رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الناقد الأدبى الكبير د. حسين حمودة الفائز بجائزة الدولة التقديرية فى حوار لـ«الوفد»:

المطامع الإسرائيلية تستهدف الاستيلاء على تراث العرب

بوابة الوفد الإلكترونية

النقد «مسجون» داخل أسوار الجامعة

الخطاب الثقافى «نخبوى».. ونعيش علاقات ما قبل الحداثة

الإنتاج العربى مزدهر.. والانفتاح على تجارب الغرب مفيد

 

 

الناقد الأدبى الكبير الدكتور حسين حمودة أستاذ الأدب العربى الحديث بجامعة القاهرة أحد أعلام النقد الأدبى فى مصر والعالم العربى، يتردد اسمه فى المحافل المصرية والعربية كأحد أبرز أهم النقاد فى الوقت الراهن.

ولد «حمودة» عام 1955 بالقاهرة، تخرج فى قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب جامعة القاهرة، حصل على الماجستير من القسم نفسه عام 1990 وكانت أطروحته بعنوان «دور يحيى الطاهر عبدالله فى القصة القصيرة المصرية» بتقدير ممتاز، ثم نال درجة الدكتوراه عام 1997 تحت عنوان «الرواية والمدينة.. نماذج من كتَّاب الستينيات فى مصر» تحت إشراف الدكتور جابر عصفور بمرتبة الشرف الأولى.

يعمل حاليًا أستاذًا متفرغًا بكلية الآداب جامعة القاهرة، ويرأس تحرير مجلة «فصول» الأدبية، كما يشغل منصب نائب مقرر لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة منذ 2015 وهو عضو بلجنة تحكيم جائزة يحيى الطاهر عبدالله الأدبية التى تقدمها أسرة الكاتب الراحل تحت رعاية المجلس الأعلى للثقافة بدءًا من 2021.

أثرى «حمودة» المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات والدراسات فى النقد الأدبى والأدب المقارن ومنها «فى غياب الحديقة» حول الزمان والمكان فى روايات نجيب محفوظ» عام 2007، و«من عيون القصة المصرية.. مختارات قصصية» فى ثلاثة مجلدات عام 2009، و«الرواية والمدينة.. نماذج من كتَّاب الستينيات فى مصر»، ونال مؤخرًا جائزة الدولة التقديرية عن استحقاق وجدارة.

فى سياحة فكرية ثقافية أدبية مع عقل من عقول مصر الكبيرة فى النقد الأدبى الدكتور حسين حمودة أستاذ الأدب العربى بجامعة القاهرة، دار هذا الحوار مع «الوفد».

< بداية النقد إبداع وهذا الإبداع يقوم على الذائقة.. وأى محاولة لجعله علمًا بالمعنى المقنن سوف يشوهه.. ما رأيك فى هذه المقولة؟

<< أتصور أنَّ هذه المقولة حول أهمية الذائقة صحيحة إلى حدٍ بعيدٍ، فالنقد مرتبط بتناول أعمال إبداعية تنهض على جماليات خاصة متفردة، ومقاربة هذه الجماليات نقليًا تستدعى نوعًا من أحكام القيمة، كما تفترض امتلاك ذائقة جمالية ما، وهذا يجعل النقد ممارسة تتجاوز حدود التحليل الموضوعى المنطقى البارد، كانت هناك -ولا تزال- دعاوى تصل النقد الأدبى بالعلم، وهناك مثلًا ما يسمى «علم السرد» وهذه الوجهة تهتم بتقصى بعض التقنيات فى الأعمال الأدبية السردية بوجهٍ خاصٍ.. ولكن الاكتفاء بهذه الوجهة وحدها لا يجيب عن أسئلة مهمة حول طبيعة ما يميز عملًا أدبيًا ما عن غيره من الأعمال.. باختصار هناك أدوات نقدية محددة يمكن أن تستند إلى تحديدات ومفاهيم دقيقة، تشبه التحديدات والمفاهيم العلمية، لكن هذا لا يعنى أنَّ النقد يمكن أن يتحول إلى نشاط علمى خالص.

