عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

خارج المقصورة

يسألون عن سبب حزنى! ألم يدركوا بأن فقدان أبى يقتلنى، فقد اختفى الضوء الذى أنار مسيرتى، ولم يعد بيتنا حلوًا كسائر البيوت، مع رحيله لم تعد الحياة مثلما كانت، انكسر الضلع الذى كان يحمى من الصدمات، وغدر الأيام، فلم يعد عكاز القلوب الذى يتكئ عليها الجميع فى الفرح والحزن.‬
أغلقت الأبواب يا أبى... فمشاهد الذكريات كلها مؤلمة، بالأمس القريب كانت أمى، ومع وداعاا لم يفتح باب منزلنا القديم الذى كان يحلو لها أن تقضى به كل أوقاتها، كونه المكان الذى سطر كل تفاصيل رحلتها، واليوم أرى منزلنا الجديد، وقد أغلقت أبوابه بعد وداعك يا أبى.
لم يحظ أبى بقدر من التعليم، ولكن تعلم فى مدرسة الحياة، واكتسب الحكمة من تجاربه، ومسيرته الطويلة، كان يتعامل مع الأمور بحكمة ولين، كان قارئًا جيدًا للأشخاص، كان قادرًا على فرز الطيبين وغير الطيبين.
إصراره وعزيمته فى أن يكون ناجحا فى مهنته كمزارع فى أرضه، دفعه أن يواجه المصاعب والعراقيل حتى يصل إلى ما سطره فى صفحات أحلامه وطموحاته... فأجندة ذكرياته مليئة بالأحداث، وها هو ما تركه من بصمة وأثر يسجل فى تاريخ قريته، فتجربته مع تحويل الصحراء الجرداء، التى كانت من شدة سواد أرضها، تشعرك بحالة من الرعب، نجح فى أن تكون هذه المساحة الشاسعة المخيفة، التى لا تسمع فيها صوتًا، سوى عواء الذئاب، وفحيح الحيات، بفضل إرادته أن تتحول إلى قطعة من«الجنة»، باتت مقصدًا للراغبين فى الاستصلاح ليكون الرجل نموذجًا ناجحًا، وملهمًا لكل من أراد التحدى.
أتذكر حينما بدأ مشروعه كى تتحول الصحراء إلى بقعة خضراء حارب من أجلها، وواجه الصعاب والمطبات... السنوات الطويلة التى قضاها بين قريته بصعيد مصر، ووزير الزراعة الأسبق يوسف والى «رايح - جاى» للحصول على موافقات للبدء فى مشروعه وحلمه، بحثًا عن الدعم والتمويل، ولكن لم يجد يدًا تمد له العون، ليستكمل الطريق بمفرده، وبجهوده الذاتية، حتى حقق ما أراد.
رحل أبى وكان سببًا فى أن يتيح للعديد من البسطاء مصدر رزق من خلال هذه الصحراء التى أصبحت خضراء، ومقصدًا للجميع، يخرج من باطنها الزرع والثمرات بمختلف أنواعها، لتظل شاهدًا على نضاله الطويل الذى يظل يتداوله الأجيال واحدًا وراء الآخر... رحل وحتى آخر يوم فى عمره لم يتعبه العمل بالأرض الذى رسم على ترابها كل ذكرياته.

< يا سادة.... أبى رحمة الله عليه كان الظل الذى يحجب حرارة الشمس عنا، والسند الذى نلجأ إليه فى الأوقات العصيبة، فـ«أبى» فى قلوبنا لم يمت حتى وإن دفن.