رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

مراجعات

أصبحنا نعيش في زمانٍ، صار كل شيء فيه قابلًا للكتابة.. زمنُ تكاثُر الأفكار ونُدرة فائدتها وجدْواها، حتى فقدت الكلمة معناها ومحتواها، خصوصًا عندما يصبح كل ما يحدث من حولنا مستفزًا وشاذًّا!
لعل ما نعيشه الآن، أقل ما يوصف به، أنه زمن المسخ.. فلا قيمة لكلمة صادقة نابعة من ضمير.. حتى باتت قيمة الكتابة تنتفي تدريجيًا، كمثل الذي يقوم بطلاء واجهة منزل آيل للسقوط في أي لحظة!
للأسف، سنوات من الكتابة، والمحصلة لا شيء.. فما الذي تغير، أو تحقق من أقوالنا وأفكارنا وخواطرنا.. أوضاع تزداد سوءًا، وتوترًا وقلقًا أصبحا جزءًا أساسيًا من حركة حياتنا، فهل استطاعت الكتابة على مدار سنوات طويلة أن تُوقف التدهور الحاصل في أوضاعنا البائسة، أو تُخفِّف مسبِّبات أزماتنا؟
لعل ما يجري حولنا ليس سوى مجرد تفاصيل صغيرة، ولذلك لا ينبغي أن نقع أسرى لتكييف الممكن والمثالي، أو بين الحق والتحيز.. فمتى كان إجماع الغالبية على رأيٍ ما، يعني أنه صواب، وما المعايير التي يُقاس على أساسها أن الغالبية بالفعل مع ذلك الرأي؟
أن يكتب الإنسان ما يعتقده، فهذا معناه أنه يفكر ويستكشف، وليس من حق أي كاتب أن يتخلى عن قلمه، تحت أي ظرف، للتعبير عن قناعاته وأفكاره، لأن قيمة أي عمل هي الإخلاص فيه، ومدى جديته ونقائه .
يقينًا.. الحق واحد وثابت، وفي الكتابة يبدو ثقل الكلمة كأمانة، والأمانة مسؤولية، والمسؤولية يجب أن تكون خالصة من أي شبهات، ولذلك ربما اعتقدنا - مخطئين ـ أن الأفكار أصبحت شحيحة وفقيرة، بالنظر إلى المحظورات وألوان الطيف، إن حاولنا أن نُغَرِّد خارج السرب، أو بمعنى أدق منفردين عن القطيع!
إن أصحاب الأفكار والرؤى والأقلام الحرة، غالبًا ما تكون لديهم «صلابة» تجعلهم يتمترسون حول مواقف بعينها، و«مرونة» في مقاربة الواقع، أكثر مما تحتاج فيه إلى ملامسة المثال، والبُعد عن انتهاج أساليب رجعية أو انتهازية.
إذن، على أي كاتب أو صاحب رأيٍ حقيقي، أن يبتعد كليًّا عن كل تأجيج المشاعر، واللعب على احتياج البسطاء، وأن تكون قضيته الأساسية، الدفاع عن صون الحرية، بما يضمن توسيع خيارات الناس واستثمار آرائهم.
أخيرًا.. بما أنه لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة، فإن الكتابة تصبح فرض عَيْن، لإعطاء نوع من الأمل، والابتعاد عن واقعٍ مرير، بما يحويه من تغييب للوعي، وغسيل للأدمغة، ودغدغة للمشاعر، من فئة قليلة يمثلها أدعياء الدين والفكر والثقافة وفلاسفة التنظير وأقزام الإعلام، الذين شوَّهوا معالم حياتنا.
فصل الخطاب:
سُئل المفكر والفيلسوف «برتراند راسل»: «هل أنت مستعد أن تموت من أجل أفكارك؟ قال: لا، قيل له لماذا؟ أجاب: لأني لست واثقًا منها.. إن العقلاء دائمًا يشككون في أفكارهم ومعتقداتهم، بينما الحمقى يتشبثون على الدوام بآرائهم وأفكارهم».


[email protected]