رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

المولد النبوي .. فى مصر حاجة تانية

بوابة الوفد الإلكترونية

عروسة وحصان المولد و حلقات الإنشاد و المدائح النبوية و"الزفة الصوفية" أبرز مظاهر الاحتفال

باب البحر معقل صناعة الحلوى بأسعار زمان.. والكيلو المشكل فى المصنع بـ55 جنيهًا ويصل للمستهلك بـ115!

الدكتور على جمعة:الاحتفال بالمولد حلال شرعًا ومن أفضل الأعمال وأعظم القربات

 

وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ.. وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ
الـروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُة حَولَهُ.. لِـلـديـنِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَراءُ
بهذه الكلمات الرائعة تغنى أمير الشعراء أحمد شوقى احتفاء واحتفالًا بمولد خير البرية محمد عليه الصلاة والسلام، وتلك الكلمات لم تكن سوى تعبير عن حب الشعب المصرى للنبى وآل البيت، وهو الحب الذى تتوارثه الأجيال جيلًا بعد جيل.
ومصر تتميز عن باقى الدول الإسلامية والعربية بخصوصية شديدة فى احتفالاتها بالمناسبات الدينية وخاصة المولد النبوى الشريف، الذى يعد من أهم المناسبات إن لم يكن أهمها بالفعل. 
احتفالات المصريين بالمولد النبوى تمتد لأكثر من ألف عام مع دخول الفاطميين مصر، ومظاهر هذه الاحتفالات تكاد تكون كما هى لم تتغير طوال هذه السنوات، سواء فى صنع الحلوى أو توزيع الطعام وإقامة الشوادر والسرادقات حول المساجد الكبرى والأحياء الشعبية. 


إذا عدنا بالتاريخ للوراء لكى نتعرف على أول من احتفل بالمولد النبوى الشريف، سنجد أن النبى صلى الله عليه وسلم هو أول من احتفل بيوم مولده، حينما كان يصوم يوم الإثنين ويقول «هذا يوم ولدت فيه»، أما عن الحكام والوزراء والمشايخ فإن المراجع التاريخية تختلف حول ذلك، فمنها ما يشير إلى أن شيخ الموصل عمر الملاء المقرب من الحاكم نور الدين محمود زنكى هو أول من اعتنى بشكل منظم بالاحتفال بالمولد النبوى، ومنها ما يشير إلى أن أول من احتفل بشكل كبير ومنظم هو حاكم أربيل -شمال العراق - الملك المظفر أبو سعيد كوكبرى فى عهد الدولة الأيوبية. 
وفى مصر بدأت احتفالات المولد النبوى مع الفاطميين الذين حاولوا استمالة قلوب المصريين إليهم عند دخولهم البلاد بسبب معرفتهم بحب الشعب المصرى للنبى وآل البيت، فكان من ضمن القرارات التى أصدرها المعز لدين الله الفاطمى أول حكام الفاطميين فى مصر إقامة الأعياد والمواكب، وكان من أهمها الاحتفال بالمولد النبوى. 
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل امتد للاحتفال بمولد الإمام على ومولد السيدة فاطمة الزهراء والإمامين الحسن والحسين رضى الله عنهم أجمعين. 
الاحتفالات تكاد لم تتغير منذ العصر الفاطمى حتى الآن، فصنع الحلوى وتوزيع الطعام والصدقات على الفقراء ما زال مستمرًا حتى يومنا هذا، مع إقامة الشوادر والسرادقات فى الأحياء الشعبية والتى يتم تزيينها بالأنوار لبيع حلوى المولد. 
وتذكر المراجع التاريخية أن الفاطميين اعتادوا الاحتفال بالمولد والمبالغة فى صنع الحلوى، وإقامة الشوادر بالأسواق، وإعداد الولائم، بالإضافة إلى موكب قاضى القضاة، وحمل أطباق الحلوى وتزيينها بالتماثيل المصنوعة من السكر «العرائس» إلى جامع الأزهر ثم إلى قصر الخليفة.


