رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«الشراكة الاستراتيجية» من المصطلحات حديثة العهد فى حقل العلاقات الدولية التى ظهرت نهاية القرن العشرين، وهو مصطلح مستنبط من حقل الدراسات التنظيمية (الأعمال والإدارة)، وعلى الرغم من حداثته لا يمكن على وجه التحديد حصر أول تطبيق لمفهوم «الشراكة الاستراتيجية» على مستوى العلاقات الدولية، لكن الإرهاصات الأولى لذلك المفهوم كانت بين كل من البرازيل والصين اللتين أقامتا شراكتهما الاستراتيجية فى عام 1993. والتطبيق الأبرز كان إعلان موسكو 1994 بين الرئيسين الأمريكى بيل كلينتون والروسى بوريس يلتسين، الذى حدد «مرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية الناضجة القائمة على المساواة والمنفعة المتبادلة والاعتراف بالحقوق المتبادلة». 

و«الشراكة الاستراتيجية» مفهوم ومستوى تعاون مختلف عن مفهوم «التحالف» فهى أقل «رسمية» من «التحالف» لكنها أعمق، والتحولات الدولية منذ الحرب الباردة كانت أحد أبرز الأسباب فى تبنى الدول لنمط «الشراكات الاستراتيجية»، أيضاً هناك ثلاثة عوامل معاصرة أخرى هى: العولمة الاقتصادية، والتهديدات الأمنية غير الحكومية، والأسلحة النووية، تفسر قرار القوى العالمية الناشئة والقوى المتوسطة «بالابتعاد عن التحالفات الرسمية» وخروج الجهات الفاعلة الدولية، منذ نهاية الحرب الباردة، من نموذج التحالف وتبنت بدلاً من ذلك الشراكة كونها توفر أشكالاً أكثر مرونة من التعاون الدولى مما يمكن أن توفره أطر التحالفات.

إذن؛ جوهر الشراكة الاستراتيجية يكمن فى التعاون القائم على المساواة وتبادل المنافع بين الدول ذات الأهداف المشتركة، ورغم أن القضايا الأمنية تشكل أهمية مركزية للشراكات الاستراتيجية، فإن نطاق هذه الشراكات يمكن أن يكون واسعاً للغاية، بما فى ذلك التجارة والاقتصاد والتكنولوجيا وما إلى ذلك. ونظراً لأنها توفر مجالاً هائلاً للتفاعل فى مجالات متعددة، فقد أصبحت الشراكة الاستراتيجية واحدة من أكثر الأساليب المرغوبة لمشاركة الدول فى السياسة العالمية المعاصرة. 

القاهرة منذ أيام قليلة استضافت قمة مصرية أوروبية رفيعة المستوى، انتهت إلى إعلان رفع العلاقات المصرية الأوروبية إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية» على مختلف الأصعدة: سياسياً، واقتصادياً، وتجارياً، وثقافياً. وهى قمة تاريخية ونقلة نوعية فى مسار العلاقات بلا شك. كان نتاجها الفورى والسريع دعماً أوروبياً ضخماً قيمته 7,4 مليارات يورو على مدى أربعة أعوام، فى مجالات مختلفة تشمل قروضاً ومساعدات واستثمارات، ويشتمل على مساعدات مالية قدرها خمسة مليارات يورو واستثمارات بقيمة 1,8 مليار يورو، ومنح قدرها 600 مليون يورو. والأهم تمويل طارئ قدره مليار يورو من ضمن المساعدات المالية سيصرف هذا العام.

سبق ذلك قمة مصرية برازيلية بمناسبة مرور 100 عام على العلاقات المصرية البرازيلية انتهت أيضاً بإعلان «الشراكة الاستراتيجية» بين كلتا الدولتين، والبرازيل دولة مركزية فى أمريكا اللاتينية ومهمة على الجانب التجارى والسياسى. كذلك كانت الزيارة التاريخية للرئيس الهندى إلى مصر فى يونيو 2023، وشهدت التوقيع على الإعلان المشترك لرفع العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، والهند هى الأخرى دولة مركزية فى قارة آسيا وعملاق اقتصادى قادم بقوة.

فى السياسة كل سلوك له دلالة؛ والشراكات المصرية الاستراتيجية تعكس دلالات مهمة؛ فهى شراكات متعددة ومتنوعة توضح مدى توازن برنامج السياسة الخارجية المصرى، وكيف أن مصر ما بعد يونيو 2014 أقرت واتبعت برنامج عمل خارجياً قائماً على استقلال القرار السياسى المصرى والسيادى، وسياسة خارجية عقلانية رشيدة تعمل فى إطار تحقيق المصلحة الوطنية المصرية، على النحو الذى مكن مصر من استعادة مكانتها الدولية وريادتها الإقليمية، وعودة فاعلية الدور المصرى المحورى فى مختلف دوائر التحرك المختلفة.

وعلى جانب الآخر؛ توضح تلك الشراكات الكيفية التى يرانا بها العالم، ومدى الأهمية الاستراتيجية لدولة مصرية مستقرة من كل الجوانب فى خضم إقليم مضطرب، بل يمكن القول مشتعلًا، سواء فى غزة شرقاً، أو السودان جنوباً، وليبيا غرباً، أو على مستوى التوترات المتصاعدة فى البحر الأحمر. وهى شراكات تعكس مدى محورية ومركزية الدولة المصرية للعالم أجمع فى إطار الحفاظ على السلم والأمن الإقليمى والدولى، ومسارات التجارة العالمية. هى مصر كانت وستبقى ركيزة الأمن القومى العربى والإقليمى، والدور المصرى ريادى لا يمكن تجاوزه أو تجاهله.

لذلك؛ عزيزى القارئ، لا تفكر أو تحلل بذهنية الإخوانى المتربص الذى يرى الأمور من زاوية واحدة تخدم أهدافاً ضيقة، بل بعقلية المصرى الوطنى الذى يتمنى الخير لوطنه.