قرية  تونس بالفيوم.. قبلة السياحة الريفية فى مصر

" تونس" قرية  صغيرة تقع فى أقصى غرب مدينة الفيوم، على بعد 55 كيلو متر، وتتبع مركز يوسف الصديق إداريا، وهي نموذج  للسياحة الريفية فى مصر، وتتميز بموقعها فى محور سياحى بيئى أثري يضم معبد قصر قارون و منطقة شلالات وادى الريان والبحيرة المسحورة ووادى الحيتان، بالإضافة الى شاطئ بحيرة قارون والفنادق والموتيلات السياحية الواقعة بها . 

وأصبحت قرية تونس قبلة السياحة الريفية بالعالم ومن أهم المقاصد التي تجذب عدد كبيرمن هذا النوع من السياحة  نظرا للمحافظة علي هويتها البصرية ونمط حياه يحافظ علي الخصوصية للسائح والرجوع للطبيعة وتناول الطعام الريفى  والاستمتاع بركوب الخيل وممارسة أنشطه مختلفه مثل مشاهدة الطيور ومحاكاه صناعه الحرف اليدويه مثل خزف قرية تونس بالورش المختلفة والذي أصبح مكون أساسي للقريه ومهرجان قرية تونس للخزف والذي  يعتبر عنصر جذب لمحافظة الفيوم  حيث انه قبل المهرجان السنوي تكون  نسبة الإشغال 100%  في فنادق تونس وبحيرة قارون،  وهناك العديد من الفعاليات التي تقام على هامش ذلك المهرجان من معارض للحرف اليدوية ومهرجانات وانشطة ثقافية وغيرها  مما يكون  له أكبر الأثر فى  المجتمع المحلي.

تونس الخضراء 

وقال الدكتور هاني رشدي يونس الأستاذ بكلية السياحة والفنادق بالفيوم، أن قرية تونس الخضراء كما يطلق عليها سكانها تقع على ربوة صخرية عالية ثم تأخذ فى الانحدار فى هدوء عجيب حتى تصل إلى شاطئ بحيرة قارون فلا يفصلها عن المياه سوى مساحات من الخضرة والأشجار لهذا تعد واحدة من أجمل المناطق الريفية فى مصر وبمجرد أن تدخل القرية تندهش من كثرة اللافتات المكتوبة باللغة الإنجليزية وكل لافتة تشير إلى فيلا تخص مواطن سويسرى أو إيطالى أو منزل خاص بكاتب  مصرى أو بيت فنان .

وأكد أن الطبيعة الساحرة للقرية ساهمت فى جعلها مركزا لتجمع الفنانين والموسيقيين والأدباء والرسامين من جنسيات مختلفة وبعضهم اهتم ببناء منازلهم على طراز منازل الدكتور حسن فتحى فى عمارة الفقراء، إلا أن هناك منازل أخرى بناها أصحابها على الطراز الإيطالى والسويسرى حيث نقلوا إلى القرية جانبا كبيرا من معالم الريف الأوروبى، والأجانب فى القرية لا يتملكون البيوت والفيلات التى يسكنون بها وإنما تظل الأرض تابعة لسكان القرية من الناحية الرسمية. 

لكن مستوى الثراء الهائل الذى تتسم به الفيلات والبيوت الرائعة لم يشمل الفقراء والبسطاء من سكان القرية الأصليين الذين ارتضوا بالتجمع فى الناحية القبلية للقرية تاركين بقية المكان للأجانب والمشاهير والأدباء من بقية السكان النازحين إليها حيث يسكن بالقرية نحو 4  آلاف نسمة  وغالبيتهم يعملون بالزراعة والصيد والخدمات المعاونة فى المجال السياحى ،وبعضهم تعلم فن الخزف وافتتح ورشة صغيرة بجوار منزله وتضم قرية تونس المئات من " الفيلات" .

ويشير الاستاذ بكلية السياحة والفنادق الى ان اهالى القرية يدينون بالتطوير الذى حدث فى القرية الى السيدة  إيفلين  بوريه فنانة الخزف السويسرية  وانها صاحبة الفضل الأكبر فيما وصلت إليه القرية الآن .. حيث قامت بإنشاء مدرسة لتدريب أطفال القرية على فنون صناعة الخزف والفخار وأطلقت على المدرسة اسم جمعية "بتاح "والتى اكتسبت شهرة عالمية مع الوقت نتيجة كثرة المعارض التى تم تنظيمها فى العديد من دول العالم وخاصة أوروبا .. 

