رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

البحث فى تاريخ مصر الحديث العامر بالفن الجميل سيكشف لنا الكثير عن ثراء هذا التاريخ وتنوعه المدهش. فها نحن أمام ثلاثة عباقرة أفذاذ أنجبتهم مصر فى نهايات القرن التاسع عشر، فأسعدونا وعلمونا وأمتعونا ومازالوا يفعلون سواء فى القرن العشرين أو فى الحادى والعشرين.

هؤلاء العباقرة الثلاثة كانوا بؤرة سجال فنى مهم اشتعل فى عام 1949.

أول العباقرة هو الموسيقار الأعظم محمد عبدالوهاب الذى دخل فى نقاش مهذب مع العبقرى الثانى الكاتب الكبير عباس محمود العقاد، رافضًا رأى العقاد فى عبقرى ثالث هو نجيب الريحانى.

بدأت الحكاية عقب وفاة نجيب قبل 75 عامًا بالضبط، وبالتحديد فى 8 يونيو 1949، إذ كتب العقاد مقالا مؤثرًا فى مجلة الكواكب (أغسطس 1949)، بعنوان (رجل خلق للمسرح)، حيث قال العقاد عن الريحانى بالحرف: (إنك تحاول أن تتخيله فى عمل آخر غير عمله المسرحى فلا تفلح. هو على المسرح كالسمكة فى الماء... دخوله إليه وحركته عليه... وكلامه وسكوته وإيماؤه، وقيامه وقعوده، طبيعة من صميم الطبيعة تنسيك كل تكلف يحتاج إليه الفنان حتى ينتقل من العالم الخارجى إلى عالم الفن والرواية).

لم يعجب هذا الكلام عبدالوهاب، فتصدى له بمقال فى العدد التالى من الكواكب، بعد أن وضع له عنوانا دالا ينسف عنوان العقاد، وهو (رجل خلق للسينما)، حيث كتب صاحب الجندول بالنص: (وبوسسعى كفنان زامل الريحانى فى آخر عمل فنى له، وهو فيلم «غزل البنات» أنا أقول بثقة وحماسة وتأكيد: إننى لا أتخيل الريحانى إلا مظلومًا على المسرح... فإن خشبة المسرح كانت تسرق الكثير من عبقرياته لتدفنها فى جو محدود، وتطويها دون أن يشعر بها أحد)...

ثم يواصل عبدالوهاب التمعن فى قسمات الريحانى وعبقرية تعبيراته قائلا: (فإن للريحانى وجهًا معبرًا صارخ الملامح ناطق السمة.. تكاد كل خلجة فيه تبرز قصة بليغة صامتة... وله لمحات تطفر من عينيه يسجل فيها أروع أحاسيس الفنان الملهم... دمعة كسيرة أو نظرة مرحة، أو غشاء من ترح أو فرح يكسبه لونا إعجازيًا قل أن يكون له نظير فى العالم).

لم ينس عبد الوهاب فى مقاله المهم هذا الحفاوة بالصوت المتفرد للريحاني، فكتب قائلا: (وكانت له أيضًا نبرة صوت فيها كل شجن الفنان. تقفز رأسًا من خفقة قلبه لتخرج من شفتيه أشبه بهمسة واهنة لا تكاد تسمعها الأذن، ولكنها أنفاس حارة تنفخ أجيجًا من نار فى إحساس من يتتبعه).

بعد هذا الشرح الذكى لملامح الريحانى المعبرة وحنجرته المؤثرة، يصل إلى النتيجة المبتغاة، فيكتب: (أقول هذا وأنا لا أكاد أتخيل شيئًا غير عدسة الكاميرا يمكن أن تسجل فى أمانة هذه البلاغة التعبيرية لتقدمها للجماهير نطقا عبقريًا... وأقولها وأنا لا أكاد أتخيل شيئًا غير الشاشة يمكنها أن تعرض فى إتقان وأمانة وراحة هذا العالم الرحب الرائع الذى كانت تلعب فيه شخصيات نجيب المتعددة أدوارها المخلدة).

أجل... صدق عبدالوهاب، فلم يبق من الريحانى سوى أفلامه الرائعة المذهلة.