< كناقد أدبى كبير.. ما أبرز مشكلات النقد الأدبى فى عالمنا العربى؟ وهل تنمية الثقافة والمجتمع تحتاج إلى نقد؟

<< أبرز هذه المشكلات تتصل بعدم قدرة النقد على مواكبة الإبداع، وعدم وجود ناقدٍ متفرغ، وعزلة النقد الأكاديمى داخل أسوار الجامعة وأيضًا داخل سجن المصطلحات، وعدم حضور الروح النقدية فى مقررات التعليم بمراحله المتعددة، وغياب هذه الروح فى المجتمع بوجهٍ عام.. وبالطبع تنمية المجتمع وتنمية الثقافة بحاجةٍ إلى النقد.. النقد يستطيع دائمًا أن يدفع إلى التقدم وإلى التطور وإلى السعى نحو مجاوزة ما هو قائم إلى ما هو ممكن ومأمول.

< لماذا لم نستطع حتى الوقت الراهن أن ننتج نظرية عربية أدبية تستوعب كل الفنون والآداب رغم الإرهاصات الأولية؟

<< هذا السؤال المهم والكبير يفتح أبوابًا للتساؤل عنه هو نفسه.. لماذا ابتداءً نبحث عن نظريةٍ أدبيةٍ عربيةٍ تستوعب كل الفنون والآداب؟ الآداب والفنون، التى يتأسس عليها كل نقدٍ، آداب لها طبيعة إنسانية تتجاوز الحدود الجغرافية.. وتأسيسًا على هذا يفترض أن النقد الذى يتصل بها له الطبيعة الإنسانية نفسها.. لكن هذا لا ينفى أن تكون هناك خصوصيات فى التجارب الإبداعية مرتبطة بتنوع الثقافات، وبالتالى أن تكون هناك خصوصيات فى الممارسات النقدية التى تقترن بهذه التجارب، ويمكن لتحقيق هذا التمايز فى كل ثقافة وفى كل أدب.. وهذا أمر مختلف عن فكرة البحث عن ملامح نظرية تميز النقد فى مجتمعٍ من المجتمعات.. باختصار، النقد مثله مثل الإبداع، هو نشاط له طابع إنسانى عام، وإن تمايزت بعض ممارساته أو حتى اختلفت من مجتمعٍ لآخر، ومن ثقافةٍ لأخرى.

< يرى البعض أنَّ الخطاب الثقافى فى أزمة ويحتاج إلى تجديد.. فما أهم الإشكالات التى تواجه الخطاب الثقافى وكيف يمكن مواجهتها؟

<< أهم الإشكالات التى تواجه الخطاب الثقافى تتصل بعدم تجديده بشكلٍ واضحٍ.. هناك كلام كثير عن هذا التجديد ولكن هناك أيضًا مواجهات متعددة الأشكال لكل تجديدٍ فعلى، أو على الأقل هناك تجاهل للاهتمام بمحاولات التجديد الحقيقية السابقة.. ولننظر على سبيل المثال إلى المحاولات المبكرة التى قام بها طه حسين.. الأفكار التى طرحها حول تجديد الكثير من المفاهيم وحول علاقتنا بالتراث لم يتم تبنيها بقدرٍ كافٍ، ومن ثمَّ لم تدخل فى نطاق التحقق الفعلى.. يضاف إلى هذا أنّ الخطاب الثقافى لا يزال خطاب نخبة، تحيط به أسوار كثيرة تقف دون التواصل الكافى على مستوى اجتماعى واسع.

< فى ظل انحسار دور المثقف العربى.. كيف ترى مستقبل الثقافة العربية؟

<< مستقبل الثقافة العربية لا يزال مفتوحًا على احتمالات ومآلات متعددة.. الآن هناك جوانب إيجابية فى كثيرٍ من المجالات، ومنها النتاج الأدبى.. ولكن هناك مجالات أخرى متنوعة بحاجةٍ إلى الاهتمام، وبحاجةٍ إلى النقاش والحوار وبحاجةٍ إلى فتح الأبواب للاجتهاد.

