رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كيف فضح جمال حمدان مخطط «غيورا إيلاند» لتوطين الفلسطينيين بسيناء منذ 30 عاما؟

جدليات الحرب والمقاومة والإرهاب وحقوق الإنسان تفضح التحيز الغربي

حمدان: حيث كان ماء النيل يروى الوادى، كان الدم المصرى يروى رمال سيناء

يومًا بعد يوم تتضح أبعاد المؤامرة، وأركان المخطط، الهدف الأول قبل تصفية القضية كانت سيناء، القيادة المصرية ومنذ اللحظات الأولى للأزمة والعدوان فى السابع من أكتوبر الماضى كانت أكثر وعياً وإدراكاً لأبعاد الأزمة ومحدداتها، وما وراء السياق. لذلك كانت التحذيرات المصرية منذ اللحظة الأولى واضحة جلية؛ رفض تام لتصفية القضية على حساب دول الجوار، منذ لقاء الرئيس بالمستشار الألمانى، ثم خطاب الرئيس التاريخى فى قمة القاهرة للسلام، وانتهاء بزيارة رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، لمدينة العريش ومعبر رفح، حيث وجه رئيس الحكومة المصرية من على أرض الفيروز المصرية رسائل واضحة لا تقبل اللبس أو التأويل لإسرائيل والعالم أجمع أن السيادة الوطنية المصرية على كامل الأرض المصرية، هى سيادة مقدسة، راسخة، خطوط حمراء لا مساس بها.   

هذه التحذيرات والتأكيدات المصرية أصبحت أكثر تشددا قيادة وشعبا مع التسريبات الخاصة بالأرض مقابل حوافز اقتصادية فى مخطط إسرائيلى قديم حديث، لتهجير أهالى غزة نحو مصر. هذا المخطط فضحته التصريحات المتواترة على منصات الإعلان الغربى، وعلى لسان قيادات دبلوماسية غربية وإسرائيلية أمريكية ــ حتى لو كانت تصريحات غير رسمية ــ ثم كانت دراسة معهد «مسغاف» الإسرائيلى لبحوث الأمن القومى وللاستراتيجية الصهيونية، التى جاءت تحت عنوان «خطة التوطين والتأهيل النهائى فى مصر لجميع سكان غزة: الجوانب الاقتصادية». والتى اعتقد كاتبها أنه يمكن إحياء المخطط الإسرائيلى القديم الخاص بتوطين سكان قطاع غزة فى سيناء كمدخل لحل القضية الفلسطينية. حيث أشار الباحث الإسرائيلى «أمير ويتمان» فى ورقته المزعومة إلى أن: «الأزمة الاقتصادية التى تمر بها مصر ستكون ورقة يمكن التعويل عليها لإقناعها بمخطط التهجير مقابل امتيازات مادية ضخمة. وأن هناك حالياً فرصة فريدة ونادرة لإخلاء قطاع غزة بالكامل بالتعاون مع الحكومة المصرية. حيث إن هناك حاجة إلى خطة فورية وواقعية ومستدامة لإعادة التوطين وإعادة التأهيل الإنسانى لجميع السكان العرب فى قطاع غزة، والتى تتوافق بشكل جيد مع المصالح الاقتصادية والجيوسياسية لإسرائيل ومصر والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وأنه يمكن تقديم حوافز اقتصادية لمصر، وهى مبالغ ضئيلة بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلى. زاعما أن استثمار بضعة مليارات من الدولارات (حتى لو كانت 20 أو 30 مليار دولار) لحل هذه القضية الصعبة هو حل مبتكر ورخيص ومستدام».

والباحث الإسرائيلى واهم، لم يقرأ التاريخ، لا يعرف مصر ولا المصريين، ولا قيمة الأرض التى هى كالشرف والعرض وبخاصة سيناء. هو رفضته كافة القيادة الوطنية المصرية القائمة على حراسة الأرض والعرض من عبد الناصر حتى السيسى، مع استثناء مندوب المحظورة فى الرئاسة الاستثنائية للجماعة وممثلها لمدة عام.

الجهل الإسرائيلى بالتاريخ واضح بشكل كبير فى إعادة إحياء مخطط التهجير القسرى والتوطين، هذا المخطط الذى فضحه وكشفه المفكر الكبير جمال حمدان منذ أكثر من 30 عاماً. وإذا كانت تحليلات جمال حمدان أضحت أقرب إلى النبوءات خاصة تلك المتعلقة بسيناء والصراع العربى الإسرائيلى فها هى نبوءات حمدان تتحقق. 

نبوءة حمدان بمخطط التهجير

فى كتابه المهم «سيناء فى الاستراتيجية والسياسة والجغرافيا» الصادر عن مكتبة مدبولى عام 1993، يكشف حمدان الأطماع الصهيونية البعيدة فى سيناء ويقول « إن أطماع الصهيونية فى سيناء قديمة قدم هرتزل ودورة القرن، حيث وصلت بعثة صهيونية لدراسة إمكانيات التوطين اليهودى بها، وقد افترضت البعثة نقل مياه النيل عبر قناة السويس إلى شمال شبه الجزيرة، خاصة منطقة العريش، للاستزراع والتوطين».

ولما فشلت مساعي التوطين الصهيونية فى سيناء، سواء بالحيلة أو بالحرب، فها هى مساع قديمة تتجدد، لكن هذه المرة بالتهجير القسرى للفلسطينيين من غزة، بالضغط والإرغام لتهجيرهم إلى سيناء وتوطينهم بها.

يستكمل الدكتور حمدان كشفه للمخطط الإسرائيلى من خلال تتبع المسلك الإسرائيلى الاستيطانى التوسعى قائلا: «لقد تعودت إسرائيل، وتعودنا للأسف (أن نقول باختصار / عودناها؟) أن تنقل الحرب فور قيامها إلى سيناء، بحيث أصبحت تلقائيا وتقليديا ملعب كرة الحرب المشترك بين العرب وإسرائيل. (لم نفكر قط فى النقب، وهو استمرار محض ومطلق، امتداد لسيناء طبيعياً، وعمرانياً. ودعك من معمور إسرائيل فتلك هى القيامة). بالتالى وفقاً لحمدان؛ على أرض سيناء يتحدد لا مصير مصر وحدها، لكن العرب معها أجمعين. لقد أصبحت سيناء بهذا المعنى أرضا عربية مثلما هى مصرية منذ الأزل؛ وبمثل ما إن مستقبل العرب «مصرى» فى نهاية المطاف.

أما عن الأراضى البديلة المقترحة وفق مخطط المؤامرة الإسرائيلى، وهى صحراء النقب؛ ذهب جمال حمدان إلى أن النقب هى «محض امتداد لسيناء. النقب هو «سيناء» فلسطين الطبيعى (أو الان سيناء إسرائيل)، وما يصلح لسيناء، عسكرياً وغير عسكرى، يصلح للنقب. من الممكن، يعنى أن يكون النقب هو ميدان معركة العرب مع العدو الإسرائيلى، دون أن تشتعل بالضرورة هستيريا العالم حول أمن إسرائيل وبقاء إسرائيل».

بهذا المعنى الذى أقره جمال حمدان؛ فصحراء النقب على أهمية استراتيجية وعسكرية كبيرة بالنسبة لإسرائيل. وبالتالى؛ ليس من السهولة بما كان أن تفرط إسرائيل فى صحراء النقب أو حتى جزء منها وفق المخطط المزعوم. إذن عرض مبادلة جزء من صحراء النقب مقابل أى مساحة من سيناء، هو خداع كبير من إسرائيل، هدفه الأول والأخير التهجير القسرى لمواطنى قطاع غزة إلى سيناء المصرية.

سيناء والأمن القومى المصرى

وفقاً لحمدان سيناء هى أهم وأخطر مفاتيح مصر الاستراتيجية؛ هنا يقول حمدان «إذا عدنا لنضع المدخل الشمالى الشرقى تحت عدسة مكبرة، فسنجد أن مثلث سيناء هو العقدة التى تلحم أفريقيا بآسيا، لذا فالمثلث الشمالى منها والذى يحده جنوباً الخط من السويس إلى رفح بالتقريب هو حلقة الوصل المباشرة بين مصر والشام». 

ويضيف حمدان: «لما كان طريق الخطر الخارجى البرى إلى مصر هو الشام أساسا، وكانت سيناء تحتل النقطة الحرجة بين ضلعى الشام ومصر حيث يكونان وحدة استراتيجية واحدة، فقد أصبحت سيناء «طريق الحرب» بالدرجة الأولى. إنها معبر أرضى، جسر استراتيجى معلق أو موطئ، عبرت عليه الجيوش منذ فجر التاريخ عشرات، وربما حرفيا مئات المرات جيئة وذهابًا ــ تحتمس الثالث وحده عبر 17 مرة ــ والواقع إن تكن مصر ذات أطول تاريخ حضارى فى العالم، فإن سيناء أطول سجل عسكرى معروف فى التاريخ تقريباً. وعلى هذا؛ فقيمة المستطيل الشمالى لسيناء والذى يقرب بين الشرق الفلسطينى والغرب المصرى، وفق حمدان، هى قيمة استراتيجية كبيرة، خارج كل مقارنة وكل حدود. حيث المستطيل الشمالى هو مركز الثقل الاستراتيجى فى كل سيناء. بموقعه، هو «مقدم» الإقليم، وبتضاريسه المعتدلة، وبموارد مياهه المعقولة، هو «الطريق» طريق الحرب كما طريق التجارة.

وبموقعه وتضاريسه معاً، كان تلقائياً، وبالضرورة ميدان المعركة، ومسرح الحرب، فى القديم كما فى العصور الحديثة وإلى يومنا هذا. ويضيف حمدان؛ إن من يسيطر على المستطيل الشمالى يتحكم أوتوماتيكيا فى المثلث الجنوبى، وبالتالى يتحكم فى سيناء كلها.

من هنا فإن سيناء أهم وأخطر مدخل لمصر على الإطلاق. على هذا المعنى أكد الدكتور جمال حمدان فى كتابه «شخصية مصر الوسيط: دراسة فى عبقرية المكان»،  إن سيناء أهم وأخطر مدخل لمصر على الإطلاق، وأنه من المهم استراتيجيا أن ندرك أن سيناء ليست مجرد فراغ، أو حتى عازل، إنها عمق، وإنذار مبكر، إنها خط الدفاع الأخير عن الدلتا ووادى النيل بعامة. وإن التجربة قد علمتنا أن مصير مصر مرتبط دائما بمصير فلسطين خصوصا، وسوريا عموما، وأن الدفاع عن مصر والقناة إنما يبدأ فى فلسطين على الأقل. وأن من يسيطر على فلسطين يهدد خط دفاع سيناء الأول.. من يسيطر على سيناء يتحكم فى خط دفاع مصر الأخير ويهدد الوادى.

هنا تبرز أهمية فلسطين الاستراتيجية والتاريخية لمصر فهى خط الدفاع الثانى عن مصر بعد سوريا، لذلك المبدأ الاستراتيجى فى الأمن القومى المصرى  وفق رؤية جمال حمدان – هو: دافع عن سيناء، دافع عن القناة، دافع عن مصر جميعاً، موقعاً وموضعاً.

الان يمكن أن نقول: دافع عن غزة وفلسطين (تحديدا مخطط التهجير)، دافع عن سيناء، ومن ثم مصر جميعاً، موقعاً وموضعاً. لذلك يعود حمدان ليؤكد «سواء أردنا أم لم نرد فإن معنى سيناء قد أصبح فى الوقت الحالى يتجاوز مصر، وأمن مصر وحياة مصر. إنها الآن حياة العرب جميعاً، ودرع العروبة من المحيط إلى الخليج، قد أصبحت منذ إسرائيل، وهى أرض المعركة العربية وميدان حرب العرب». 

«مصرية» سيناء فى مواجهة التهجير

 تاريخياً؛ كانت أولى خطوات الهجوم على سيناء، هى التشكيك فى «مصرية» سيناء، هنا يقول حمدان: كان هناك دائماً عدو ما، يشكك بطريقة ما، فى مصرية سيناء، ويطمع فيها بصورة ما، بالضم، بالسلخ، بالعزل. أو بغير ذلك. هذا التشكيك وفق حمدان بدأ مع الاستعمار الإنجليزى الذى دائما وأبدا ما كان يعلن بأن سيناء «آسيوية وسكانها آسيويون»، وبعد نكسة يونيو 67، عادت إسرائيل لتلك المزاعم بالادعاء بأن سيناء حديثة العهد والتبعية للدولة المصرية عام 1906. وحتى بعد نصر أكتوبر 1973 وكما هو الحال مع غزة الآن، ظهرت أبواق غربية تنادى بتدويل سيناء كمقترح ومدخل لحل الصراع. حيث ذهب بعض البرلمانيين الإنجليز آنذاك إلى اقتراح تدويل سيناء سواء عن طريق التأجير أو الشراء!!

هنا يؤكد الدكتور حمدان على «مصرية» سيناء الثابتة تاريخياً وجغرافياً، وأنها جزء لا يتجزأ، ولم يتجزأ قط من صميم التراب الوطنى والوطن الأب.  وأن سيناء تحمل بصمات مصر حضارة وثقافة وطابعاً وسكاناً بالقوة نفسها التى يحملها بها أى إقليم مصرى آخر. فحيث كان ماء النيل هو الذى يروى الوادى، كان الدم المصرى هو الذى يروى رمال سيناء».

التهجير.. إسرائيل استعمار سكنى

فى عمله الموسوعى «استراتيجية الاستعمار والتحرير» الصادر عام 1982، والذى يفصل فيه حمدان ويتتبع مسار الاستعمار والتحرير منذ العصور القديمة مروراً بالعصور الوُسطى وحتى قرن الاستعمار (التاسع عشر). ثم ينتقل الى عصر ثورات التحرير والانقلاب النووى، يكشف حمدان بذور وإرهاصات التحيز الغربى وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، ويفضح أيضاً المخطط الإسرائيلى القديم الحديث بتشريد الفلسطينيين إلى غزة من خلال تقديم تحليل للاحتلال الإسرائيلى الذى وصفه بأنه «استعمار سكنى». 

حيث يذهب حمدان فى هذا السياق إلى أن: إسرائيل استعمار سكنى فى المقام الأول، فلئن كانت بداياتها قد واكبت موجة الاستعمار المدارى فى القرن التاسع عشر، إلا أنها استهدفت وحققت كل مقومات استعمار المعتدلات الذى ساد فى القرنين السابع عشر والثامن عشر، وسعى إلى التوطن الدائم فى بيئات معتدلة شبه أوروبية المناخ. ولعل استعمار الجزائر كان أقرب سابقة لها تاريخياً، لكن إسرائيل تظل تمثل آخر موجة من الاستعمار السكنى الاستيطانى فى العالم كله.

حمدان يضيف؛ تتميز إسرائيل بما يجعلها حالة فريدة شاذة لا مثيل لها بين كل نماذج الاستعمار السكنى، فهى تجمع بين أسوأ ما فى هذه النماذج، ثم تضيف إليه الأسوأ منه. هى كأستراليا والولايات المتحدة انتظمت قدراً محققاً من إبادة الجنس، وهى كجنوب أفريقيا تعرف قدراً محققاً من العزل الجنسى، ولكنها تختلف عن الجميع من حيث انها طردت السكان الأصليين خارجها تماما ليتحولوا إلى لاجئين مقتلعين معلقين على حدودها. 

كما أن إسرائيل ليست عملية سرقة عادية، فقد اغتصبت الأرض وما عليها من ممتلكات، فالاستعمار الاستيطانى الإسرائيلى عملية رهيبة من نزع الملكية على مقياس شعب ووطن بأسره.

 جدلية المقاومة والإرهاب والصمت الغربى

للهروب من عار الصمت وانتقائية الأجندة الغربية المزعومة لحقوق الإنسان، يذهب الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى وصف المقاومة بالإرهاب؛ ودائما ما تستغل إسرائيل المنابر الإعلامية الغربية لجر القضية والصراع إلى منصات حقوق الإنسان، وتناوله من جانب واحد وهو الجانب الأخلاقى، حتى يتم وصم أعمال المقاومة بالإرهاب، ذلك المصطلح المفزع للغرب. لكن حتى على هذا المقياس؛ فإن الإرهاب الإسرائيلى هو أيضاً أسوأ من الإرهاب الفلسطينى المزعوم لأنه دائما وأبدا ما يهاجم ويقتل الأبرياء فى حرب غير متكافئة وصراع غير عادل على الإطلاق.

أغلب الزعماء السياسيين الغربيين، يدعون أنهم يعارضون الإرهاب بشكل قاطع، بغض النظر عن العواقب. ولكن من الواضح أن هذه ليست الحال، لأن النفاق أو العمى الأخلاقى البسيط كثيراً ما يتفوق على الرفض القاطع للإرهاب. على سبيل المثال، خلال الحرب الباردة، دعمت الولايات المتحدة بنشاط الأنظمة الدكتاتورية العسكرية فى أمريكا اللاتينية التى قامت بشكل روتينى بتعذيب وقتل الآلاف من شعوبها باسم «معاداة الشيوعية». وبالمثل، الآن، لم تكن هناك انتقادات تذكر من جانب الحكومة الأمريكية، أو لم تكن هناك انتقادات على الإطلاق، عندما استخدمت إسرائيل القوة غير الرشيدة وغير العقلانية فى عدوانها على غزة، فقد أصبحت حملة القصف الإسرائيلية على قطاع غزة واحدة من أكثر الحملات كثافة فى القرن 21 والتى أدت إلى سقوط أكثر من 7000 قتيل فلسطينى. ووفقا لـ «نيويورك تايمز»، ضرب الجيش الإسرائيلى منذ بدء الحرب حوالى 7000 هدف داخل غزة، الذى يدعى أنها ليست حملة للانتقام، بل للدفاع !!!.

هنا تثور جدلية وإشكالية الحرب العادلة، والمقاومة والإرهاب، فالعدالة والتكافؤ حتى فى الحروب والنزاعات هى شرط ضرورى بشكل واضح إذا كان من الممكن اعتبار العنف بشكل عام - والإرهاب بشكل خاص - مبررًا، أو على الأقل يمكن تخفيفه، فإنه ليس كافيًا بأى حال من الأحوال؛ وفى الفلسفة الأخلاقية للحرب العادلة، يجب استيفاء شروط أخرى.

كثيرا ما أوهمنا الغرب المتحضر بأن الإرهاب هو سلاح الضعفاء. لدى القوى (مثل الدول) بدائل يفتقر إليها الضعفاء (مثل الجماعات والحركات غير الحكومية): النفوذ الدبلوماسى والسياسى، والحوافز والمثبطات الاقتصادية، والقوات المسلحة القوية. وبالتالى، فإن هجمات الدولة على غير المقاتلين، حتى مع افتراض وجود سبب عادل، تحمل عبئًا أخلاقيًا أكبر من هجمات الفصائل والمنظمات الفلسطينية.   

لذلك؛ فالمقاومة والعنف الفلسطينى ما هو إلا رد فعل طبيعى وملاذ أخير فى مواجهة الإرهاب الإسرائيلى الذى لم يقتصر على فلسطين وحدها بل امتد للأراضى العربية فى كل من: مصر، سوريا، العراق ولبنان، وهو ما أقره الإسرائيليون أنفسهم. على سبيل المثال؛ عدد من الكتاب الإسرائيليين البارزين ونشطاء السلام والسياسيين وحتى ضباط الشاباك المتقاعدين فى نسب مثل هذا الإرهاب الفلسطينى كما حدث خلال تاريخ الصراع كرد فعل مفهوم على الاحتلال والقمع الإسرائيلى. ولم يعترف أحد سوى إيهود باراك نفسه ذات مرة قائلاً: «لو كنت فلسطينياً لانضممت إلى منظمة إرهابية». وبالمثل، أقر نسيم ليفى، وهو من قدامى المحاربين فى عمليات الشاباك لمدة 20 عاماً فى الأراضى المحتلة، قائلاً: «لو كنت فى وضعهم، لجعلت حياتنا مريرة... عندما تأخذ شخصاً وتضعه فى مواجهة الحائط وتقتله». «لا تتركوا له خيارات كثيرة، فماذا تريدون منه أن يفعل؟ هل تعتقدون أننا لو كنا فى مكانهم لم يكن لدينا انتحاريون؟».

هنا يشدد المفكر الكبير جمال حمدان على أهمية معركة الدعاية؛ حيث ذهب فى كتابه «فلسطين أولاً...إسرائيل» والذى نشر سنة 1968، إلى أنه «يتعين على الفكر العربى أن يشدد النكير فى مطاردة الدعاية الصهيونية، وأن يلعب دوره مضاعفاً فى محاصرتها وضربها، وتعريتها أمام المواطن العربى والعالمى، على السواء. فمعركة الفكر والرأى والكلمة المقاومة تمهد الطريق وتهيئ الجو أمام المعركة الكبرى الموعودة بالسلاح فى الميدان».

حمدان يضيف؛ أنه «يجب علينا أن ننمى «عقدة الذنب» عند الغرب، عما اقترفه فى حق عرب فلسطين، أضعاف عقدة الذنب الابتزازية التى فرضتها عليه الصهيونية، بحسبانه الذى أرغم الغرب على أن يدفع لليهود ثمن خطيئته هو أولاً، ثم انحيازه لهم للإبقاء على هذه الجريمة ثانياً. ولا ينبغى أن تمنح الغرب أكثر من قيمته، أو نظن أنه إذا غضبت عليك بنو أوروبا حسبت الناس كلهم غضبانا. فهم أصل الكارثة مباشرة وغير مباشرة. ودعايتنا بينهم يجدر أن تكون هجومية ــ فى رفق ودبلوماسية مع ذلك ــ أكثر قليلا مما هى الان. 

حول الدعوة إلى نظرة جديدة إلى القضية الفلسطينية

هى عنوان ودعوة نادى بها جمال حمدان عام 1968 فى كتابه «فلسطين أولاً...إسرائيل»، هذه الدعوة تجددت وأعادت طرح نفسها مع عملية «طوفان الأقصى» وما تبعها من عدوان إسرائيلى غاشم على قطاع غزة. فى تلك الدعوة التى نادى بها حمدان عام 1968، وهى دعوة أجدها مناسبة لما نعايشه من واقع الآن، حيث يدعونا حمدان إلى البحث عن منظور جديد فى قضيتنا يصطدم بكثير من الاتجاهات المتجاذبة والمتناقضات المتعارضة، لخصها حمدان فى نحو 13 تساؤلا تمثل موجز الصراع العربى الإسرائيلى منذ فجر القضية، نعيد طرحها الان، وهى:

< هل تُكسب القضية بالسلاح فى المعركة، أم بالدعاية بين الرأى العام العالمي؟.

< هى معركتنا مع إسرائيل وحدها، أم هى مع إسرائيل ومن هم وراء إسرائيل؟.

< هى نتحدث مع العالم الخارجى بلغة القوة، ام بلغة السلام كما يفعل العدو تمويهاً وخداعاً؟.

< هل نلجأ إلى التهويل فى قوة العدو وفى الخطر الكامن إلهابا للوعى العربى، أم نلجأ إلى التهوين حفاظاً على روحنا المعنوية؟.

< هل ننظر إلى القضية على أنها أخطر شيء فى حياة الأمة العربية، أم على أنها جانب جزئى فى حياتنا لا ينبغى أن نقصر حياتنا عليه كما ينصح البعض؟.

< هل عامل الوقت، فى المدى القصير والمدى الطويل، معنا أم علينا؟.

< هل المعركة معركة فلسطين والفلسطينيين، أم معركة الشعب العربي؟.

< هل الوحدة طريق إلى فلسطين، أم فلسطين هى الطريق إلى الوحدة؟.

< هل ننتظر خلا سريعاً ناجزاً، أم طويلاً ومؤجلا للقضية؟.

< هل مفتاح الحل فى الحرب النظامية، أم الشعبية؟.

< فى حالة الحرب النظامية، أهى الحرب الخاطفة الصاعقة، أم هى الممطوطة المطولة؟.

< هل أمريكا قاض يملك حل القضية، أم أنها الخصم والطرف الأساسى فى معسكر العدو؟.

< هل الحل هو الحل السياسى، أم هو الحل العسكرى؟.

الدكتور جمال حمدان وهو يطرح تلك التساؤلات، وكأنه بيننا الآن، فهل تتحقق نبوءات حمدان؟

ختاماً؛ وكما ذكر الدكتور جمال حمدان فإن انسحاب يونيو 1967، ينبغى بعد التحرير، أن يكون آخر «انسحاب» مصرى من سيناء فى التاريخ، وهو بالفعل كذلك فى ضوء ما تقوم به الدولة المصرية من تنمية وتعمير لسيناء بعد التطهير من الإرهاب. كما أن خروج إسرائيل بعد 1973، ينبغى أن يكون آخر «خروج» من مصر منذ يوسف وموسى. وهو ما يظل قائما طالما استمر الاصطفاف والالتفاف حول مشروع ٣٠ يونيو الوطنى وقيادته الوطنية، والذى هو حماية ليس فقط للأمن القومى المصرى، بل والعربى أيضا؛ لقد وجهت مصر قيادة وشعب رسالة واضحة للعالم لا تحتمل اللبس أو التأويل بالرفض التام للممارسات الإسرائيلية وأن الأمن القومى المصرى والأراضى المصرية هى خط أحمر لا تهاون أو تفريط فيه.

حفظ الله مصر.. حفظ الله الأشقاء فى فلسطين وغزة.