رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فى الماضى كنا نصف المكان الذى نعيش ونكبر ونأكل وننام، نلعب ونتصارع فيه، يسكن بعضنا إلى بعض «بالسكن» أى السكينة والراحة والأمان والشعور بالطمأنينة وفى القانون يسمى «مسكن الزوجية» أو «مسكن الوالدين» وهذا هو المفهوم والمعنى الذى أنشئت عليه المدن والحضارة الحديثة، ففى مصر كنا نعيش فى القرى فى بيوت تعيش بها الطيور والدواب والماشية مع الإنسان، ثم انتقلنا إلى حياة المدن والمنازل والبيوت، ثم جاءت إلينا نسائم الحضارة الغربية بعد حضارات إسلامية فاطمية وعثمانية فبنى الخديو إسماعيل مناطق جديدة فى وسط مصر المحروسة وعلى جزر نيلها البديع أواخر القرن التاسع عشر فظهرت العمارة الأوروبية حيث تجتمع كل طبقات المجتمع فى نسيج إنسانى اجتماعى واحد يسمح بالتبادل الفكرى والسلوكى ويعطى مساحات للجميع لتكوين علاقات تكاملية وليست علاقات طبقية خالصة، فمعظم مساكن مصر فى القرن الماضى كانت تتكون من عمارات تفتح أسفلها محلات تجارية أو حرفية وتسكن الطبقة الوسطى العليا أوالثرية إلى حد ما فى شقق ثم فى الأعلى على أسطح تلك المساكن أو العمارات نجد غرفاً مخصصة للعاملين ومن يقومون بخدمة العائلات من خدم وحراس وبهذا يكون هذا المعمار الغربى الأوروبى معبراً عن تمازج كامل بين طبقات المجتمع ومحفزاً لهم على الترقى وصعود السلم الاجتماعى مزيلاً للكثير من الفوارق بين الطبقات ومحققاً لمعنى ومفهوم السلام الاجتماعى أو الأمن ااجتماعى والاقتصادى.. ثم ظهر نوع جديد من المعمار والفكر الاستثمارى الخليجى الأمريكى الصنع إلا وهو فكرة «الكمبوند» أو «الكوبوتس» حيث مناطق نائية تشيد حولها أسوار وتوضع نقاط أمن وتفتيش داخلى وخارجى وتبنى داخلها بنايات ووحدات سكنية متنوعة أغلبها منفصلة على هيئة ڤيلا أوتوين هاوس أوتاون هاوس (هذا الوصف الأجنبى) وقليلاً من الشقق السكنية، هذا مجتمع جديد على مصر ظهر فى الثمانينات وبداية التسعينات بعد المد الخليجى والانفتاح الاقتصادى وسيطرة الفكر الأمريكى على الثقافات العربية والمصرية من خلال الاقتصاد والتعليم والسينما والفن وإذا بنا نعيش فى مجتمعات منفصلة ما بين أهل المدن القديمة والمدن الجديدة والكومبوند وما تحمله من فصل طبقى واجتماعى صارخ بين، أما أهل هذه المناطق الجديدة فهم مصنفون وفق المناطق العازلة التى يقطنونها ومدى تميز تلك المناطق وفق شدة وصرامة الأمن والأسوار التى تحيط بها واستحالة مرور أى دخيل لا ينتمى إلى تلك المناطق المتميزة والشديدة الخصوصية حتى لا تتمازج الطبقات والدماء الغالية مع رعاع وعامة المجتمع الذين يعيشون فى شقق وعمارات بالمدن القديمة حتى إن كانت فاخرة ومتميزة.. لقد تحول السكن إلى سوق كبير للعقارات الاستثمار وجنى المال والثراء السريع وصار هذا هو الفكر المسيطر حتى على الإدارة والحكومة التى تجد أن خير وسيلة للاقتصاد والتطوير هو «التطوير العقارى» وليس الإنتاج الصناعى أوالزراعى.
السكن أصبح عقارا أى لم يعد يحمل ذات المعنى والمفهوم والصفات والدلالات وإنما كل شىء ما هو إلا سلعة سواء للاستهلاك أم للاستثمار، والعقار يعنى سلعة محكومة مربوطة تم عقدها وحبسها لجنى المزيد من الأموال فى البناء والأراضى عن طريق التمويل والقروض وسلسلة من الفكر الاقتصادى الذى يهدد السلام الاجتماعى والإنسانى للأجيال الجديدة.
السكن من السكنى والعقار من الاحتجاز والفكر المعمارى الحضارى يجب أن يمزج الطبقات والمجتمعات فى نسيج إنسانى وفكرى متجانس بينما المعمار الأمريكى الحديث يفصل ذلك الفصل الطبقى الاجتماعى القريب من الفصل العنصرى بين أفراد وفئات المجتمع وهو ما يشكل خطراً داهماً على المدى القريب والبعيد.