عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فى ذكرى انتصار العاشر من رمضان

المقاتل الصائم مفهوم قدمته القوات المسلحة لتحطيم أسطورة الجيش الذى لا يقهر

بوابة الوفد الإلكترونية

تلاحم الشعب والجيش حقق الانتصار فى الحرب.. وأفشل المخططات ضد الدولة المصرية

 

حطمت حرب العاشر من رمضان  السادس من أكتوبر 1973 أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يُقهر، وكانت بداية الانكسار للعدو، وأيضا بداية معركة تحرير أرض سيناء الغالية، وفى هذا اليوم العظيم خاض المصريون بجيشهم العظيم حربًا فى شهر الصيام، الأمر الذى كشف عن مدى صلابة المقاتل المصرى، وقوة اعتقاده وايمانه بوطنه، حيث قاتل المصريون وهم صائمون وعبروا القناة واخترقوا خط بارليف المنيع، الذى زعم العدو أن هذا الخط لن يعبره مصري مرة أخرى، لأنه أقوى خط دفاعى فى التاريخ الحديث والذى اعتبره العسكريون الغربيون أنه لا يمكن تدميره إلا إذا استخدمت القنبلة الذرية غير أن القوات المسلحة استطاعت تدمير هذا الخط خلال ساعات من بدء الحرب وأفقدت العدو توازنه فى أقل من 6 ساعات.

إن حرب العاشر من شهر رمضان ستظل صفحة مشرقة فى تاريخ نضال هذا الشعب ومصدر مجد وفخر للقامة العسكرية المصرية على مر التاريخ، ونقطة تحول ايضا فى مسار الصراع العربى الإسرائيلى، فهى الحرب الأولى التى انتصر فيها العرب على هذا العدو الذى وفرت له القوى الغربية والأمريكية كافة امكاناتها وترساناتها العسكرية.

إن عظمة انتصار اكتوبر ستظل درسًا تاريخيًا لدولة الاحتلال، ومصدر إلهام للأمة العربية، فى مواجهاتها مع هذا العدو الذى لا يعرف إلا لغة القوة، ولا يلتزم ولايحترم قوانين دولية، حتى فى عدوانه على مدنيين عزل فى قطاع غزه، وهى الحرب التى كشفت عن الوجه القبيح لهذا العدو وما يريد فعله فى الأمة العربية بمختلف دولها.

لقد لقن المصريون دولة الاحتلال درس عمرها، وكانت حرب اكتوبر علامة سوداء ووصمة عار على هذا الكيان، الذى يعرف كل من فيه قوة مصر وصلابة شعبها وعظمة قواتها المسلحه، فهذه الحرب لم تكن معركة عادية، بل مثلت قوة إرادة الشعوب فى مواجهة الاحتلال، ومثلت أيضا قوة الحضارة والتاريخ فى مواجهة العنصرية والصهيونية.

إن خوض المصريين لحربهم فى شهر رمضان وهم صائمون أضاف بُعدًا آخر لتجربة المقاتل الصائم، حيث كان الصوم يمثل تعزيزًا للروح المعنوية وتأكيدًا على القيم العليا التى يقاتل المصرى  من أجلها، وهو ما ساهم فى تحقيق النصر والعبور إلى التاريخ كأبطال خالدين.

الطريق إلى النصر

مثلت نكسة 1967 جرحًا عميقًا فى الوجدان المصرى والعربى والإسلامى أيضًا، فمصر هى أكبر دولة عربية وأقوى قوة فى المنطقة، ودورها التاريخى والإقليمى ممتد فى هذه المنطقة بحيث لا يمكن إغفاله أو تجاهله، وكانت هذه الحرب التى لم تحارب فيها مصر بمثابة انكسار لمصر ومكانتها ودورها، لذلك رفع الجميع شعبًا وجيشًا شعارًا «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة». 

وبدأ طريق النصر صعبًا بل شبه مستحيل، لكن الإرادة والكرامة  المصرية كانت أقوى من المستحيل، فبدأت  مصر فى التخطيط لعملية عسكرية ضخمة، تهدف إلى تحطيم خط بارليف، الذى كان يُعتبر منيعًا. وقد تميزت الخطة المصرية بالعبقرية والدقة والسرية التامة، وتعتمد فى مجملها على عنصر المفاجأة، كما كانت الروح المعنوية للجنود والقادة فى أعلى مستوى، مما ساهم فى تعزيز الثقة بالنجاح.

