رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على خير انتهت أيام التصويت الثلاثة داخليا فى انتخابات الرئاسة المصرية 2024، الانتخابات القوية تعنى دولة قوية؛ والدولة القوية تعنى مشاركة قوية، والمصريون أثبتوا أنهم شعب قوى، شعب يرفض الإملاءات والوصاية الخارجية، الشعب المصرى رفض كافة وجميع دعوات المقاطعة، أو ما هيئ للبعض أنه تصويت عقابى، والكل احتشد أمام المقار واللجان الانتخابية فى وعى وطنى كبير بأهمية الاصطفاف والمشاركة لمجابهة التحديات داخليا وإقليميا وخارجياً.

المشاركة الكثيفة فى انتخابات رئاسة 2024، والمرشحة لأن تكون هى الأعلى فى تاريخ الدولة المصرية بنسبة مشاركة مرشحة لأن تتجاوز حاجز الـ60%، تشير إلى دلالات مهمة تتمثل فى أن مشاركة المصريين الانتخابية تزداد كثافة كلما ارتفعت وتيرة التهديدات والتحديات المحيطة بالدولة المصرية كما حدث فى انتخابات رئاسة 2014، التى حققت نسبة مشاركة هى الأعلى حتى الآن منذ يناير 2011، بنسبة تصويت 47.45%، لذلك المشاركة الكثيفة من الشعب المصرى فى الانتخابات الرئاسية الحالية تعكس مدى  تقدير المصريين لخطورة التحديات الذى تواجه الدولة المصرية، والوعى الكبير بتلك التحديات.

ورغم أن المشاركة المرتفعة تحقق نسبة مشاركة ننتقل معها من ترتيب أدنى 10 دول من حيث المشاركة السياسية وفقا لانتخابات مجلس النواب 2020، التى شهدت نسبة حضور وتصويت 29% فقط من الهيئة الناخبة المصرية. لكن أميل لعدم حصر مكتسبات الانتخابات الرئاسية فى نسبة المشاركة التصويتية المرتفعة فقط. فالمكاسب عديدة؛ سياسياً، قانونياً، تنظيمياً وإدارياً، وعلى مستوى المدلول الشامل لمفهوم المشاركة السياسية الجامع وليس المشاركة الانتخابية فقط.

على المستوى السياسى؛ أعادت انتخابات 2024 الحيوية، وبثت الروح مجددا فى الأحزاب السياسية المصرية، سواء الأحزاب الثلاثة التى دفعت بمرشحين، أو الأحزاب الأخرى التى انخرطت فى الانتخابات بشكل أو بآخر، سواء عبر تأييد أحد المرشحين الأربعة، أو من خلال استعادة إحدى الوظائف الرئيسية للأحزاب السياسية المتمثلة فى الحشد والتعبئة والتجنيد السياسي، وأيضاً فيما يتعلق بدور الأحزاب فى عملية التنشئة السياسية ورفع مستويات الوعى والثقافة السياسية خاصة فيما يتعلق بعملية المشاركة التصويتية. وهى كلها تعود بفوائد جمة على الأحزاب السياسية المصرية التى عاد جزء كبير منها للنظر إلى أدواته ودينامياته الداخلية، قواعده الحزبية وتنظيمه، وهو ما نأمل معه أن تستمر تلك المراجعات وعمليات التحديث الحزبى لمختلف الأحزاب المصرية ما بعد الانتخابات الرئاسية لتكون مستعدة للمنافسة السياسية والانتخابية فى الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

هذا التنوع السياسى والأيديولوجى على مستوى المرشحين الحزبيين الذين استند كل منهم إلى خلفية حزبية وأيديولوجية مختلفة، مثل عامل جذب أيضا للمشاركة الانتخابية الإيجابية والفاعلة، وكان قاعدة أساس لانتخابات تنافسية وتعددية.

من المكتسبات المهمة أيضاً عودة المجتمع المدنى والأهلى مرة أخرى لملعب السياسة، والعودة لممارسة أحد أهم أدواره المجتمعية ممثلا فى عملية التنشئة السياسية، ورفع الوعى، وتحسين المدركات، وهو دور مفتقد للمجتمع المدنى والأهلى منذ سنوات عدة، كما كان الحال على مستوى الأحزاب السياسية المصرية.

على المستوى القانونى؛ بدأ الإعداد وتهيئة المناخ الانتخابى الجيد خاصة لجذب الشباب، مع الإعلان عن مد الإشراف القضائى، الشباب والمرأة كانا حصان الانتخابات الأسود، المرأة المصرية كعادتها فى قلب ومقدمة المشهد السياسى والانتخابى المصرى منذ يونيو 2013، وأثبتت أنها الفئة الأكثر وعياً بالمشاركة، الشباب كان عازفاً عن المشاركة فى البداية. لكن دولة يونيو الجمهورية الجديدة تعاملت مع الشباب على أنه شريك فى عملية صنع القرار، استحدثت أدوات جديدة لدمج الشباب فى عملية المشاركة السياسية وصنع القرار مثل منتديات الشباب الوطنية ومنتدى شباب العالم من جانب. ومن جانب آخر عملت على دعم وتعزيز قدرات الشباب المصرى وتطويرها عبر المؤسسات والبرامج المختلفة وعلى رأس ذلك الأكاديمية الوطنية للتدريب. وكلها مكتسبات أصبح الشباب المصرى أكثر وعيا بأهمية الحفاظ عليها فى الإطار العام للحفاظ على دولة مستقرة، لكن تبقى الضمانة الأهم والعنصر الأكثر جذبا للنزول والمشاركة ممثلاً فى مد الإشراف القضائى الكامل على كافة مراحل العملية الانتخابية وفقاً لنظام «قاض على كل صندوق»، وهو ما ارتبط واستقر فى الوعى والوجدان المصرى بشفافية ونزاهة العملية الانتخابية.

المادة 209 من الدستور المصرى الخاصة بتشكيل الهيئة الوطنية للانتخابات نصت على أنها مكونة من عشرة أعضاء جميعهم من القضاة، ويختارهم مجلس القضاء الأعلى، والمجالس الخاصة للجهات والهيئات القضائية المختلفة، بما يؤكد أن تشكيل الهيئة الوطنية المشرفة على الانتخابات من القضاة، وأنها هيئة مستقلة، ثم جاءت المادة 210، من الدستور والخاصة بالهيئة الوطنية للانتخابات تركت الباب مفتوحاً أمام الهيئة الوطنية وقانون الانتخابات للاستمرار فى الإشراف القضائى الكامل من عدمه بما لا يتعارض مع الدستور فى كل الأحوال سواء أكان ذلك إشرافا قضائيا كاملا أم لا، وذلك بعد انتهاء الفترة الانتقالية التى حددها الدستور بعشر سنوات، والتى كانت تنتهى فى 17 يناير المقبل.

هنا كان دور الحوار الوطنى الذى لمس كمنصة وطنية جامعة لكافة ألوان الطيف السياسى المصرى رغبة عامة لدى جميع المشاركين به حول أهمية مد الإشراف القضائى الكامل، فكانت استجابة الرئيس عبد الفتاح السيسى السريعة لمقترح مجلس أمناء الحوار الوطنى بإجراء تعديل تشريعى يسمح بالإشراف القضائى الكامل على العملية الانتخابية، بإجراء تعديل تشريعى فى قانون الهيئة الوطنية للانتخابات، وبالتحديد على نص المادة (34) بما يعنى الإشراف القضائى الكامل على العملية الانتخابية بكافة مراحلها، وهى إحدى ثمار الحوار الوطنى الناجحة، المؤسسة والمهيئة لما نشهده من مناخ انتخابى جيد، انعكس بالإيجاب وترجمه الشعب المصرى بنسب مشاركة مرتفعة. لأنه استقر فى وجدان الشعب المصرى أن الأشراف القضائى الكامل هو أحد الضمانات الرئيسية لشفافية ونزاهة العملية الانتخابية، لما للنظام القضائى المصرى ثقة واحترام كبير لدى عموم المصريين.

على المستوى التنظيمى والإدارى؛ شهدنا ولمسنا مستوى مرتفع من الكفاءة الإدارة للعملية الانتخابية، الهيئة الوطنية للانتخابات -ولها كل الشكر- مع الجهاز الإدارى المعاون عملت على توفير كل ما يلزم لتهيئة المناخ الانتخابى فى ضوء الحضور الكثيف المتوقع، خاصة فيما يتعلق بالناخبين من ذوى الهمم. 

على المستوى الديمقراطى العام؛ أرى أن انتخابات الرئاسة 2024 هى دلالة مهمة فيما يتعلق بدورية عقد الانتخابات والاستحقاقات الدستورية، وفقا للمواعيد الدستورية المقررة، والمشاركة المتعددة من مختلف القوى والأطياف السياسية؛ ترشحا، وانتخاباً، وتصويتاً هى أحد المؤشرات المهمة على التقدم فى مسار التحول الديمقراطى وجودة الديمقراطية.

لذلك؛ فإن مكتسبات وإيجابيات انتخابات الرئاسة 2024 تتجاوز مجرد فكرة المشاركة الكثيفة والاصطفاف خلف الدولة المصرية، هى فوائد ممتدة لها آثارها وانعكاساتها الإيجابية فى المستقبل القريب والبعيد. وهى محطة مهمة على مسار التطور الديمقراطى يجب استغلالها والبناء عليها للمستقبل.