رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

بلا مجاملة ولا مبالغة وبضمير خالص أعتقد أن مجدى حبيب يعقوب هو أجمل رجل فى بلادى. كتبت عنه ذلك قبل سنوات موقنا أنه مبعث فخر، ودليل تفرد، وأيقونة تعلم. وبعد أن قرأت مذكراته مؤخرا، شعرت بأن ما كتبته سابقا وما أكتبه الآن ويكتبه غيرى، أقل كثيرا أن يفى هذا الجميل حقه.

سيرة الرجل كتبها سيمون بيرسن وفيونا جورمان، ونشرتها الجامعة الأمريكية بالقاهرة فى 2023 بعنوان «جراح ومُنشق: حياة وريادة مجدى يعقوب»، قبل أن يُترجمها للعربية المترجم المتميز أحمد شافعى، وتصدر عن الدار المصرية اللبنانية مؤخرا بعنوان «مذكرات مجدى يعقوب.. جراح خارج السرب».

قراءة الكتاب ماتعة لأنها سيرة استثنائية لرجل خارج كافة الحسابات والتوقعات، شديد التميز فى حماسه وإصراره وتوهجه وتفانيه. وهو بذرة أمل لا تنطفئ أبدا ولا تعترف بكلمة مستحيل أو تقبل بفشل أو هزيمة.

ولد مجدى يعقوب سنة 1935 فى بلبيس فى أسرة متوسطة، والده طبيب حكومى، تنقل مع أسرته من مدينة إلى أخرى وفق مقتضيات العمل، وشهد وهو صغير مأساة موجعة غرست فيه بذور الإصرار منذ الطفولة، وهى وفاة عمته يوجين وعمرها اثنان وعشرون عاما بسبب اعتلال قلبها. فى ذلك الوقت صارح مجدى والده الجراح برغبته فى أن يصبح جراح قلب، لكن والده استصعب الأمر، وقال له «تركيبتك المزاجية لا تلائم ذلك».

هل كان ذلك دافعا محفّزا كى يغلب التوقعات ويتفوق، مستهدفا دراسة الطب والتخصص فى أمراض القلب والنبوغ فيه؟ تجيب السيرة الفعلية بنعم، فعندما سافر مجدى بريطانيا مع شقيقه جيمى ليستكملا دراسة الطب معا بعد تخرجهما سنة 1957، أخفق شقيقه فى الحصول على منحة علمية، بينما تقدم هو لثلاث منح مختلفة معا، واجتازها جميعا.

كان طموحه لا حدود له، وربما لاحظ ذلك زملاؤه وأساتذته، حتى إن أحدهم واسمه هولمز سيلورز (تولى فيما بعد رئاسة الاتحاد الطبى البريطاني) قال له «أنت موهوب لكنك تهدر وقتك، لقد أجرينا كل جراحات القلب ولم يتبق شىء لاكتشافه، وأنصحك أن تكمل فى مجال آخر»، لكن مجدى اعتبر النصيحة حافزا لكسر الحدود وتحقيق نجاحات غير مسبوقة فى جراحات القلب.

فى ديسمبر 1967 نجح طبيب جنوب إفريقى هو كريستيان برنارد فى إجراء أول عملية زراعة قلب بشرى لإنسان، ورغم وفاة المريض بعد أيام، فإن العالم انقلب باحثا ومجاهدا لتطوير القدرات لتحقيق آمال المرضى.

وكان مجدى يعقوب يعمل بدأب وإخلاص ليخوض محاولات تلو أخرى لتنفيذ عمليات زراعة قلب ناجحة تضمن إطالة أعمار مَن يتصورون أن حياتهم انقضت. أخفق مرة، ثم أخفق، وتعرض لانتقادات من أطباء وصحفيين لكن إصراره لم يلن، حتى حقق سنة 1983 معجزة طبية بكافة المقاييس فى زراعة قلب ورئتى إنسان.

بعدها طوّر مجدى يعقوب أضخم برنامج زراعة قلب فى العالم وأقامه فى مستشفى قروى على أطراف ريف لندن. وتم اعتماد عمله الرائد ليصبح أفضل جراح قلب فى العالم ويجرى لديه كبار زعماء العالم والملوك والساسة عمليات كان يتصورها الأطباء من قبل مستحيلة.

لم يتقاعد المصرى الخارق رغم اقترابه من التسعين، واصل العمل ليل نهار، تبرع بماله وجهده ليُنشئ صرحا طبيا عالميا لعلاج الفقراء فى مصر مجانا وهو ما مثّل معجزة بكل المقاييس، كما أسس فريقا طبيا جوالا لإجراء عمليات القلب فى إفريقيا مجانا خدمة للإنسانية، واستحق عن جدارة كثيرا من الأوسمة الملكية البريطانية، وقلادة النيل من مصر.

ولا شك أن سيرة الرجل تستحق أن تُدرس للطلبة فى مصر، فهى أنفع وأجدى من سير عقبة بن نافع، وشجر الدر، وطارق بن زياد، وهى دليل على أنه لا توجد أبواب موصدة تماما، فالإنسان قادر على التحقق متى أراد، وبذل ما فى وسعه، كما أن غاية كل إنسان على الأرض هى نفع البشر، وفى ذلك فليتنافس المتنافسون.

والله أعلم

[email protected]