رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ذكرى معمودية المسيح فى نهر الأردن

كنائس مصر تحتفل بعيد الغطاس المجيد

بوابة الوفد الإلكترونية

«البلابيصا».. مصابيح البهجة الفرعونية حفظها الأقباط من الاندثار

«القلقاس والقصب».. أبرز الرموز الاحتفالية فى الثيؤفانيا

القديس يوحنا المعمدان.. مُهيِّئ طريق مُخلص الأمة

أسباب تسمية هذه المناسبة بـ«عيد الظهور الإلهى»

 

دقت أجراس الكنائس القبطية الأرثوذكسية يوم الجمعة الماضى احتفالاً بمناسبة عشية عيد الغطاس المجيد، المعروف كنسياً بـ«عيد الظهور الإلهى»، وهو من أهم الفعاليات الروحية والأعياد السيدية الكبرى حسب العقيدة الأرثوذكسية التى يستهل بها الأقباط احتفالاتهم فى العام الميلادى الجديد، كما يحمل معانى روحية جليلة متعلقة بأحد أسرار الكنيسة.

وبعدما امتلأت الكنائس الأسبوع الماضى فى عيد الميلاد لإحياء أول مناسبة إيمانية وهى ذكرى مولد يسوع المسيح، وبعد 8 أيام عادة ما تحتفل الكنيسة المصرية بعيد الغطاس فى 11 طوبة حسب التقويم القبطى، ويأتى بعد احتفالها بـ«عيد الختان» الذى يمر على الأقباط بعد ميلاد السيد المسيح، وتعد أبرز وأولى الفعاليات والطقوس الإيمانية التى تتمتع بمكانة روحية خاصة لدى جميع المسيحيين بمختلف الطوائف على الرغم من اختلافات موعد احتفال كل طائفة بهذه المناسبة.

ترأس قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، مساء الجمعة الماضى، صلوات القداس الإلهى الاحتفالى بمناسبة عشية عيد الغطاس بالكاتدرائية المرقسية فى الإسكندرية بحضور رموز وأحبار الكنيسة المصرية، لإحياء ذكرى تعميد السيد المسيح على يد القديس يوحنا المعمدان فى نهر الأردن وخروج سر «المعمودية» للعالم المسيحى.

وقبل أيام من هذه المناسبة التى تحتفل بها الكنيسة المصرية اعتادت كنيسة الروم الأرثوذكس الاحتفال بـ«عيد الظهور الإلهى»، وعادة ما تجرى العادة فى كل عام بإقامة طقس تقديس المياه بعد الصلاة ثم تقدم «كعكة العام الجديد» حسب التقليد اليونانى الشهير، ويحتل الغطاس مكانة خاصة لدى الجميع وعادةً ما يقترن ببعض العادات والتقاليد القديمة المرتبطة بالطوائف.

سبب تسمية «الغطاس» بعيد الظهور الإلهى

يشتهر عيد الغطاس بعدة أسماء مختلفة مثل «الظهور الإلهى، الثيؤفانيا، أو ثيؤفانى، وإبيفانيا»، وترتبط هذه الألقاب بمعانٍ روحية ولغات متنوعة تأثرت بقصة المعمودية، وتحمل كل منها مكانة متعلقة بالإيمان المسيحى، فالاسم الأول يعكس معنى ظهور قوة الله الواحد «مثلث الأقانيم» وتأخذ عدة معانى مثل «طبيعة، ذات، كيان، شخص»، والأقنوم هو شخصية فريدة، وجميعها تعكس مفردات روحية مرتبطة بالعقيدة المسيحية تتعلق بكلمة المتجسد الذى يظهر معمداً فى نهر الأردن على يد القديس يوحنا.

وجاء هذا الاسم من ظهور الروح القدس على شكل «حمامة» كانت تستقر على كتفه حسبما ورد فى الكتب المسيحية، ولا يختلف هذا المعنى مع كلمتى «الثيؤفانيا، ثيؤفانى»، وهو تعبير لاهوتى مشهور فى العقيدة، وحسبما ورد فى الكتب الإيمانية فهو مأخوذ من اللغة اليونانية ومكون من شقين الأول «ثيؤسى» وتعنى «الله» والجزء الثانى هو «فانين» أى «يظهر».

وباعتبار هذه المناسبة التى شهدت معمودية المسيح هو ذات اليوم الذى كان فيه ظهور «الثالوث» واضحاً لذلك عرف بعيد الظهور الإلهى، أو الثيؤفانيا.

أما عن الاسم الثالث «إبيفانيا» فهى كلمة كثيرا ما تتردد عن عيد الغطاس أو الظهور الإلهى فى ذكرى المعمودية، وهى كلمة يونانية الأصل تنقسم إلى شقين؛ الأول هو «أبى» يعنى فوق، «فانيا» أى يضىء أو ظهور، وتتجسد فى معنى هذه الكلمة ظهور حلول الروح القدس على هيئة حمامة وانشقاق السماء، حسبما ورد فى بحوث الآباء عن عيد الظهور، وقد وردت كلمة «إبيفانياس» فى هذا الشكل اللغوى عن ذكرى مجىء السيد المسيح الأول وإتمامه الخلاص فداءً للأمة.