< ماذا عن رؤيتك للحداثة.. هل تراها فى اللغة أم الفكر أم الرؤية ومقوماتها وهل ترى أننا انغمسنا فى المشروع الحداثى أم ما زلنا نعيش مرحلة ما قبل الحداثة وفى ظل ما نملكه من تراث كثيف يلقى بكل ثقله على تفكيرنا وسلوكنا؟

<< الحداثة تتمثل فى هذا كله وفى غيره، وهى غير منفصلة عن المجتمع بكل مستوياته، وعلى ذلك فهناك إشكالات كبيرة تخص التساؤل عن تحقق الحداثة فى مجتمعاتنا العربية.. فليس لها حتى الآن جذور اجتماعية حقيقية.. والملاحظة أنَّ هناك تفاوتًا فى حضور تجليات الحداثة وما بعد الحداثة فى المجتمعات العربية، فعلى مستوى ما هناك أقوال عن تحققهما فى بعض النتاج الأدبى، أو فى بعض المنجزات المعمارية، وعلى مستويات أخرى. نحن لازلنا نعيش علاقات ما قبل التحديث، ما زلنا نعرف مجتمعات المقايضة، ونستخدم وسائل نقل تجرها الحيوانات.. الحداثة لكى تتحقق تستدعى التأسيس على علاقات متنوعة فى المجتمع، وعلى مستويات متعددة: فلسفية وثقافية واقتصادية واجتماعية.. إلى آخره.

< فى رأيك كيف يمكن للأدب الحفاظ على هويتنا العربية؟

<< الأدب يحقق هذا كله بالفعل فى قطاع كبيرٍ من نتاجه.. أقصد النتاج الذى يتصل بتناول القضايا العربية، ويستلهم ويتمثل الجماليات العربية الجماعية الشعبية وغير الشعبية.. ولكن -كما سبق الإشارة- هناك دراسات كثيرةٍ تشير إلى خصوصية الرواية العربية.. وهذا لا يعنى الانعزال عن الثقافة أو الثقافات الإنسانية.

< لماذا فى رأيك شيوع الاتجاه إلى كتابة الرواية مقارنة بالأنواع الأخرى كالقصة والمسرح والشعر، وكيف نستطيع مواكبة هذا الكم الكبير وفرزه؟

<< الرواية شاعت وانتشرت لأسباب عديدة، وعلى رأسها مرونة الشكل الروائى نفسه، الذى يجعلها قادرة على استيعاب أجناس تعبيرية متنوعةٍ، وعلى الانفتاح تجاه وجهات لا حصر لها، وعلى التعبير عن عوالم متشابكة ومركبة، فردية وجماعية.. ويتصل بهذه المرونة حضور كبير لقيمة كبرى فى الفن الروائى، هى قيمة التعدد، التى تسمح للرواية بأن تحتوى عوالم شتى تتجاوز التصور أو التكوين الواحد أو الأحادى إلى تصورات وتكوينات متنوعة لا حصر لها.

 

< ما تقييمك للنتاج الروائى العربى فى الوقت الراهن وهل ترى الانفتاح على التجارب الغربية مفيدًا للسرد العربي؟

<< النتاج الروائى العربى مزدهر جدًا، والمشهد العربى الروائى غنى ومتعدد وموزع على بلدان عربية كثيرةٍ، يشارك كل بلد منها فى هذا المشهد مشاركة الأكفاء، والانفتاح على التجارب الروائية الغربية مفيد طبعًا، وهو جزء من التواصل البديهى بين الإبداعات الإنسانية بوجه عام.. ومع هذا الانفتاح هناك أيضًا اهتمام عددٍ كبيرٍ من الروائيين العرب بالموروث السردى العربى الغنى، ولعلَّ الصلة بهذا الموروث قادت إلى وجود أعمال روائية عربية كبيرة القيمة تبلورت فيها جماليات روائية عربية خالصة.

