رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

وُلد الهدى.. سيرة الرسول فى الأدب العربي

بوابة الوفد الإلكترونية

شعر المديح النبوى وقصائد المولوديات

تناول أشهر الكتب لشخصية النبي

الجماعة الشعبية والمولد النبوى.. ثقافة خاصة بالمصريين

وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ/ وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ/ الـروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ/ لِـلـديـنِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَراءُ

هو خير الدنيا ومنقذها من ظلمات الجهل والضياع، وشفيع الأنام ومنقذهم من جحيم المآل...

سيد ولد آدم، الرحمة المهداة من رب العالمين، محمد بن عبدالله، خاتم الأنبياء واللبنة المكملة لبناء الله فى أرضه..

ولأنه أعظم من مُنيت به البشرية على مر التاريخ، بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء؛ لذا يزخر الأدب العربى عامة بسيرة وشخصية النبى محمد، مدحًا ووصفًا واحتفاء، نثرًا وشعرًا، فكتب عنه وفيه أشهر المفكرين والشعراء، منذ تجلى على الدنيا وحتى تقوم الساعة..

ففى كتابه «المدائح النبوية فى الأدب العربي» يذكر الدكتور زكى مبارك «أن المديح النبوي هو فن «من فنون الشعر التى أذاعها التصوف، فهى لون من التعبير عن العواطف الدينية، وباب من الأدب الرفيع؛ لأنها لا تصدر إلا عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص»، وهو بذلك لا يشبه المدح العادى الذى قد يقترن كثيرًا بالتملق للسلاطين والأمراء، فهو مدح اختص به الرسول الكريم ويقوم فى الأساس على العشق المصطفوى والانغماس فيه.

* ظهور شعر المديح النبوي

ولم يظهر شعر المديح النبوى أثناء فترة الرسالة الشريفة، بل ظهر حتى قبل مولد الرسول وأثناء طفولته، فنرى أن جده عبد المطلب وعمه أبو طالب لهما قصائد شهيرة يمدحان فيها الرسول، إلا أن المديح النبوى لم يكتسب الصفة المتعارف عليها الآن إلا فى عصر النبوة المتأخر مع ظهور شعراء فطاحل وهم من الصحابة وعلى رأسهم ابن عم الرسول الإمام على بن أبى طالب وحسان بن ثابت وكعب بن زهير وعبد الله بن رواحة. ثم سرعان ما اشتهر هذا النوع من الشعر متأخرًا مع شعراء المديح النبوي، وهم متأخرون، البوصيرى وابن الفارض والشريف الرضا وعبد الله الحموى وابن نباتة المصرى وأحمد شوقى.

* بانت سعاد

وتعد أشهر قصيدة مدح نظمت فى التاريخ الإسلامى بل وقيلت فى زمن النبوة وألقيت على سمع الرسول وأعجب بها، هى قصيدة «بانت سعاد» للصحابى والشاعر الكبير كعب بن زهير، وهو ابن زهير بن أبى سلمى صاحب المعلقة الشهيرة.

وألقيت القصيدة عام 8 هجريا على مسامع الرسول، وقد اشتهرت باسم البردة لأن النبى أعجب بها وخلع بردته وأعطاها لكعب بن زهير مكافأة له على هذه القصيدة. لكن قبل ذلك لم تنظم القصيدة أصلًا إلا فى سبيل النجاة من القتل، حيث إن كعبًا خرج هو وأخوه بُجَير إلى رسول الله حتى بلغا مكانا بين البصرة والمدينة المنورة فقال كعب لبُجَير «الْحَقِ الرجل (يعنى رسول الله) وأنا مقيم ها هنا، فانظر ما يقول لك. فقدِمَ بجير على رسول الله فسمع منه وأسلم، وبلغ ذلك كعبًا فقال:

مَنْ مُبْلِغٌ عَنِّى بُجَيْرًا رِسَالَةً فَهَلْ لَكَ فِيمَا قُلْتَ بِالْخَيْفِ هَلْ لَكَا

شَرِبْتَ مَعَ الْمَأْمُونِ كَأْسًا رَوِيَّةً فَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا

وَخَالَفْتَ أَسْبَابَ الْهُدَى وَاتَّبَعْتَهُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ وَيْبَ غَيْرِكَ دَلَّكَا

عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمًّا وَلَا أَبًا عَلَيْهِ وَلَمْ تُدْرِكْ عَلَيْهِ أَخًا لَكَا

فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَلَسْتُ بِآسِفٍ وَلَا قَائِلٍ إِمَّا عَثَرْتَ لَعًا لَكَا

وبعث بها إلى بجير، فكره أن يكتمها رسول الله، فأنشده إياها، ثم قال بجير لكعب:

مَنْ مُبْلِغٌ كَعْبًا فَهَلْ لَكَ فِى الَّتِى تَلُومُ عَلَيْهَا بَاطِلًا وَهْيَ أَحْزَمُ

إِلَى اللهِ — لَا الْعُزَّى وَلَا اللَّاتِ — وَحْدَهُ فَتَنْجُو إِذَا كَانَ النَّجَاةُ وَتَسْلَمُ

لَدَى يَوْمِ لَا يَنْجُو وَلَيْسَ بِمُفْلِتٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا طَاهِرُ الْقَلْبِ مُسْلِمُ

فَدِينُ زُهَيْرٍ وَهْوَ لَا شَيْءَ دِينُهُ وَدِينُ أَبِى سُلْمَى عَلَيَّ مُحَرَّمُ

فلما بلغ كعبًا الكتاب ضاقت به الأرض، وأشفق على نفسه، وأرجف به من كان فى حاضره من عدوِّه، فقالوا: هو مقتول. فلما لم يجد من شيء بدًّا قال قصيدته التى يمدح فيها الرسول، ثم خرج حتى قدم المدينة، فنزل على رجل من جهينة، فغدا به إلى رسول الله حين صلى الصبح، فصلى معه، ثم أشار له إلى رسول الله فقال: «هذا رسول الله، قم إليه فاستأمنه». فقام حتى جلس إليه فوضع يده فى يده، وكان رسول الله لا يعرفه، فقال: «يا رسول الله، إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائبًا مسلمًا، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به؟» فقال رسول الله: «نعم!» فقال: «أنا، يا رسول الله، كعب بن زهير!» ثم أنشده القصيدة التى يبدأ مطلعها بـ:

بانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِى الْيَوْمَ مَتْبُولُ مُتَيَّمٌ إِثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ

ويقول بعد أبيات:

إِنَّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ وَصَارِمٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ مَسْلُولُ

فِى عُصْبَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَا أَسْلَمُوا زُولُوا

زَالُوا فَمَا زَالَ أَنْكَاسٌ وَلَا كُشُفٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا مِيلٌ مَعَازِيلُ

شُمُّ الْعَرَانِينِ أَبْطَالٌ لَبُوسُهُمُ مِنْ نَسْجِ دَاوُدَ فِى الْهَيْجَا سَرَابِيلُ

لَا يَفْرَحُونَ إِذَا نَالَتْ رِمَاحُهُمُ قَوْمًا وَلَيْسُوا مَجَازِيعًا إِذَا نِيلُوا

يَمْشُونَ مَشْيَ الْجِمَالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهُمْ ضَرْبٌ إِذَا عَرَّدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ

لَا يَقَعُ الطَّعْنُ إِلَّا فِى نُحُورِهِمُ وَمَا لَهُمْ عَنْ حِيَاضِ الْمَوْتِ تَهْلِيلُ

* المولوديات:

وقد اتسعت دائرة الأدب، وأقبل أرباب الأقلام شعراء وكتابا على كتابة قصائد ذات طابع دينى أهمها: “المولوديات”: وهى قصائد فى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، نذكر منها:

* “الدر المنظم فى المولد النبوى المعظم” للعزفي: كتاب مخطوط يوجد بقسم المخطوطات تحت رقم: 8748 / الرباط.

* مولد نبوي” من تأليف أبى عمران موسى بن أبى على الزناتى الزمورى.

*  “تصليات نبوية” لمالك بن المرحل، وهى قصيدة واردة بتمامها عن المقرى فى كتابه “نفح الطيب”:4 / 450 – 453.