كانت للحظة عماد المسيح أثر روحى كبير فقد ظهر واضحاً لدى الجميع «الثالوث المقدس» حسب العقيدة الإيمانية، أثناء صعود المسيح من داخل نهر الأردن واقترن ذلك بالعلامة التى أعطيت ليوحنا المعمدان، مع انشقاق أو انفتاح السماء ووجود الحمامة التى استقرت على كتفه فى صورة خالدة لا يزال المسيحيون يحتفلون بها حتى اليوم، ويذكر فى كثير من المواضع المسيحية أن هذا الحدث هو تحقيق لقول إشعياء النبى فى نبوته حول تجسيد الروح القدس.

تاريخ الاحتفال بعيد الغطاس

يُعد عيد الغطاس من أقدم المناسبات الروحية هو وعيد القيامة، ويعود أول موضع ذكر فيه هذه المناسبة إلى القرن الثانى الميلادى، وفى القرن الرابع والخامس ميلادى كانت الكنائس تحتفل بعيد الظهور الإلهى لإحياء عيدى الميلاد ومعمودية المسيح بن مريم، ثم تحول فيما بعد أن تقام احتفاليتان منفصلتان والاحتفال بذكرى الميلاد وبعد أيام يتم الاحتفال بذكرى عماد المسيح.

وسنت شريعة المعمودية فى الكنيسة فيما بعد بالتغطيس لكل مسيحى، وهى ممارسة تطهيرية وترمز للتوبة وبداية الحياة المسيحية.

نهر الأردن الشاهد على سر المعمودية

كان نهر الأردن الشاهد على معمودية يسوع على يد القديس يوحنا الذى يعتبر مُربِّى المسيح وممهد طريقه، وانبعثت منها هذه المناسبة وانتشر للعالم المسيحى الاحتفال بـ«عيد الغطاس».

القديس يوحنا المعمدان.. ممهد طريق المسيح

يُعد «يوحنا المعمدان» من أبرز القديسين فى التاريخ القبطى، ويتبع نسل هارون ومن عشيرة كهنوتية وعاش فى كنف أبوين تقيين وهما زكريا الكاهن وإليصابات، بقرية عين كارم المتصلة بجنوب القدس بفلسطين، واعتبر مُهيِّئ الطريق ليسوع المسيح.

تمتع هذا القديس بشهرة روحية كبيرة على مر العصور حتى جاء عصر الإمبراطور هيرودس الرابع الذى أمر بقطع رأسه، فأخذت زوجة الإمبراطور «هيروديا» رأس القديس على صحن قديم ودفنته فى مكان بالقرب من قصر الحاكم واعتبرت هذه البقعة مقدسة تندرج فى قائمة الآثار الدينية التي قصدها الملايين.

«البرمون» صوم الأقباط قبل الغطاس

صام الأقباط اليوم الذى سبق العيد ويعرف كنسياً بـ«برمون الغطاس»، صوماً انقطاعياً والقاعدة الطقسية أن يكون البرمون يوماً واحداً أما إذا وقع العيد يوم الاثنين فيكون البرمون ثلاثة أيام، وأولها يوم الجمعة ويصام انقطاعياً للغروب، ثم يومى السبت والأحد يصامان صوماً عادياً، إذ لا يجوز فيهما الصوم الانقطاعى حسب الطقس الكنسى.

وإذا وقع العيد يوم الأحد فيكون البرمون يومين، الجمعة ويصام انقطاعياً والسبت صوماً عادياً، وتقرأ خلاله فصول يوم 10 طوبة، ويعد هذا الصوم الدرجة الأولى يستمر حتى المساء ولا يتناول فيه المأكولات البحرية وتُصلى الكنائس بالطقس السنوى المعتاد والإبصالية والطرح الذى يُطبق كل عام فى عشية البرامون.

عادات قديمة أحيتها الكنيسة

أخذ الاحتفال فى مصر عدة أوجه وتأثر بالحضارة الفرعونية وما كان يحدث فى مصر القديمة، فقد جمعت الكنيسة القبطية بين العقيدة واحتفالاتها مع العادات والتقاليد الاحتفالية فى الحضارة المصرية.

وكان الأقباط يحرصون على الاحتفال بالغطاس عند شاطئ النيل، وكثيراً ما كان يلقى أو يغطس فى مياه النيل كرمز لمعمودية السيد المسيح، ولكنه اكتسب الطابع المصرى عندما دمجت بين الطبيعة والاحتفال، ومن أبرز هذه المظاهر ما يعرف بـ«فانوس أو قنديل الغطاس» وهو عمل شعبى عبارة عن تفريغ فاكهة البرتقال ووضع داخلها الشموع وتعرف بـ«البلابيصا»، وكانت تستعمل للإنارة رمزاً لبهجة العيد وهى عادة مصرية قديمة، وكغيرها من المناسبات القبطية ارتبط هذا العيد ببعض المأكولات الموسمية مثل قصب السكر واليوسفى والبرتقال والقلقاس.