والسيدة إيفلين اقامت  فى القرية منذ اوائل السبعينات  الى ان توفت فى اوائل يونيو عام 2021 وهى سيدة سويسرية الأصل وكانت متزوجة بالشاعرالراحل  سيد حجاب الذى كان قد حضر  فى أمسية شعرية بالقرية فاصطحبها معه وعندما رأت هذا الجمال غير العادى الذى تتصف به القرية قررت أن تبقى فى هذا المكان وانفصلا وعاشت إيفلين فى القرية بمفردها بادىء الأمر ثم تزوجت من الفرنسى ميشيل باستورى وانجبت ولديها انجلو وماريه – بالمناسبة اهالى القرية كان يحلوا لهم ان ينادونها "ام انجلو" - واصطحبت معها فيما بعد عددا من أصدقائها وبدأت تمارس هوايتها المفضلة فى صناعة الخزف ونقلت إليها ما تعلمته فى كلية الفنون التطبيقية بسويسرا وبدأت التجربة بفن الخزف وعملت ورشة ثم تحولت الورشة إلى جمعية لتعليم أولاد الريف هذا الفن، والآن هناك ورش عديدة بالقرية وفى المدرسة يتعلم الأطفال على هذا الفن التراثى الذى لن يمت لأن مصر صاحبة حضارة عظيمة وطويلة جدا وهى أصل كل هذه الفنون وفى كل عام كانت تقوم بتنظيم معارض عالمية فى فرنسا وسويسرا والقاهرة  وتحظى بإقبال كبير وإعجاب ممن يقدرون هذا الفن.

و قالت ايفيلين عن  القرية انها تحولت إلى عاصمة للفنون والجمال لأنها حسب تعبيرها تجمع كل شىء جميل فى مصر، فهناك خضرة وجبل ومياه وناس بسطاء وهذا ما جعل فنانى وأدباء أوروبا يأتون إليها خصيصا ويقيمون بها فترة كل عام من أجل مواصلة إبداعهم مثل الأديب العالمى دينيس جونسون مترجم أدب نجيب محفوظ، وهذا المكان يتمتع بهدوء غير طبيعى والناس بسطاء جدا وخارج نطاق الزمن يعنى هم يستيقظون منذ الصباح الباكر ويذهبون لأعمالهم فى الحقول ثم يعودون وقت الظهيرة ثم يذهبون للحقول مرة أخرى بعد العصر ثم يعودون فى المساء ،فأنا أشعر أن الحياة هنا تسير فى غاية النظام والدقة كأننى جالسة فى خلية نحل وطيلة الـ50 عاما شعرت طوال الوقت أن المصرى إنسان بسيط ووديع ويستطيع أن يرسم ويبدع بأنامله بمنتهى البساطة.

وتجربة ايفلين شهد بها  الاتحاد الأوروبى الذى أوفد لجنة لدراسة جوانب الجمال فى القرية ،وأنها ساهمت فى الترويج السياحى للقرية من خلال المعارض الكثيرة التى قامت بتنظيمها فى دول أوروبا العديدة ،

وكان من أشهر من سكن بالقرية من الأجانب هو الأديب والمترجم العالمى دينيس جونسون ديفيز وهو أول من قام بترجمة روايات الأديب العالمى نجيب محفوظ إلى الإنجليزية وكان واحدا من طلاب الدكتور طه حسين بكلية الآداب .

وتضم قرية تونس أيضا أول متحف للكاريكاتير فى الشرق الأوسط أنشأه الفنان محمد عبلة ليكون قبلة للفنانين من كل مكان فى العالم .. المتحف يضم مجموعة نادرة من الرسوم الكاريكاتورية لصلاح جاهين ورخا وصاروخان وحجازى وغيرهم ..

ويقيم بالقرية أيضا عدد آخر من الفنانين نبيل تاج رسام الكاريكاتير المعروف  وعدد من أساتذة الجامعة الأمريكية وفنان يدعى خافيير بوجاماتى وعدد من الأجانب الذين يعشقون الريف المصرى وقد فضلوا الإقامة فى المكان بعيدا عن الازدحام.

أما عن أهالى القرية البسطاء فغالبيتهم يعملون فى الزراعة والصيد ورعى الحيوانات لكن السياحة الريفية بالقرية فتحت أمامهم أبوابا أخرى للرزق خاصة وان القرية بها عدد غير قليل من الفنادق ذات المستويات المختلفة  .

ويبقى ان نذكر انه تم اطلاق اسم ايفلين بوريه على الشارع الرئيسى فى القرية اعترافا بفضلها وما قدمته للمجتمع المحلى فى تونس .