لا يفيق من البانجو أو الحبوب المخدرة.. أصل إلي عملي في شركة خاصة أو مؤسسة حكومية أو مصنع قطاع أعمال باعه المتربحون أو خربه المفسدون وربما أنضم إلي ألوف غيري يجلسون القرفصاء في الميادين الكبيرة محدقين فيما حولنا ببلاهة منتظرين من يأتي راغباً في هدم حائط أو حفر أساسات لقاء قوت اليوم ونصف قوت بضعة أيام مقبلة لن نجد من يستخدمنا فيها.. أياً كان عملي فهو ساعات طويلة منهكة نقتات فيها علي الصبر وكسرة خبز مع رشفات كوب شاي صعيدي بالغ الثقل حالك السواد نحتسيها في لحظات راحة لا تطول مسترجعين فيها وجه حبيبة تركناها في نجوع الصعيد أو كفور الدلتا تنتظر عودة غائب في غالب الأمر.. لا يعود.
أعود يا سيدي الرئيس بعد أن تغيب الشمس ثائراً علي أهل بيتي لاتفه الأسباب وربما – بل غالباً – من غير سبب علي الإطلاق منفساً عن ذل

الساعات أمام لقمة عيش لا ترحم طالبها.. أقتات علي طبق أرز وغرفة طبخ حرمت الزوجة نفسها منهما حتي يأكل الأبناء والزوج مقسمة أيماناً مغلظة كاذبة أنها سبقتني.. انفرد بنفسي أو أهرب إلي مقهي قريب.. يتبعثر من حولي دخان الشيشة يميناً ويساراً مثلما تتبعثر أمنياتي بغد يخلو من الهموم.
أنا يا سيدي الرئيس صابر المصري الذي سرقت الأيام أيامه وشبابه وصحته والباحث عن عمل يحبه ويبدع فيه.. أنا الحالم بمدرسة لأبنائي فيها مقعد ومدرس وكتاب مفهوم. مستشفي به طبيب وزجاجة دواء.. مصلحة حكومية لا أدفع لموظفيها رشوة.. شارع آمن تشتري منه زوجتي لوازم البيت بلا خوف من البلطحية.
أنا يا سيدي الرئيس صابر المصري الذي فتكت به الدنيا وأدمي قلبه الفساد وأطفأ ضحكته الفقر والعوز وأحني ظهره الهم والدين.. أنا الذي كتبت عليه الأقدار أن يأتي إلي الدنيا ثم يخرج منها دون أن يعبأ بهذا القدوم أحد أو يحفل بذلك الخروج إنسان، واحد من عشرات ملايين ليس لهم في الحياة من دور سوي أن يكونوا مثل «المجاميع» التي تظهر في حروب السينما يملأون الفليم صخباً وضجة دون أن يظهر وجه أحدهم في «الكادر»، عمر طويل قضيته حالما بالانتقال من صفوف المجاميع إلي ترف الكومبارس الصامت ومن يدري لعل الأقدار تلعب لعبتها وتجعلني – حتي ولو قبل الممات بيوم – كومبارساً متكلماً أنطق جملة أو حتي كلمة واحدة.
أنا يا سيدي الرئيس صابر المصري الذي ثار ضد مبارك وتمرد علي الإخوان باحثاً عن حلم مصر الفتية بفتي عفي يعيد النيل إلي مجراه بعد طول اعوجاج، ها هي يدي المعروقة المكدودة ممدوة إليك.. فهلا – بالله عليك – مددت يدك؟