إلغاء "المسرح التجريبى" كارثة مسرحية
أعترف أن مجموعة الانتقادات والسلبيات التي كانت تتركها كل دورة من مهرجان المسرح التجريبي، كفيلة بأن تهزمه وتغلق أبوابه إلي الأبد، فبعض هذه المثالب جذرية
وكثير منها يلغي تقاليد مسرحية راسخة، ومنها من قال إنه إهدار للمال العام، ولكن برغم هذا وذاك فإني متحمس لعودة المسرح التجريبي وأطالب وزير الثقافة الدكتور محمد صابر عرب بدراسة ملف هذا المهرجان، لأن مسرحنا المصري اليوم بحاجة ملحة للتنوير، خاصة أن لدينا شباباً مبدعين من جميع الاتجاهات السياسية وفي مختلف التخصصات لديهم الحماس في عمل شكل مسرحي جديد يليق بمصر بعد ثورتي 25 يناير و30 يونية.. الانتقادات التي لاحقت مهرجان المسرح، دخل أغلبها في خانة عداء البعض للوزير الأسبق فاروق حسني، وكان أغلب هؤلاء يتصيدون له الأخطاء، وإن كان هذا ليس مجاله الآن، إلا أنني انتقي فقط ما حدث لإغلاق مهرجان المسرح التجريبي الذي يعتبر أحد إنجازات حسني بل كان يدافع عنه في كل دورة باعتباره أحد الآمال لنهضة مسرحنا المصري، وقد لاحقوه باتهامات كثيرة، أغلبها يصب في أن العروض الأجنبية عامة لا تعبر عن قمة ما وصل إليه الغرب والشرق في مجال المسرح التجريبي.. وأن الفرق التي تشارك في المهرجان مجرد فرق محدودة المستوي، وكثير منها يقدم نماذج لا تتجاوز بكثير عروض المسرح المتمرد في أوروبا خاصة في سنوات الستينيات والسبعينيات، وكان لأستاذنا المخرج الكبير جلال الشرقاوي رأيه الخاص في هذه العروض فهو يري أن أغلبها لا يتعدي استعراضات راقصة موسيقية بالجسد، ولا تضيف للرؤي وللفكر المسرحي الكثير، وكثيرون من أعداء فاروق حسني وصفوا المهرجان بأنه مجرد بهرجة إعلامية، باعتبار أن زمن فاروق حسني هو زمن المهرجانات الفنية المؤهلة لإشغال الناس عن همومهم وعن سلبيات الحكم في هذا العهد.. بل تعدي الهجوم أن كثيراً من عروضه وصفها البعض بأنها ضد الدين فهي تزدري الدين الإسلامي.. وكان أحد العروض في الدورات الأولي قد أثار جدلاً لا حدود له، من حيث إنه كان يتناول بعض الطقوس الدينية الإسلامية بأسلوب ساخر، وكان العرض مصرياً وقامت الدنيا ولم تقعد حتي انتهي العرض ولم ينقذ المخرج سوي الموت المبكر، الذي لاحقه بعد أسابيع من انتهاء المهرجان.. عروض أخري اتهمت بتحريف الموروث الشعبي، وعدم الالتزام بتقاليد شعوبها مما جعل لجنة المشاهدة في حرج، وفي كل الأحوال كان أعداء الوزير الأسبق سباقين في رمي سهامهم علي المهرجان حتي أصبح أمام الرأي العام مهرجان سيئ السمعة، وكان الحل الوحيد هو إلغاء المهرجان، وليس محاولات إصلاح هذه السلبيات وبعضها كبير يمكن نفيه عن المشاركة طالما يري المسئولون عن هذا المهرجان بأمانة وعدم انحياز، لأنه في كل الأحوال كان لابد من تطوير مسرحنا فلم يعد من الممكن الاستسلام للشكل السائد في مسارحنا، شكلاً ومضموناً، ولن يمكننا التغيير إلا عن طريق تبادل أشكال التجريب المسرحي من الشرق والغرب ومن العالم العربي.. القضية أن مسرحنا المصري عمره حالياً بلغ 151 عاماً.. ومعني ذلك أن ما وصلنا إليه بعد هذا العمر يعد انحداراً للمستوي المسرحي فإذا بحثت عن الأسباب تجدها واضحة ولكن لا أحد يمكن أن يحقق في هذه الأسباب وينفذ طريق الخروج منها، وهذا يحدث في كل أزمات حياتنا التي ننجح في تشريحها ونتراجع عن حلها.. المهم أن مهرجان المسرح التجريبي علي مدي ما يقرب من عشرين دورة حرك الماء الراكد إلي حد الجدال وكثير من عروضه أثارت أزمة استثمار تراثنا