هذه المظاهر بالشكل المذكور تمامًا لم تعد موجودة لأسباب متعددة، لكن أساس الاحتفال بصناعة الحلوى وعرائس المولد ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا، فإذا تجولت فى أى شارع حاليًا ستجد محلات وشوادر حلوى المولد موجودة فى كل مكان، تُعرض فيها مختلف أنواع الحلوى على رأسها السمسمية والحمصية والبسيمة والفولية والملبن المحشو بالمكسرات وغيرها، ويقوم أصحابها بتزيينها وإضاءتها بالأنوار احتفالًا بقدوم المولد النبوى الشريف، وخاصة فى الأحياء الشعبية التى ما زالت تحتفظ بهذه المظاهر بكل تفاصيلها. 
فمصر لها خصوصية شديدة عند الاحتفال بالمولد، ومظاهر احتفالاتها تختلف عن باقى الدول العربية والإسلامية، ففى الدول الأخرى قد يقتصر الأمر على تناول بعض الأطعمة، مثل «عصيدة الزقوقو» فى تونس، وهى وجبة مكونة من حبات الصنوبر المطحون يتم تزيينها بطبقة من الكريمة والفواكه الجافة وحلوى ملونة خاصة، أما الجزائريون فى بعض مناطق البلاد فيحتفلون بإعداد «الطُمّينة» وهى حلوى تقليدية تصنع من السميد - نوع من أنواع القمح - والعسل والزبدة، بينما يطبخ العراقيون الزردة من الرز والسكر وماء الورد والهيل ويتم تزيينها بالقرفة.
بينما فى مصر هناك عروسة وحصان المولد مع حلقات الإنشاد والمدائح النبوية، وتنظيم احتفالات الطرق الصوفية «الزفة» والتى تشتهر بها الطرق الصوفية المصرية عن سائر الدول العربية والإسلامية. 
ففيها يجتمع الآلاف من عشاق وأحباب النبى من شرق البلاد وغربها قادمين إلى مسجد مولانا الإمام الحسين حفيد رسول الله، احتفاء واحتفالًا بذكرى المولد، ويتم تنظيم «الزفة» بداية من مسجد الشيخ صالح الجعفرى، وتنتهى بالوصول إلى مسجد الإمام الحسين، يتخللها الذكر والإنشاد حبًا فى سيد الأنام عليه الصلاة والسلام، ويمسك كل مجموعة أعلام الطريقة الصوفية المنتمين إليها، مع ترديد المدائح النبوية طوال الوقت، وينضم إليهم الكثير من المواطنين الذين يصطفون حولهم مستمتعين بهذه الاحتفالات مع توزيع الحلوى على الأطفال. 


وطالما نتحدث عن المولد النبوى فلا يخلو الحديث من عروسة وحصان المولد، ذلك التقليد الذى يصل عمره الآن أكثر من 1000 عام ويتوارثه الأجيال جيلًا بعد جيل، أما عن قصة الحصان فترجع إلى أنه يمثل الخليفة صاحب الفتوحات والانتصارات، وهو يجلس فوق الحصان ويحمل السيف.
بينما العروسة، يرجح المؤرخون، أنها كانت تمثل زوجة الخليفة وبدأ ظهورها فى عهد الحاكم بأمر الله الفاطمى، الذى كان يصطحب إحدى زوجاته للخروج معه فى المولد، وهى ترتدى أجمل الثياب والزينة، حيث كانت ترتدى فستانًا ناصع البياض، وتاج من الياسمين فوق رأسها، حتى ولدت الفكرة عند صناع الحلوى بصناعة عروسة من الحلوى على شكل زوجة الحاكم وتزيينها.
كما أن الخليفة الحاكم بأمر الله منع الأهالى فى بعض سنوات حكمه من عمل الأفراح وإقامة الزينات إلا فى مناسبة مولد النبى، ولذلك كان الناس يعقدون الزواج بين العروسين ويجهزون الجهاز حتى قدوم المولد النبوى فيتاح لهم عمل حفل الزفاف، وقبل مجىء المولد يتفنن أهل العروسين فى عمل الحلوى وتشكيلها على هيئة عروسة تزف احتفاء بالزواج المرتقب، ولذلك من المشهور فى العادات المصرية أن يشترى الزوج لزوجته عروسة فى المولد النبوى. 
«الوفد» تجولت فى منطقى باب البحر معقل صناعة حلوى المولد فى القاهرة، لتستطلع آراء أصحاب المصانع عن أجواء المولد هذا العام، حيث أكد البعض أن الإقبال هذا العام على شراء الحلوى ضعيف مقارنة بالأعوام السابقة نتيجة ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج وخاصة السكر. 