طقوس قبطية مميزة

يأخذ الاحتفال فى مصر طابعا فريدا ومذاقا خاصا، إذ عادة ما يرتبط احتفال عيدى «الميلاد والغطاس» بطقوس خاصة ويرتبطان فى طقس واحد وهو «اللقان» لا يتكرر سوى ثلاث مرات خلال العام، وتعنى فى المسيحية الاغتسال، عادة ما يقوم الأب القس برسم جبهة الرجال بعد الصلاة كرمز للاغتسال من الخطيئة، وصلاة لتبريك المياه.

«تطير المياه» بعيد الغطاس

يجد من يطلع على العادات القبطية خلال هذه المناسبة «طقس تطهير المياه» حيث يقوم الكاهن بإلقاء الصليب فى النهر ليباركه أسوة بتغطيس المسيح فى نهر الأردن.

اندرج طقس التعميد ضمن الأسرار السابعة بالكتاب المقدس وأصبح تقليداً مسيحياً يشير إلى دخول الإنسان تحت مظلة الإيمان بالمسيحية، ويؤول إلى القديس يوحنا المعمدان الفضل فى تطبيق هذا الطقس الذى انتشر وعُرف فيما بعد بـ«المعمودية» نسبةً له.

طرق احتفال مرتبطة بالحضارة الفرعونية

يرجع تفرد الكنيسة المصرية إلى تأثرها بالحضارة المصرية، ويبدو واضحاً هذا التميز فى طرق الاحتفال التى تعد بمثابة وثيقة حفاظ على العادات الفرعونية، وأخذت من النباتات والطبيعة رموزاً لها أسوة بهذه الحضارة، لذا يجد من يبحث فى طقوس الأقباط طابعا فريدا يرتبط بالطبيعة.

عادات ترمز للتوبة فى حياة الأقباط

وكثيراً ما يتناول الأقباط أطعمة خاصة بكل مناسبة وفى هذا العيد لا تخلو طاولة الطعام بالمنازل المسيحية فى مصر من «القلقاس والقصب» وعلى الرغم أنها عادة فرعونية ولكنها ذات رمز مقدس لدى الكنيسة ومعنى روحى للمعمودية، وهذا ما وصفه مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث، فى إحدى العظات والتأملات، التى تساهم فى عودة الإنسان الذى يريد التوبة إلى الله.

السبب العقائدى فى تناول القلقاس

ربط الأقباط بين نبات القلقاس وسر المعمودية من تطهير للإنسان من الخطيئة، ويرجع سبب تناوله فى الغطاس إلى احتوائه على مادة سامة ومضرة للحنجرة «وهى المادة الهلامية» إلا أن هذه المادة السامة إذا اختلطت بالماء تحولت إلى مادة نافعة، وأيضاً السبب فى آلية زراعته حيث يتم دفنه كاملاً فى الأرض.

«القصب» رمز التوبة والمعمودية

أما عن «القصب» فيُعد رمزاً للمعمودية بسبب موضعه فى الأماكن الحارة، وتشير إلى حرارة الروح التى ينمو فيها الإنسان باستقامة وهو ينقسم إلى عدة فقرات وكل فقرة تشبه الفضيلة التى يكتسبها فى حياته الروحية حتى يصل إلى العلو.

احتفالات الغطاس فى محافظات مصر

شهدت الكنائس القبطية فى مختلف الإيبارشيات بالمحافظات المصرية، يوم الجمعة، «قداس برمون» الصباحى، وفى المساء أقامت قداسات العيد واللقان، وبعض الطقوس التى تتمثل فى رفع بخور عشية، وتسبحة نصف الليل، ورفع بخور باكر، وتقديم الحمل، والإنجيل ثم العظة، وبدء طقس التناول، وختام القداس الإلهى الاحتفالى.

وترأس الآباء الكهنة فى كنيسة القديسين جوارجيوس والأنبا أنطونيوس بمصر الجديدة، وفى الكاتدرائية المرقسية التى احتضنت صلوات العيد لقداسة البابا فى الإسكندرية، وأيضاً كنيسة العذراء والبابا أثناسيوس فى دار السلام بالمعادى.

كما دقت أجراس الكنائس فى محافظات مصر احتفالا بذكرى تعميد المسيح، ومن أبرزها كانت كنيسة الشهيد مارمرقس الرسول المرقسية، إلى ترأس فيها القداس نيافة الأنبا غبريال أسقف بنى سويف، كما احتفلت مطرانية الوادى الجديد وتوابعها، وفى كنيسة القديس مار يوحنا المعمدان فى المريوطية بالهرم.

وغيرها من الكنائس التى أنارت شموعها ودقت أجراسها واحتضنت أبناءها فى صلوات القداس الإلهى الاحتفالى الذى يحتل مكانة روحية وذكرى إيمانية خاصة لدى الأقباط.