عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ما بين غزة والسودان واقع مر ومهدد خطير شرقاً وجنوباً، انشغلنا فى متابعة العدوان الغاشم على قطاع غزة، ومشاهده المؤلمة، وانغمسنا فى قياس تداعياته بعد أن ظهرت نوايا العدوان مبكراً ممثلة فى تهجير سكان القطاع وتصفية القضية الفلسطينية، ومن ثم إلقاء المزيد من الضغوط والأعباء على الدولة المصرية. لكن رغم ذلك لم نغفل قط الأشقاء فى وادى النيل فى السودان.

إذا كان الدكتور جمال حمدان قد رأى وأنا أتفق معه تماماً أن فلسطين خط الدفاع الثانى عن مصر بعد سوريا، فالسودان هى خط الدفاع الأول عن مصر جنوباً. السودان نقطة ارتكاز جيواستراتيجية تتوسط منطقتى البحر والأحمر والقرن الإفريقى بما يجعل من عدم استقراره يمثل تهديداً مباشراً لكل من وادى النيل وشرق إفريقيا، وإقليم الساحل والصحراء. إلى جانب سبع دول تمثل دول الجوار للسودان وهى منطقة بالفعل مضطربة تعانى عدم الاستقرار، وتأتى الأزمة السودانية لتضيف المزيد من المهددات فى شكل نزوح إنسانى إجبارى وتدفق للاجئين، هجرة غير شرعية، عمليات تهريب للأسلحة، والأخطر أن ذلك كله يمثل بيئة خصبة للجماعات والأفكار المتطرفة.

تعودنا فى قارتنا السمراء نتيجة وأثراً مباشراً للإرث الاستعمارى المتجذر أن الاقتتال الداخلى عادة ما يستدعى تدخلاً خارجياً سواء من الفاعلين من الدول أو الفاعلين الجدد من غير الدول كالجماعات المسلحة أو شركات الأمن على شاكلة فاجنر الروسية، الساحة السودانية وما نشهده من تطور الأوضاع ميدانياً يؤكدان ذلك كله. وإلى جانب الموقع الجيواستراتيجى للسودان الذى يجعل منه أحد مفاتيح السيطرة والتحكم فى أمن الممرات والمضايق البحرية فى البحر الأحمر والقرن الإفريقى ومن ثم التأثير فى مسار حركة التجارة العالمية؛ فالسودان أيضاً دولة غنية لديها من الثروات النفطية والزراعية والمعدنية خاصة معدنى الذهب واليورانيوم فى إقليم دارفور، ما يجعلها نقطة حساسة على وتر التنافس الدولى بين القوى الكبرى. 

تحول السودان إلى ملعب رئيسى للتنافس الدولى خاصة روسيا التى تسعى لنقل ساحة هذا التنافس من الملعب الأوكرانى إلى القارة الإفريقية؛ تسعى روسيا لتعزيز نفوذها فى إفريقيا عبر التركيز على تقديم نفسها بديلاً استراتيجياً مناسباً للنفوذ الغربى، وتحديداً الفرنسى ولنا فى انقلابات غرب إفريقيا خير نموذج ودليل. والغاية النهائية لهذا التنافس الغربى ليس فقط التنافس على القيادة العالمية لكن الأهم النفاذ والهيمنة على الثروات الإفريقية، والسودان همزة وصل رئيسية للنفاذ إلى تلك الثروات؛ فالسودان شأنها شأن غالبية دول القارة؛ أغنى دول من حيث الثروات وأفقر شعوب. 

السودان الآن بين خيارين كليهما مر؛ التقسيم الثانى أو الحرب الأهلية الشاملة والفوضى خاصة فى ضوء تصاعد وتيرة التعبئة والتعبئة المضادة القبلية والعرقية، بدأت ملامح وإرهاصات تقسيم واقعى على الأرض فى السودان، حيث يسيطر الجيش على الشرق والشمال الشرقى، بينما تسيطر قوات الدعم السريع على معظم مناطق العاصمة وغرب البلاد. يدعم ذلك السيناريو استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة ود مدنى الاستراتيجية فى ولاية الجزيرة. البرهان جعل من بورتسودان عاصمة مؤقتة للدولة وحميدتى يهدد بإعلان حكومة موازية من الخرطوم، وهو ما يرشح تكرار السيناريو الليبى فى السودان بامتياز. 

مصر بين شقى الرحى؛ شرقاً وجنوباً، بالتعريف النظرى لمفهوم الدولة، فمصر الدولة الوحيدة فى الإقليم التى لا تزال دولة وطنية موحدة تحافظ على سلامتها الوطنية فى خضم إقليم مضطرب، وهو ما يتطلب مزيداً من الوعى الوطنى، والاصطفاف الشعبى خلف القيادة الوطنية.

حفظ الله مصر، وكل عام ومصر والمصريون بخير، وأن يكون عام 2024 عاماً سعيداً مفعماً بالرخاء، وأن يحمل لمصرنا الحبيبة المزيد من الاستقرار والتقدم والازدهار.