عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الفن بكل صوره وأنواعه يظل معبرًا عن تغيرات المجتمع وفى ذات الوقت مؤثرًا فى السلوك ومشكلًا للرأى ومحفزًا للوجدان وكأنه مرآة عاكسة نرى فيها ذواتنا وجوها وأداء ومن ثم نستطيع أن نهذب ونطور ونجمل من صورتنا الخارجية والداخلية...
لكن مع انحسار أدوار عديدة لفنون الإبداع والآداب مثل المسرح والسينما والرواية والأغنية والشعر نجد الدراما التلفزيونية هى السائدة والمتصدرة للمشهد الإبداعى والفنى والإعلامى لأسباب متعددة منها الثورة الإلكترونية والفضائية، وكذلك دخول الإعلان مجال الإعلام بل وطغيانه على الدراما وتحويل العديد من المنصات إلى شركات إعلانية تحدد ماذا يعرض وكيف يعرض، ومن هم نجوم الدراما ومن يكتب ومن يخرج وكأنها تجارة مختلفة عن فن صناعة السينما والتوزيع ونجوم الشباك الذين صاروا الآن نجوم الإعلانات ثم نجوم الدراما.. أضف إلى هذا غياب الكتاب الكبار سواء بالرحيل أو الصمت وتحويل كل من يكتب دراما إلى نظام الورش والتى ماهى إلا تمصير وتعريب واقتباس وتوليفة هندية تعجب الجمهور وتلعب على المشاعر وتركز على الغموض والإثارة والتشويق.. لهذا فإن معظم ما يقدم على الشاشة ما هو إلا روايات الحبيب والمغامرون الخمسة أجاثا كرستى فلا يخلو مسلسل من جريمة قتل وسرقة وخيانة وتستمر الحلقات فى تتابع لمعرفة النهاية، ومن يخرج على المألوف ويهرب من هذا الإطار التشويقى البوليسى يقع فى فخ الأعمال الناصعة البياض التى تقدم دراما الأسرة والعائلة بصورة مباشرة تفتقر إلى العمق والتعدد فى القصص والحبكات الرئيسية والفرعية وأيضاً التطرق إلى قضايا المجتمع والخلفية السياسية والأحداث الجارية فلا نستطيع الربط بين مجريات الأحداث وسلوك الشخصيات داخل الإطار التاريخى والمكانى والزمانى للشخصيات والصراع وهو ما يسلب الدراما أهم أبعادها وعناصرها حتى تصبح دراما حية فنية تنتهى بإنتهاء الإعلان وظهور كلمة النهاية...
فيما مضى كان عدد كبير من الأعمال الدرامية عاكسًا وكاشفًا مستشرفًا للمجتمع ومعبرًا عن هوية الوطن مثل مسلسل «ذات» لصنع الله إبراهيم وكاملة أبو ذكرى والذى حكى تاريخ وطن منذ يوليو ٥٢ حتى يناير ٢٠١١؛ ولا ننسى مسلسلات وحيد حامد ومحمد جلال عبدالقوى ويسرى الجندى ومحفوظ عبدالرحمن ومجدى صابر وصفاء عامر والعظيم أسامة أنور عكاشة والذى شغلته قضايا الوطن وصورة الحاكم متمثلة فى أعمال مثل «عصفور النار» لمحمود مرسى والتى هى محاكة لرائعة ثروت أباظة «شىء من الخوف» مع تعديلات تناسب طبيعة الدراما التليفزيونية.. على عكس ما قدمه عبدالمنعم الصاوى فى ثلاثية «الضحية والساقية والرحيل»... أما فى أعمال صفاء عامر فقد لعبت القرية وصعيد مصر دورًا رئيسيًا فى تحريك الأحداث ورسم الشخصيات التى تلتزم بالعادات والتقاليد وتتمسك بالقوة والسلطة وقواعد اللعبة السياسية كما مسلسل «مسألة مبدأ» وسطوة رجال المال وزواج السلطة مع المال وتجارة السلاح والفساد والسياسى، وكذلك مسلسل «حدائق الشيطان»، حيث الخوف من المجهول وتحكم العمدة فى المصائر والشخصيات والأحداث والقلوب... وأبدع عكاشة فى «المصراوية»، حيث نجد فى الخلفية ثورة 1919 وصراعات الملك مع الباب العالى فى أسطنبول وكيف استطاع العمدة فتح الله الحسينى تثبيت أوتاد حكمة عموديته عبر العلاقات والزواج من نسل الأتراك أو الطبقة الحاكمة ومن ابنة رجل التجارة والمال عزام بك وأيضاً الوصول للحكم بترشيح أخيه للمجالس النيابية، وهو ما يرسم  صورة الحاكم العادل الذى قد يقسو لمصلحة أهله وأسرته ورعياه!... هكذا كانت الدراما عاكسة للوطن ليس فقط حياة الحارة والعشوائيات ولا حياة الكومبوند والقصور وإنما دنيا صعيد مصر والقرية الأصلية من أجل طرح مناخ اجتماعى للعادات والتقاليد وانتقاء ما يصلح وما يجب أن يلفظه المجتمع.. ليست الدراما مجرد قضية بوليسية أمينة تستوجب نمط مكرر لقسم شرطة والظابط والمحامى والقاتل والضحية والمشتبه بهم وفى الوسط بعض المشاعر والصراعات والحكايات المكررة.
الدراما هوية وطن ومجتمع وحياة نعيشها مكبلين بالأساور متزينين بالأطواق آملين فى فجر جديد.