لقد عانى المصريون وصبروا وتحملوا ووقفوا بجوار قواتهم المسلحة على مدار 6 سنوات، فخلال هذه الفترة قدم  الشعب كل ما يملك، واستطاعت القوات المسلحة أن تعيد بناء نفسها وتعيد صفوفها وتعمل على مدار 24 ساعة دون أدنى إحساس باليأس، وتناسى الجميع كل شىء فى الحياة ولم يكن هناك إلا هدف واحد وهو الحرب والانتصار لاستعادة الأرض.

المصريون انتصروا على اليهود فكريًا قبل الانتصار فى المعركة، حيث كانت كل الحسابات تصب فى صالح العدو، فهو صاحب التسليح الأحدث والقوى والأكثر تطورًا، وهو صاحب اليد الطولى بطائراته المتطورة التى تصول وتجول فى كافة ربوع مصر، وهو صاحب الحصون المنيعة ممثلة فى خط بارليف المنيع، فضلًا عن المانع المائى ممثلًا فى قناة السويس، وكانت غالبية دول العالم كانت على قناعة بأن مصر تحتاج الى عشرات السنين لكى تعيد بناء جيشها بعد ان تم تدمير ما يقرب من 85% من الأسلحة والعتاد فى 67، فى حين كان قادة إسرائيل على قناعة بأن المصريين اذا اعادوا بناء جيشهم فسوف يحاربون المستحيل لعبور قناة السويس وخط بارليف.

فى حرب أكتوبر استطاع  المقاتل المصرى إمكانات متواضعة أن يحارب هذا المستحيل وينتصر عليه، وعلى مدار 6 سنوات - وهى مدة زمنية قليلة جدا لكى تستطيع دولة أن تعيد بناء جيشها وتحارب وتنتصر - استطاعت القوات المسلحة أن تستعيد عافيتها بصبر وقوة تحمل شعبها بل إن القوات المسلحة خاضت حربًا ضروسًا ضد العدو وهى حرب الاستنزاف، لقنت خلالها العدو دروسًا قاسية وحطمت معنوياته، وكانت عبقرية الرئيس الراحل أنور السادات الذى راهن على المقاتل المصرى، وأمن بقدراته وطاقاته وأنه خير أجناد الأرض فصنع به المستحيل، وحطم أسطورة الجيش الذى لا يقهر، وأعاد للمصريين والعرب عزتهم أمام هذا العدو الذى لا يعرف ولا يفهم سوى لغة القوة.

كانت الاستعدادات تجرى على قدم وساق، حيث تم تدريب القوات على عمليات العبور والقتال فى ظروف صعبة ومتغيرة، كما تم تطوير أساليب جديدة للهجوم والدفاع، وإعادة بناء الترسانة العسكرية المصرية بمعدات وأسلحة تتناسب مع طبيعة المهمة  ولم يقتصر الأمر على الجانب العسكرى فقط، بل شمل أيضًا الجانب النفسى والمعنوي، حيث تم تعزيز الروح القتالية للجنود من خلال التأكيد على أهمية النصر والتضحية من أجل الوطن، وفى الوقت نفسه كانت القيادة المصرية تعمل على تضليل العدو من خلال سلسلة من الخدع والمناورات التى أوحت بأن القوات ليست فى حالة استعداد للهجوم، الأمر الذى ساهم فى تعزيز عنصر المفاجأة الذى كان حاسمًا فى نجاح العبور وتحقيق النصر. 

وعندما حان الوقت المناسب، كانت القوات المصرية جاهزة تمامًا لتنفيذ الخطة بكل دقة واقتدار. وقد أثبتت الأيام التالية للهجوم أن الإعداد الجيد والتخطيط الدقيق كانا العاملين الأساسيين وراء النصر.

حرب الأسلحة المشتركة 

كان التنسيق بين القوات المصرية على الجبهة فى أعلى مستوياته، حيث خاض الجيش بأسلحته المختلفة الحرب كوحدة واحدة، تتحرك فى تناغم غير مسبوق، فالقوات المسلحة تمتلك أسلحة فى مجملها دفاعية، لكن العبقرية المصرية حولت هذه الأسلحة الدفاعية الى أسلحة هجومية وخاضت بها حربًا غيرت مجرى تاريخ المنطقة، فكان التنسيق بين القوات الجوية والبرية والبحرية عاملًا حاسمًا فى نجاح الهجوم والعبور، وفق خطة محكمة تضمن التزامن والدعم المتبادل بين القوات، اضافة الى الروح القتالية التى خاض بها الجنود حربهم المقدسة وهم صائمون، حيث واجهت القوات المصرية معارك شرسة ضد القوات الإسرائيلية، فأظهر المقاتل المصرى شجاعة وبسالة غير مسبوقة فى ظل ظروف صعبة وتحت نيران كثيفة، وكانت المعارك البرية شاهدة على الروح القتالية العالية والتضحيات الكبيرة  التى قدمها الجنود من أجل الدفاع عن أرضهم وكرامتهم.

ضربة البداية

فى تمام الساعة الثانية ظهرًا من يوم العاشر من رمضان، الموافق 6 أكتوبر 1973، عبرت القوات الجوية المصرية القناة لتوجيه ضربة جوية مفاجأة حلقت الطائرات على ارتفاعات منخفضة لتفادى الرادارات الإسرائيلية، واستهدفت المطارات ومراكز القيادة ومحطات الرادار وبطاريات الدفاع الجوى وتجمعات الدبابات والمدفعية.

وكانت الضربة الجوية تمثل تحديًا كبيرًا للقوات الجوية المصرية، حيث كان عليها تنفيذ مهمتها بدقة لضمان تحقيق أهدافها، وأظهر الطيارون المصريون شجاعة ومهارة غير مسبوقة ، حيث تمكنوا من تجاوز الدفاعات الإسرائيلية وتوجيه ضربات دقيقة أحدثت ارتباكًا كبيرًا فى صفوف العدو.

التمهيد النيرانى والعبور 

عقب الضربة الجوية، انطلقت المدفعية المصرية فى توجيه أكبر قصف نيرانى تمهيدى ضد  التحصينات الإسرائيلية ، ما وفر غطاء ناريا لعبور القوات قناة السويس، تمكن الجنود المصريون من عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف، الذى كان يُعتقد أنه لا يمكن تدميره إلا بالقنبلة الذرية، وكان عبور قناة السويس يمثل العقبة الأكبر التى تواجه القوات المصرية، ولكن بفضل التخطيط الدقيق والتدريب المكثف، تمكن الجنود من تنفيذ المهمة بنجاح وقف العالم أمامه، وأثبت حر أكتوبر المجيدة  أن الجيش الإسرائيلي  رغم عتاده وتسليحه يمكن أن يقهر ويتحطم، ما أدى إلى تغيير الصورة النمطية عن الجيوش العربية فى العالم، حيث كان هذا النصر بمثابة إعادة تعريف للقوة والقدرة العربية..

الدعم العربى 

كانت حرب أكتوبر حرب كل العرب ممثلين فى مصر، فكما كانت الحرب إعادة للصورة النمطية عن العرب كقوات مسلحة وجيوش، كانت أيضًا بيانًا عمليًا لما يمكن أن يحققه التضامن العربى للأمة العربية من انجازات وانتصارات لمختلف شعوبها، حيث مثلت المساعدات العربية الاقتصادية والعسكرية والسياسية نقطة تحول فى مسار حرب اكتوبر، ووقف العرب مصطفين خلف مصر فى حربها ضد قوات الاحتلال، الأمر الذى جعل الدول الكبرى تعيد حساباتها بدقة نتيجة الموقف العربى من الحرب، حيث أدت حرب أكتوبر إلى تغيير موازين القوى فى المنطقة وأعادت تشكيل السياسة الدولية فى الشرق الأوسط، كما أظهرت أن الإرادة السياسية والعسكرية يمكن أن تؤدى إلى تحقيق نتائج ملموسة، وأن السلام لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الاحترام المتبادل والعدالة

دروس من الحرب 

سيظل انتصار أكتوبر المجيد منهلًا للشعب المصرى وقواته المسلحة على مر السنوات، فهذه الحرب أكدت مفاهيم  من قلب الأزمات يستقى منها المصريون فى انطلاقهم نحو المستقبل، وكان أعظمها أن القوات المسلحة هى جيش الشعب والشعب المصرى لا ينفصل عن جيشه، فجيش مصر للمصريين يحمى ويصون ارضهم ومقدساتهم وأيضًا ينفذ ارادتهم، ويتطلع اليه المصريون فى تحقيق امالهم وطموحاتهم نحو المستقبل إن أهم واقوى درس يحتاجه المصريون من حرب العاشر من رمضان  المجيدة يتمثل فى انه عندما يتلاحم الشعب مع جيشه، فإن مصر تصنع المستحيل، وتستطيع ان تواجه العدو وتنتصر وتعلو إرادة المصريين وينطلقوا نحو المستقبل.

تنويع مصادر السلاح 

إن توجه مصر فى ظل حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى الى تنويع مصادر التسليح فى النهاية  يعبر عن تحرر القرار والإرادة وحرية الاختيار، وهذه استراتيجية عسكرية ناجحة تعد واحدة من أهم دروس حرب أكتوبر المجيدة وتعنى حرية الدولة فى اقامة علاقات عسكرية تلبى مصالحها وتحقق لها التوازن، وهذه مرحلة ندية تعيشها مصر وهذه استعادة كاملة للمكان والمكانة.