رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

جواهرجية الطين .. كفوف من ذهب بقرية الفواخير في الفسطاط

بوابة الوفد الإلكترونية

الطين.. على الطريق المفضي إلى أقدم عاصمة بالعالم الإسلامي، يرتفع بك الجسر الملتوي ليسلمك إلى قلب درة مصر القديمة، الفسطاط، تفتح بوابات قرية الفواخير على مصراعيها لتصطحبح في جولة عبر الزمن إلى عالم السحر والجمال، بقعة على مساحة 13 فدان تنتزعك عنوة من فوضى القاهرة وجلبتها إلى رحابة الفن وتمنحك جرعة مجزلة العطاء من الإبداع، تتراص على جانبي الطريق بإنتظام 152 فاخورة لـ "جواهرجية الطين"، يتوسطها حديقة غناء تتناثر بها القطع الفنية المبهرة والمقاعد الوثيرة في انتظار زوار القرية من شتى دول العالم.

 

مزيج من البساطة والأصالة يغلب على المكان

بوجه خضيته شمس المحروسة، وقسمات شق بينها الزمن خطوط الحنكة والرزانة، ومسحة من ملاحة بائدة لاتخطئها العين، يستقبلك علي درويش، الشهير بالحاج علي دقدق، رئيس مجلس إدارة القرية بجلبابه الصعيد البسيط يرافقنا في جولة بين فواخير القرية ليودعنا بين يدي عم إبراهيم صابر، على مدخل فاخورة صابر ومكمنه الخاص لصناعة الخزف، تطالعك أصيصات الزرع الخاوية جنبا إلى جنب مع أواني الطعام وغازات الزهور الموشاة بأجمل الزخارف والألوان بينما يرتفع جبل المقطم من خلفك كالوالي يشرف على سير العمر بالقرية من علياؤه، تصفعك رائحة غبار الطين الأسواني والبوكلا بينما تلح إلى ممر ضيق ترتفع على جانبيه ارفف الأواني الفخارية بلون الطين اللازب.

رقصة درويش من الطين على دولاب الفخار 

يجلس محمد عبد النبي، صانع وفنان في أوساط العشرينات، إلى دولاب الفخار؛ طاولة بسيطة من قوائم حديد تدثرها قطعة من الرخام الفاخر وأسطوانة من الصلب، مايلبث أن يجلس حتى يضغط على كابس صغير فينطلق زئير "الموتور" معلنا رفع الستار عن فقرة اللفيف، يدور كوب الخزف كدرويش يطلب المدد من السماء بينما ينفض عنه عبد النبي شوادر الخطايا، سيمفونية من التناغم تصل السحر الكامن بين أنامل الصانع الماهر، محمد، وبين الطين ينحت معزوفته الخاصة من الخزف ويهذب بروزها باستخدام السادف أوالفيبرا المخصصة للأواني، وبينما يتراقص الكوب بين أطراف أصابعه ينهي عبد النبي معزوفته بقطع الوصال بين القطعة الفنية حديثة العهد وبين أسطوانة الدولاب باستخدام خيط معقود الطرفين.

بينما تتسلل أولى خيوط شمس النهار عبر كوة فاخورة عم إبراهيم المزخرفة على الطراز النوبي، تدب الحياة في المكان فيتحول إلى خلية نحل تسري فيها الحركة والنشاط، يحمل محمد عبد النبي أكواب الخزف بعدما تأكد من اكتمال مرحلة جفافها إلى دولاب الفخار من جديد ليختم عمله بوصلة أخيرة من الدورات على الإسطوانة يصقل خلالها سطحها ويضيف إليها حتفتي الشفة والقعر.

 

روح التعاون والألفة تطغى على الفاخورة 

وكحبات السبحة تتناقل القطع بين أصابع فناني الورشة في جو صاف من التعاون ، حيث لامكان لمناوشات تهدر وقت العمل أو رتابة تؤد رهافة الحس الفني لفريق من الصناع لاتتخطى أعمارهم العقد الثالث، أياديهم "تتلف في حرير"، يتحرى إبراهيم صابر في اختيارهم البحث عن صاحب الخلق السوي، "الشغل ممكن يتعلمه لكن التربية صعبة .. تخليت عن عامل شاطر جدا من فترة عشان كان بيعمل مشاكل كتيرة كل يوم خناقة وبيعطل زمايله"، على حد وصف صابر.

عن جنب، ترتكز مايبدو كخزانة ضخمة تقوم على ركائز من الصلب يحكم غلق بابها مفاتيح ضخمة، دقائق وتنطلق صافرة معلنة انتهاء مرحلة "الحرق"، يعمل أحد الشباب يده على فتح مقابض الفرن ينفتح الباب عن حمو كاللهب يلفح الوجوه، يتناوب العمال على حمل القطع من داخل، الفرن البسكوت، كما يطلقون عليه إلى صيجان تتراص على الجانبين، فيما يباشر فريق آخر على متابعة الخطوات التالية من خط الإنتاج، درجة بعد درجة في عملية شاقة تستغرق 10 إلى 20 يوم لإتمامها وصولاً إلى مرحلة الجليز، أي التلوين والرش.

 

كرامي أوليمبي عتيد يحكم محمد أحمد، عامل رش بفاخورة إبراهيم صابر، ضبط مسدس الجليز، وبخبرة كيميائي محترف يضع في حاوية المسدس بنسب لاتخطئ من ألوان تلوين الخزف المستوردة ويلف قبضته على المسدس بإحكام قبل أن يسدد رميته الناجحة.

وعلى اسطوانة دائرية تتحرك بحرية حول محورها، يقبع كوب الخزف في انتظار الحصول على وجه لامع مصقول ومزيج من ألوان شتى تعيظ بهجة الحياة من جديد إلى الحمأ المطفي، كاللفيف يتراقص الكوب حول نفسه فيما يلبسه محمد تنورة من أبهى الألوان.