< بعض النقاد يرون أنَّ عقد الستينيات شهد طفرة روائية وقصصية وشعرية فى مصر والوطن العربى حيث أخذ الإبداع العربى يثمر أقوى انجازاته السردية.. ما الأسباب التى أدت إلى ذلك فى رأيك؟

<< من أسباب ذلك أن عقد الستينيات وما حوله ارتبط بأحلام كثيرة كانت صاعدة، وباهتمامٍ بالنشر الموسع، وبحركة ثقافية نشطة، وبقدر واضح من الانفتاح على تجارب قصصية وروائية فى عددٍ كبيرٍ من بلدان العالم ومن ثقافاته المتنوعة.

< طفت على سطح المجتمع المصرى بثور أصبحت سمات مثل «الفهلوة» و«البلطجة» و«العشوائية» والتدين الشكلى وتغول رأس المال والفساد والعنف وغيرها من هذه الظواهر فأين الخلل فى رأيك؟

<< أتصور أنَّ هناك إجابات كثيرةٍ قدمها بعض علماء الاجتماع لمثل هذه الظواهر، ومن هؤلاء الدكتور جلال أمين والدكتور أحمد زايد والدكتور سعيد المصرى.. وتفسيرات تفاقم هذه الظواهر مرتبطة بصعود مجموعة من القيم السلبية مع تيارات التطرف، ليس فى المجتمع المصرى أو العربى فقط وإنما فى بلدان كثيرة من العالم عرفت المزيد من ظواهر الاستقطاب والمزيد أيضًا من بعض القيم التى سادت عندنا مثل البحث عن الثراء السريع، إلخ.. الإجابات حول أو عن هذه السمات التى تراها «جسورًا» حاضرة ومفصلة ومدروسة فى دراسات كثيرةٍ.

< ثقافة رفض الاختلاف مازالت موجودة فى الوسط الثقافى.. فكيف يمكن الخلاص منها؟

<< الخلاص منها يبدأ بتغذية قيم مثل قيمة التعدد وقيمة الحوار والاتفاق حول أنَّ هناك دائمًا متسعًا للجميع فى هذا العالم.. طبعًا هذا يستدعى غرس هذه القيم وبثها عبر كل الطرق الممكنة، فى التعليم وفى الإعلام وفى السياسة وفى المجتمع كله بوجهٍ عام.

< البعض يرى أن أدب نجيب محفوظ نقطة فاصلة فى تاريخ الرواية العربية فما رأيك؟ وماذا عن كتابك «فى غياب الحديقة.. حول متصل الزمن والمكان فى روايات نجيب محفوظ»؟

<< تجربة نجيب محفوظ تجربة عظيمة فى مسيرة الرواية العربية، هو لم يستكشف أرضًا جديدة لهذه الرواية، لم تكن مأهولة من قبل، فحسب، بل قام أيضًا بأدوار متعددة باتجاه الانتقال بهذه الرواية انتقالات متنوعة إلى الأمام طبعًا، على مستوى التناولات، وعلى مستوى الصياغات الجمالية معًا.. وكتابى «فى غياب الحديقة»، هو محاولة لقراءة روايات نجيب محفوظ من منظورٍ متصلٍ بعلاقة الزمن والمكان وتفاعلهما معًا، فى رواياته التى قرأت قراءات كثيرة جدًا من منظور المكان وحده.

< كيف تقيّم تعاطى القارئ والناقد الغربى لأدب نجيب محفوظ وما الذى يجذبه لعالم محفوظ الروائى وشخوصه؟

<< هناك مستويات متعددة فى تعامل القارئ والناقد الغربى مع أدب نجيب محفوظ.. هناك طبعًا من قرأوه وكتبوا عنه كتابات عميقة وكبيرة القيمة، منذ فترةٍ مبكرةٍ، ومن هؤلاء أندريه ميكيل الذى كتب عنه منذ أوائل ستينيات القرن الماضى.. وهناك أيضًا من تعاملوا مع أعماله، أو مع بعض أعماله المبكرة ذات الطابع الاجتماعى خصوصًا، على أنها مجرد نافذة يطلون منها على عالم الشرق.. وهناك طبعًا مستويات أخرى فى التلقى الغربى، بالقراءة والنقد، لعالم نجيب محفوظ.. وهذا كله أمر طبيعى لا يتصل بنجيب محفوظ فقط، وإنما يرتبط بتلقى كل ظاهرة إبداعية كبيرة.

< بعض النقاد عابوا على نجيب محفوظ استخدام الفصحى على لسان شخوص رواياته حتى لو كانوا من الحرافيش فهل تعتقد أن هذا السؤال ما زال قابلاً للطرح؟

<< نجيب محفوظ فى حرصه على كتابة رواياته بالعربية الفصحى، حرص أيضًا على استكشاف مستويات متعددة داخل هذه العربية الفصحى، ولذلك نجد فى رواياته اختلافات كثيرة بين اللغة التى يتحدث بها الراوى واللغات التى تتحدث بها الشخصيات.. كما نلاحظ أنَّ العبارات التى تنطق بها هذه الشخصيات متباينة، أو على الأقل متنوعةٍ، من شخصية لأخرى..كما أن هذه العبارات لم تكن بعيدة أبدًا عن روح العامية المناسبة للتعبير عن بعض الشخصيات، ومن هنا نستطيع أن نجد فى هذه العبارات تراكيب كثيرة بالفصحى، هى مجرد تفصيح لتراكيب عامية.

 

< ما رؤيتك لقصيدة النثر.. هل يمكن القول إنها تطور للشعر أم تخريب للمنجز الشعرى العربى؟

<< قصيدة النثر عربيًا، متعددة الوجهات والتجارب والمستويات.. فيها نتاج كبير القيمة مع نتاج آخر أقل قيمة، وهذا أمر طبيعى تمامًا، يسرى على كل الأعمال الأدبية والإبداعية جميعًا.. ونستطيع القول إن (قصيدة النثر) وجهة من وجهات الإبداع الشعرى، بمعنى أنها ليست تطويرًا يلغى ما سبقها من إبداع، فليس هناك تطوير إبداعى ينفى ما سبقه أبدًا، بقدر ما هى مغامرة تتأسس على البحث عن جماليات خاصة تضاف إلى الجماليات الراسخة والمستتبة التى بلورها الشعر العربى خلال مسيرة طويلة ومراحل متعددة.. وبقدر ما تنجح النماذج الرفيعة المنسوبة إلى قصيدة النثر فى استكشاف جماليات خاصة بها، بقدر ما يكتب لها النجاح.

< كتابك «الرواية والمدينة.. نماذج من كتاب الستينيات فى مصر» ما أهم الخطوط العريضة التى أردت طرحها به وهل هناك علاقة بين الأديب والمكان عند كتابة العمل الأدبي؟

<< (الرواية والمدينة) كان محاولة لمقاربة موضوع كبير، متصل بالعلاقة بين الرواية والمدينة على مستويات عدة: التطورات التى صاغت الانتقالات الأساسية فى تاريخ كل منهما، والبنيات التى انتظمت تكوين كل منهما عبر حقب زمنية متعددة، والكيفيات التى تحقق خلالها التفاعل بينهما، التأثير والتأثر الممكنين بين عالم كل منهما.. وطبعًا هناك سمات يمكن أن تكون مشتركة فيما بينهما: التنوع والمرونة والانفتاح والحراك، كما أنَّ هناك معانى مشتركة تجمعهما مثل التعدد والتحرر والفردية، وهذه السمات والمعانى سعى هذا الكتاب إلى استكشاف أبعادها، كما سعى إلى تحليل حضور عالم المدينة فى صياغة عناصر الفن الروائى بقدرٍ من التفصيل، خلال قسم نظرى مطول، وقسم آخر تحليلى تناول عددًا كبيرًا من النصوص الروائية.

