رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لوجه الله

فى نيويورك.. وسط تلاطم العرقيات المختلفة.. على وقع رأسمالية صاخبة حيث «من كل شىء أقصاه». . ووسط تدافع كتل بشرية شبه متلاصقة فى حركة «براونية».. لا هدف لها إلا المتعة وجمع المال.. كانت ملامحهم مميزة بين الجموع.. مجموعة من الشباب المصرى الباحث عن فرصة للحياة..
تبدو على وجوههم سعادة غريبة.. لكن هذه الابتسامات العريضة التى تستقبلك سرعان ما تكتشف انها تخفى وراءها رحلة طويلة من الشقاء والمعاناة.. وآلام يعجز القلم عن إيجازها.. الدافع المشترك لديهم جميعاً.. السعى إلى الرزق والحياة الكريمة.. بعد أن أوصدت فى وجههم أبواب الرزق وسبل الحياة.. البداية كانت بالبحث عن طريق للوصول إلى الأراضى الأمريكية.. فمجرد إبداء الرغبة يجعل من أحدهم فريسة سهلة للنصابين ونهازى الفرص..
لم يتركوا باباً موصداً إلا طرقوه.. بداية من السعى للفوز بحلم اللوترى الأمريكى.. وصولاً إلى الحدود المكسيكية- الأمريكية.. وهذه الأخيرة أصبحت الهدف والحلم صعب المنال.. يدفع الشباب والكفاءات المهاجرة.. ما يربو على 20 ألف دولار لسماسرة السفرة والمهربين.. لخوض تلك المغامرة.. التى قد تنتهى بأحدهم فى قاع بحر.. أو قتيلاً وسط غابات إفريقيا أو أمريكا الجنوبية..
تتعدد نقاط الانطلاق للمكسيك.. منها ما يبدأ بالمغرب وموريتانيا.. ومنها الكاميرون أو السنغال.. وهناك من يتخذ من أوروبا نقطة انطلاق إلى أمريكا الجنوبية.. خاصة عبر إسبانيا وبريطانيا.. أما الوجهة فى أمريكا الجنوبية فليست بالأمر المهم.. فقد تكون الأرجنتين أو تشيلى أو بوليفيا فى أقصى جنوب القارة.. ليبدأ بعدها رحلة طويلة من المعاناة بطول القارة عبر عدة دول.. تصل إلى 5 أو 6 دول.. يعبر بعضها جواً أو بحراً.. ومنهم من تضطره الظروف أو عصابات التهريب إلى العبور بين تلك الدول عدواً عبر الغابات أمام قوات حرس الحدود.. 
خلال تلك الرحلة يتعرض المهاجرون إلى شتى أنواع العنف.. من التهديد للسرقة للاستغلال وقد يصل الأمر إلى القتل.. ومن كان سعيد الحظ بين هؤلاء تسوقه قدماه إلى الحدود المكسيكية.. ليبدأ بعدها مغامرة العبور إلى أرض الأحلام..
أما من تمكن من اجتياز الحدود بالفعل فقد وصل إلى بر الأمان.. يقول أحد المهاجرين بمجرد دخولنا الأراضى الأمريكية.. اصطحبتنا قوات حرس الحدود إلى معسكرات تجميع اللاجئين.. هناك وجدنا جميع جنسيات العالم.. ورأينا ما لا يخطر على بالك من البشر بأعداد غفيرة..
وبكل لغات العالم من أقصى شرق آسيا إلى أمريكا الجنوبية.. قدموا لنا الطعام وأماكن آدمية للمبيت.. حاوطتنا فرق من منظمات إنسانية.. أعطونا كل أنواع الحلوى والشيكولاتة.. قدموا لنا المعونة الصحية.. ومن كان يحتاج إلى علاج قدمت له الرعاية الطبية.. اعتذروا لنا عما لاقيناه فى رحلتنا من مصاعب!. بعدها يخرج المهاجرون.. إلى الإقامة فى غرف فندقية مستقلة عقب تسجيل بياناتهم وتقديم طلبات اللجوء لهم.. فأغلبهم لا يستطيع كتابة أسمه أو ملأ طلب اللجوء.. ثم تتم معاونتهم فى الانتقال إلى أى ولاية يرغبون العيش فيها.. عبر تذاكر طيران أو قطارات مجانية.. ليحصل كل منهم فيما بعد على تصريح الإقامة والعمل.. فى انتظار كلمة القضاء فى طلبه للجوء.
بين هؤلاء.. محدودو التعليم ومن لا يجيدون أى لغة للتواصل.. وبينهم أصحاب مواهب كثيرة وحرف نادرة.. ودرجات علمية رفيعة ومهن يعز على القلم ذكرها فى هذا الموضع.. ليعيش أغلبهم بين الرجاء والخوف.. الرجاء والأمل فى البقاء فى أرض الأحلام.. التى قدمت لهم منذ أول لحظة كل ما يليق بآدميتهم.. وأشعرتهم بأن لحياتهم ثمناً.. والخوف من إعادتهم إلى أوطان نزعت عنهم كل شىء حتى الأمل والرغبة فى الحياة.. قد تبدو الكلمات قاسية ثقيلة.. لكن الواقع والحقيقة أكثر قسوة وأكثر ثقلاً.. وما لم يذكر أكثر بكثير مما ذكر فى هذه السطور.