«السكر سعره ارتفع علينا لكن الزيادة بتيجى دائمًا على الزبون.. بس بتخلينا نقلل إنتاجنا»، بهذه الجملة عبر أحد صناع الحلوى فى منطقة باب البحر عن تأثير زيادة الأسعار على الصناعة هذا العام. 
وقال إن أسعار الكيلو المشكل تبدأ من 55 جنيهًا إلى 100 جنيه من المصنع، وتختلف الأسعار حسب طلب الزبون ونوعية الحلوى الموجودة فى الطلب، مشيرًا إلى أن الطلب عبارة عن فولية وحمصية وسمسمية ونوجا وجوزهند وشكلمة وغيرها من الأصناف. 
وعن عملية تصنيع حلوى المولد، أشار إلى أنها تتم عن طريق تسخين السمسم أو الحمص أو الفول بشكل جيد، ثم يتم وضعها فى إناء به سكر وعسل مسخن، ثم يتم «تقليب» الكل مع بعضهم البعض، لتبدأ بعها مرحلة التشكيل والتقطيع، أما الملبن فيتم تصنيعه من السكر والعسل والنشا. 
ولفت إلى أن العمل فى المصنع لا يقتصر على الرجال فقط، وإنما هناك سيدات يشتركن فى العمل خلال عملية التغليف والتعبئة. 
وخلال الجولة التى قمنا بها على محلات وشوادر البيع، تبين أن أسعار الكيلو المشكل تتراوح بين 100 جنيه و160 جنيهًا، وترتفع كلما زادت الأصناف، وفى بعض المحلات وصل كيلو البندقية والفسدقية واللوزية إلى أرقام كبيرة بلغت 800 و1000 جنيه. 


ولا يخلو كل عام من السؤال المتكرر دائمًا حول شرعية وحكم الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، الإجابة على ذلك كانت فى فتوى للدكتور على جمعة مفتى الجمهورية الأسبق، أكد فيها أن الاحتفال بِمولدِ النَّبى صلى الله عليه وآله وسلم مِن أفضل الأعمال وأعظم القربات، لأنه تعبير عن الفرح والحب للنبى صلى الله عليه وآله وسلم الذى هو أصل من أصول الإيمان، فقد صح عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يُؤمِنُ أَحَدُكم حتى أَكُونَ أَحَبَّ إليه مِن والِدِه ووَلَدِه والنَّاسِ أَجمَعِينَ»، كما أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد سنَّ لنا جنس الشُكرِ لله تعالى على مِيلاده الشريف، فكان يَصومُ يومَ الإثنينِ ويقول: «ذلكَ يَومٌ وُلِدتُ فيه».
وكذلك يَجُوزُ الاحتفالَ بموالدِ آل البيتِ وأولياء الله الصالحين وإحياءُ ذكراهم، لما فى ذلك من التأسى بهم والسير على طريقهم، ولورود الأمر الشرعى بتذكُّر الصالحين، فقال تعالى: «وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ مَرْيَمَ»، ومريم عليها السلام صِدِّيقةٌ لا نبية، وكذلك ورد الأمر بالتذكير بأيام الله تعالى فى قوله سبحانه: «وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ»، ومِن أيام الله تعالى أيامُ الميلاد لأنه حصلت فيه نعمةُ الإيجاد، وهى سبب لحصول كل نعمة تنال الإنسان بعد ذلك، فكان تذكره والتذكير به بابًا لشُكر نعم الله تعالى على الناس.