رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لوجه الله

قبل أيام.. التقيت شابا مصريا يدرس البرمجة فى واحدة من اكبر كليات الهندسة فى الولايات المتحدة.
دار بيننا حديث طويل حول تجربة الانتقال للتعليم فى الخارج.. خاصة أنه بدأها بمرحلة الثانوية العامة.. أكد لى خلال حديثه حقيقة تفوق الطلبة المصريين عن غيرهم من الجنسيات الأخرى.. وعن الصعوبات التى واجهته فى بداية العملية التعليمية.. أشار إلى أن اللغة كانت التحدى الأول أمامه بالطبع.. لكنه عاد وفاجأنى بأن المناهج الدراسية ذاتها.. لم يواجه فيها أى مشكلة تذكر.. مؤكدا أن المادة العلمية التى كان يدرسها فى مصر أكثر عمقا وكثافة من مثيلتها فى الولايات المتحدة.. بل انه اشار إلى أن اغلب ما درسه فى الثانوية العامة هناك.. سبق له دراسته فى المرحلة الاعدادية فى مصر مما سهل الامر عليه كثيرا.
الحديث اثار شجونا كثيرة.. خاصة فيما يتعلق بما يسمى اليوم تطوير التعليم فى مصر.. والقضية هنا ليست مجرد عناوين براقة تتصدر صفحات الجرائد فحسب.. أو مجرد تعاقد مع هذا أو ذاك لإعادة طباعة المناهج الدراسية مقابل حفنة مليارات.
فالسؤال الأهم هو: ليس تطوير التعليم من عدمه ولكن.. ماذا سنطور أو نغير؟.. يلى ذلك مباشرة تحديد الهدف بوضوح من عملية التطوير.. والواقع الذى رصدته على مدار سنوات طويلة.. وليس عبر الشهادة الأخيرة فقط.. أن المناهج التعليمية هى آخر ما يحتاج التغيير فى التعليم المصرى.. فبالفعل مصر تمتلك مناهج دراسية على قدر عال من الكثافة والجودة.. أخرجت لنا العديد من العباقرة والقامات الجليلة فى شتى المجالات.. لن أتحدث عن عالم بحجم الدكتور أحمد زويل وغيره الكثير من علمائنا الاجلاء.. لكن هذه الحقيقة يلمسها كل مهنى يعمل بالخارج فى أى دولة من الدول المتقدمة.. إذا ماذا يحتاج النهوض بالتعليم فى مصر.. وهل هذا الكلام يعنى انه ليس فى الامكان ابدع مما كان.. بالطبع لا.. أن أول ما يحتاجه التعليم فى مصر تغيير العقلية التى تديره.. والوصول إلى مرحلة الاستفادة القصوى من الامكانيات المتاحة.. فقد سئمنا عقلية "تضبيط الأوراق".. وكله تمام يافندم. فالتطوير الناجع والأكثر انجازا.. هو جبر العجز الحادث فى العملية التعليمية.. وتوجيه ميزانية الوزارة إن لم تكن الدولة بأكملها.. لسد العجز فى الفصول التعليمية.. بناء مدارس جديدة.. اتاحة فصول اكثر يمكنها تقليل عدد الطلاب داخل الفصل.. توفير مقاعد ومبان آدمية تليق بدور العلم.. تطوير المعامل وتحديثها.. والاهم العقلية التى تدير تلك المعامل.. لتكون ساحة حقيقية للإبداع واكتشاف المواهب العلمية.. الانفاق على الطلاب ودعمهم.. اعادة هيكلة اجور المدرسين وإعطاء المعلم الوضع الذى يستحقه فى المجتمع.. وتطوير مهارات المعلم بما يتناسب وتطور الطرق والادوات الحديثة.. إعادة العملية التعليمية إلى المدارس.. بدلا من التخلى عن المسئولية والقائها على مراكز الدروس الخصوصية.. الرقابة الفاعلة للعملية التعليمية والتأكد من قيام كل معلم بدوره داخل الحصة.. باختصار ما اصاب التعليم فى مصر.. هو مرض اجتماعى من حفنة الامراض التى ضربت المجتمع فى السنوات الاخيرة.. أما المناهج فهى بريئة بالفعل من تهمة انهيار التعليم.. ولا أبالغ أن قلت إن تغير المناهج الدراسية فى مصر يعد تدميرا اضافيا للعملية التعليمية.. ولا مانع بالطبع من أن تشمل عملية التطوير اضافة أحدث ما توصلت اليه العلوم الحديثة.. من ذكاء اصطناعى للموصلات فائقة السرعة وما شابه مما استحدث فى العلوم.. وبالطبع لا مفر من فتح مسارات جديدة للتعليم لمواكبة احتياجات سوق العمل.
وفى النهاية يجب أن نقول إن تطوير التعليم.. ليس مجرد أمر جاد.. لا يحتمل «الهمبكة» و«الشو الاعلامى».. لكنه مستقبل أمة بأكملها.. وأمال وأحلام وطن فى البقاء.. فإن أردتم البقاء عليكم بالتعليم.. أن أردتم المال والقوة فعليكم بالتعليم.. فلا قوة أو وزن لأمة جاهلة أو نصف متعلمة.. ولاخير فى أمة تجهل ماضيها وتنسى مستقبلها.