رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

يُخطئ من يتصور، لقلة معرفة وفقر اطلاع، أن قيمة سعد زغلول الوحيدة تتلخص فى دوره الوطنى العظيم فى إيقاظ الهمم والكفاح من أجل استقلال مصر، وقيادة أعظم ثورات الشعب المصرى فى التاريخ هى ثورة 1919. 

فقيمة الرجل الحقيقية تتجلى فى تفرد أخلاقه وسمو قيمه ونبله الإنسانى وعصاميته ليُصبح نموذجا استثنائيا لرجل من الطبقة الوسطى، حاز النجاح، ورضا الناس معا بفضل اعتداده الشديد بمبدأ الاستقامة. وهذا ما رآه المفكر الكبير الأستاذ عباس العقاد مفتاحا لشخصية سعد زغلول، فهو فى رأيه من القلائل من المتفوقين فى تاريخنا الحديث الذين انتهجوا الاستقامة طريقا للفلاح والتحقق، حتى إنه قال يوما «إن استقامة القصد قلما تخيب عند مستقيم أو غير مستقيم».

وتراث سعد زغلول فى الأخلاق والسجايا الكريمة أعظم وأبقى من تراثه السياسي، مع خالص تقديرنا لعطائه فيما قدمه على الساحة السياسية وزيرا، وبرلمانيا، ورئيسا للحكومة، وزعيما فريدا للأمة كلها.

  وحسبنا أن نستذكر كيف اشتهر بأخلاقه المستقيمة خلال احترافه مهنة المحاماة منذ 1884 إلى 1892، حتى إن العقاد يقول فى كتابه عن سيرته إن مهنة المحاماة قبل سعد، كانت على حال ثُم صارت إلى حال آخر بعد عمله بها.

 لقد كان الناس يعتبرون المحامى شخصا مراوغا، طالبا للمال، وموظفا كل جهد وقدرة فى سبيل تحقيق الفوز لموكله، لكن كما يقول العقاد، فإن مهنة المحاماة لم تهبط بسعد زغلول كما كان يخشى، بل هو الذى ارتفع بها. وكل ما صنعه الرجل هو أنه لم يقبل قط الدفاع عن باطل، ولم يرفض قط الدفاع عن حق، ولم يحضر جلسة إلا ودرس جميع جوانبها. وكان (كما يقول العقاد) إذا عرضت فرصة للصلح بين متخاصمين، ينتهزها ويشجع موكله على قبولها برد مقدم الأتعاب، فكان يُقيد مقدم الأتعاب فى باب الأمانات لا باب الموارد ليقى نفسه ضعف نفسه كما كان يقول، حتى إذا أراد الموكل الصلح رد إليه ماله وقال له: هذه أمانتك. 

بعد عمل مُضنٍ كانت أبرز دلائله تأخر زواجه حتى سن السادسة والثلاثين عاما، ذاع صيت سعد زغلول كأكثر المحامين أمانة وبراعة وصدقاً فى القطر المصرى. وصار توكيله فى قضية ما ضمانا لكسبها، حيث وثق فيه القضاة، وأعجبوا بذكائه وانحيازه للعدالة.

جاءه يوما وجيه من المنوفية متهما بتزوير عقد امتلاك ثمانية عشر فدانا، فرجاه أن يقبل الدفاع عنه فلم يفعل إلا بعد اعترافه بالتزوير، وكتاتبه إشهادا على النزول عن الأرض لأصحابها يحفظه عنده ليسلمه لهم بعد صدور الحكم بالبراءة.

ونذر سعد فى بداية عمله بالمحاماة إن زاد دخله عن ستين جنيها ليدافع عن الفقراء بغير أتعاب، ولما ذاع صيته أوفى بعهده حتى أنصف مظاليم كثراً من الفقراء لم يكونوا قادرين على مجابهة خصومهم لقلة الحال. وكانت براعة سعد وأمانته واستقامته مضرب الأمثال وهو ما دفع القضاء أن يعرض عليه وظيفة قاضٍ عليه ليصبح أول  محام فى مصر يتم تعيينه قاضيا.  

وفيما بعد استوزر سعد، وانتخب فى الجمعية التشريعية، ووكلته الأمة ليتحدث باسمها أمام الاحتلال، ثُم صار أهم وأعظم زعيم وطنى فى مصر بل وأكثر شخص محبوب من الناس، لكنه لم يتخل عن بساطته ورحمته بالضعفاء والمساكين، حتى إنه كتب فى وصيته بمبالغ من المال لخدمه ذاكرا إياهم واحدا تلو الآخر بالاسم. 

وكما ذكر العقاد، فقد كان سعد على غير ما يشيع عنه البعض، متسامحا مع خصومه ومجاملا لهم حتى إنه ذهب إلى شعراوى باشا فى منزله عقب عودته من النفى الأول يزوره ويصل ما انقطع من صداقة، وصالح عبد العزيز باشا فهمى وأثنى عليه رغم الاختلاف فى الرأى.

وكان معروفا بالصراحة والنفور من المنافقين والمادحين، محبا للخير، كريما، مثقفا، ذا كرامة، وبسيطا، ووفيا للأصدقاء. لذا فقد استحق الرجل ما حاز من أمجاد ومحبة، ذلك أن أخلاقه وقيمه مثلت نهرا متدفقا من العطاء تنهل منه الأجيال.

وما أحوجنا اليوم أن نستذكر تراثه التراث الأخلاقى والتمسك بالاستقامة لدى زعيم الوفد.   

فسلام عليه، وسلامٌ على الأمة المصرية.