< فى ظل هذه الظروف التى يمر بها المجتمع الفلسطينى ما الدور الذى يمكن أن يلعبه الأدب فى هذا التوقيت؟ وهل يمكن للثقافة أو القوى الناعمة أن تقوم بدور فى التصدى للتهديدات الإسرائيلية على الأراضى الفلسطينية؟

<< أتصور أنَّ الأدب بوجه عام، والأدب الفلسطينى بوجه خاص يقوم بأدوار متعددة فى هذه الوجهة، وكما نعرف أنَّ هناك تجارب متنوعة أحاطت بالأدباء الفلسطينيين جعلتهم يمثلون ظاهرة مميزة وخاصة جدًا هى ظاهرة «أدب المقاومة» وفكرة «المقاومة» فى الأدب مرَّت بمراحل متعددة من الغناء البسيط المتفائل فى فترة من الفترات إلى مراحل أخرى، فأصبح الأدب يكتفى بكشف الواقع المرير الذى يعيشه الفلسطينيون سواء داخل فلسطين أو خارجها فى المنافى المتنوعة، وعلى كل حال هناك أدوار أخرى يقوم بها جزء من الأدب الفلسطينى الآن، يتمثل فيما يمكن تسميته «توثيق الذاكرة الفلسطينية» ونجد هذا واضحًا فى نصوص محمود شقير بوجه خاص، ففى نصوصه حرص شديد على ذكر المسميات والأماكن بالتفصيل، ونجد تفاصيل فى بعض نصوصه عن تجربة حى الشيخ جراح مثلا وهكذا، فهذا التوثيق هو جزء من الحفاظ على الذاكرة الفلسطينية التى يعمل الاحتلال على طمسها بأشكال متنوعة. فباختصار هناك أدوار متعددة يقوم بها الأدب الفلسطينى والعربى المهتم بالقضية الفلسطينية.

 

< ما رؤيتك لمحاولات الاحتلال الإسرائيلى ادعاء ملكية موروثات فلسطينية خالصة بأنها يهودية الأصل؟

<< هذا سؤال مهم جدًا، وأتصور أنَّ هذه المحاولات لا تقتصر فقط على ما يرتبط بالأراضى الفلسطينية أو بفلسطين بشكل عام لكنه ينصرف أيضًا إلى أماكن أخرى منها مصر نفسها، بمعنى أن هناك ادعاءات إسرائيلية بأن اليهود هم بناة الأهرام على سبيل المثال، فهذه الادعاءات لا تقف عند حد، لأن المطامع الإسرائيلية لا تقف عند حدٍ بشكل عام، فهى مطامع ممتدة وتستند إلى مزاعم وادعاءات متنوعة فيما يخص الاستيلاء على الميراث الخاص بنا نحن العرب والخاص بنا نحن الفلسطينيين.

< أخيرًا.. ما رأيك فى الجوائز الأدبية.. هل يمكن اعتبارها معيارًا حقيقيًا وصادقًا يؤشر للأعمال الجيدة؟

<< الجوائز الأدبية مهمة دائمًا، رغم كل الملاحظات التى يمكن توجيهها إلى بعضها.. الجوائز تلفت الانتباه إلى أعمال وتجارب وأسماء تستحق الانتباه إليها، وهى تقدم لبعض المبدعين دافعًا للاستمرار فى الإبداع، أو تطمئنهم إلى ما قدموه من إبداعٍ.. إلى آخره، وهى فى كثيرٍ من الحالات تمثل «معيارًا حقيقيًا وصادقًا يؤشر للأعمال الجيدة» لكنها ليست هى المعيار الوحيد.. ودائمًا هناك فى تاريخ كل الجوائز أعمال كثيرة وأسماء كثيرة كانت تستحق الفوز ولم تفز.