* “القطع المخمسة فى مدح النعال المقدسة” لمحمد ابن الفرج السبتى المتوفى سنة 757 هـ الموافق 1162 م، وهى مجموعة قطع من الطويل، خماسية الأبيات على حروف المعجم، ذكرها المقرى فى كتابه: “أزهار الرياض”: 3 / 228 – 237.

وظلت “المولوديات” أو “العيديات”، فنا شائعا ومرتعا خصبا لمعظم الشعراء، ومن أهم القصائد التى حظيت بالاهتمام الكبير من بعض العلماء وخاصة المغاربة منهم قصيدة “البردة” للبوصيري، وذلك بشرحها وتذييلها، وتقع البردة فى اثنين وثمانين ومائة بيت، فهى من القصائد الطوال، ومطلعها:

آمن تذكر جيران بذرى سلم/ مزجت دمعا جرى من مقلة بدم/ أم هبت الريح من تلقاء كاظمة/ وأومض البرق فى الظلمات من إضم/ فما لعينيك إن قلت اكففا همتا/ وما لقلبك إن قلت استفق يهم/ أيحسب الصب أن الحب منكتم/ ما بين منسجم منه ومضطرم.

وعلى نهجها كتب أحمد شوقى قصيدته الأشهر «نهج البردة»،  وقد استخدم فيها نفس القافية التى استخدمها البوصيري، وجاء مطلعها:

ريمٌ على القاع بين البان والعلمِ/ أحل سفك دمى فى الأشهر الحرمِ

* شخصية الرسول فى النثر العربي

وقد تبدت أيضا شخصية النبى فى النثر العربى الحديث جلية فى عدة أعمال أدبية، مثل: «عبقرية محمد» للعقاد و»فى منزل الوحي»، وحياة محمد» لمحمد حسين هيكل، و»محمد» لتوفيق الحكيم، «محمد» لمصطفى محمود، كما اهتم المسرح أيضا بسيرة وشخصية النبى من خلال عدة مسرحيات منها: «ميلاد النبي» لمحمد محمود زيتون، و»الطائف» لمحمد عبدالغنى حسن، وغيرها.

* المولد النبوى عند الجماعة الشعبية

ويمثل مولد النبى حدثا عظيما فى يقين الجماعة الشعبية، لذا فهى تحتفل به وتبتهج بقدومه بوصفه بركة وخيرا فتقيم الأذكار والمدائح، ويمكن رصد مجموعة من عناصر التراث والمأثور الشعبى التى ترتبط بهذه الذكرى العطرة، حيث تتجلى مظاهرها الشعبية فى مصر، فنجد فى الأدب الشعبي: المديح النبوى المتعلق بميلاده والمعجزات المتعلقة به، وتتنوع هذه الابداعات فى أشكال متعددة منها الموال والمربع والأغنية، كما تتراوح بين الأداء العامى والفصيح، والإنشاد الدينى ونصوص الذكر الصوفى.

ومن أمثلة إبداع الجماعة غناءها فى مولده قول:

وولدته أمينة أمينة تحت ضل التينة.. وسمته النبى محمد أبوعيون كحيلة، وولدته أمينة أمينة وقت الفجرية.. وسمته النبى محمد أبو عيون عسلية.

كما ينتشر سماع الحكايا القصصية الشعبية الخاصة بمعجزات الرسول خاصة فى بعض الاحتفالات التى يقيمها البعض بجوار أضرحة الأولياء أو فى الساحات ابتهاجا بمولد النبى أو كنوع من النذر الذى يقام سنويا، كما يحلو للبعض رسم الحوائط قبل الذهاب لعمرة المولد النبوي، وهناك بعض الحرف والمهن التى تعبر عن فرحة المصريين مثل صناعة الحلوى، كما يرتبط به مجموعة من العادات والتقاليد والمعتقدات والممارسات الشعبية، فالاحتفال بالمولد النبوى يمثل ثقافة خاصة بالمصريين، لا يشبهها أى احتفال فى أى بلد عربى آخر.

هكذا سيظل شهر ربيع الأول من كل عام بشرى سطوع الخير على العالمين، ونورا ينثر ضوءه فى النفوس...

(هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين).