رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ضوء فى آخر النفق

يسأل ابنى الصغير ذو الاثنى عشر عامًا: كم يبلغ راتبك الشهرى يا أبى؟ ويضيف: هذا المقال الذى كتبته، والدراسة النقدية -دراسات فى الحقيقة- التى نشرتها، والحلقات التليفزيونية التى تتحدث فيها كل مرة لنحو ساعة الا ربعًا.. وتذاكر قبلها كما طالب يستعد لامتحان، ألم تحصل على أموال منها، بما يكفى لتلبية احتياجاتنا، وشراء أنواع الطعام التى كنت تشبعنا منها.. زمااااان، دون أن تتضرر ميزانيتك أو تشعر بأنك ستواجه هزة مالية عنيفة، كالتى تحدثنا عنها هذه الايام، كلما طالبناك بأن تعيدنا إلى سيرتنا الأولى؟ تعبنا من أطعمتك الحالية؛ فولك وعدسك، بطاطسك المهروسة، الشكشوكة، هذه الأكلات التى تلجأ اليها اكثر من مرة أسبوعيًا، متذرعًا بأن كيلو اللحم بلغ الحلقوم (٤٨٠ ج فى بعض المناطق وأكثر فى مناطق أخري) وأن «البانيه» أصبح سعره يفوق الخيال؟ «اومال يا بابا انت كاتب ازاى وصحفى من زمان (١٩٨٤-…؟)؟ هل هناك كتاب بلا أموال؟! ابنى هو ابن مجتمع يربط بين نوعية الكاتب (برلنت ولا فالصو) وتأثيره وتقديره بما فى جيبه من نقود!
انزعجت، تملصت من الإجابات بشتى الطرق، لكن رغبتى فى محاورة نفسى معه، وتمزقى من الأزمة الطاحنة التى يعيشها المجتمع -خاصة الكتاب والصحفيين- أعادتنى لمحادثته؛ هذا مجتمع لم يعد يقدر قيمة الكِتَاب والجريدة! فى عصور سابقة كان المجتهدون منا يتقاضون رواتب مالية جيدة، واغلبية المؤسسات تساعد فى الحصول على شقق وعلى أراض وتمنح بدلات وتأشيرات للحج والعمرة.. اغلب محررى وكتاب الصحف المسماة بالقومية (وهى ليست تسمية دقيقة) كانوا يتمتعون بامتيازات بالجملة تتيح لهم حياة كريمة. وكان الكتاب يكتبون الكتب وينشرونها ويتكسبون منها آلافًا مؤلفة، ويحققون نجومية هائلة، ويبيعون كتبهم قبل نشرها لصحف عربية.. ويتكسب الناشرون أيضا؛ صنعوا ثروات هائلة.. بمرور الوقت تغيرت المنظومة كليًا. افلست المؤسسات أو تكاد واستدانت، وتراجعت المهنة وتراجع الكتاب ولم تعد دور النشر تدفع للكتاب، بل يدفع الكتاب لينشروا ابداعهم، واذا اتفقوا على أجر، فإنهم يرمون لهم بضع نسخ من كتابهم!! هل يجوز للناشرين اليوم سرقة جهد وابداع المؤلفين؟
كتاب كبار بلغوا فى نهاية مشوارهم مناصب براقة اسمًا، يتقدمون -مثلي- لطلب قرض حسن من النقابة (١٠ آلاف ج فقط)! مصيبة أن تتدنى رواتب وبدلات الصحفيين، إلى حد يضطرهم لطلب القرض الحسن الضئيل!
النقابتان (الصحفيون واتحاد الكتاب) ومؤسسات الصحافة واتحاد الناشرين والحكومة مطالبون بمناقشة هذه الأوضاع المزرية!
لا استحى وانا الذى اكتب «ببلاش» منذ عام ٢٠١٨ -تاريخ عودتى من الكويت- حتى الآن، من أن اطلب عملا فأنا اكتب وأقرأ منذ السابعة صباحا وحتى منتصف الليل، مجانا، بل كنت ادفع من مالى الخاص لإقامة ثلاثة ملتقيات ثقافية شهريًا ( ملتقى الشربينى الثقافي).
حكاياتنا المأساوية يندى لها الجبين، نصرخ عساها تجد طريقها نحو المجتمع، فينتصر لحقوق ضميره الحى؛ كتابه ومبدعيه وصحفييه. وينقذ هذه الفئة المغبونة، حتى لا يظل «فجر ضمير» العصر الحديث يحترق بين أربعة جدران، يخوض معارك الوطن ضد الارهاب والفساد والتخلف والبيروقراطية والعادات والتقاليد البالية، مكسورا امام نفسه قبل اولاده. الأزمة تشتد والظلام يخيم.. الشموع المنطفئة لا تقاوم العتمة!