رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

بروفيل| الإمام أبوالوفاء الشرقاوي.. المصباح الذي يضيء للأرواح

الإمام أبوالوفاء
الإمام أبوالوفاء الشرقاوي

يمكن للموت أن يحصد الأرواح وتلك هي غلبته على الإنسان ولكنه لا يستطيع أن يُصادر تاريخ من آماتهم أو يمحو سيرتهم، وخاصة إن كانت السيرة والتاريخ فيهما من القيم والثوابت والأعمال والمواقف ما يجعل منها تبدو مثل الجبل الشامخ لا يتحرك ولا يهتز في وجه الزمن. 

 

رحل العارف بالله فضيلة الإمام أبوالوفاء الشرقاوى، عن دنيانا في مطلع الستينيات من القرن الماضي وبكته كل طوائف صعيد مصر، ولكنه لا يزال حيا بسيرته، في القلوب تشع صوفيته وفى العقول ترسخ وطنيته ونضالة. 

 

إن الذي يرصد فعاليات تلك السيرة يدهش من بقاءها بتلك المساحة فى الذاكرة الشعبية، ففي المتاجر ترى صورته تزين الجدران وفى جلسات الصوفة لا تخلو من ذكره وفى مجالس الساسة تذكر مواقفه وثوابته وبين الأقباط تذكر سماحته وبين العجائز تروى سيرته ومآثره وشجاعته ووقوفه في وجه الظلم، الشيخ الشرقاوى هو الغائب الحاضر غابت روحه النقية عنا وسيرته حاضرة في كل الأوقات.

 

تلك السيرة التي بدأت بمولده في عام 1879 ميلادية بقرية دير السعادة وهى نفسها التي سميت باسمه حاليا «دير شرقاوي»  شمال غرب نجع حمادي بمحافظة قنا.

 

 كان الإمام العارف صوفيًا نقيًا يميل إلى العزلة محاولًا إيجاد علاقة أكثر خصوصية مع خالقة تلك العلاقة الشفافة للغاية التي هي غاية المنى عند كل السالكين في هذا الدرب؛ تلك الشفافية التي تجعلك ترى ما لايراه الآخرون وتسمع ما لا يسمعونه وتجعل الروح هائمة في ملكوت الله غير مفتكرة بالأمور الدنيوية لأنها قد ارتقت إلى ماهو أعذب وأنقى.

 

 حقق شيخنا مناه وأصبحت روحه مثل نسيم الفجر متحررة ونقية وصافية أن تلك المرتبة التي وصل إليها العارف بالله الشيخ أبوالوفاء الشرقاوى جعلته يبدو كالمصباح المنير في زمن ربما كان أشد ظلمة من عتمة الليل. 

 

 ذلك النور الذي إشاعة ذلك القطب في المنطقة هو عملا خالدا لن تنساه ذاكرة الصعيد فلم يكتف ذلك القطب بالرسالة التي استكملها عن أبيه فضيلة الشيخ احمد بن الشرقاوى في الدفاع عن الدين الإسلامى ونبذ البدع والضلال في التصوف الذي كان يرى فيه إنه لا بد أن تستقى مناهجه من كتاب الله وسنة النبي محمد(ص) فنراه يؤلف رسالة رائعة في ذلك المضمون «مصباح الأرواح فى سلوك طريق الفتاح» لتكون نصيحة للذاكرين وقد طبعها مرتين في حياته لاهتمام المريدين بها. 

الإمام والحركة الوطنية المصرية

 بالتزامن أيقظ ذلك الصوفي الهمم وألهب المشاعر الوطنية فبينما كانت البلاد مكبلة بأغلال الاستعمار وأصفاده القوية التي طوقت المصريين جاء العارف بالله الشيخ أبوالوفاء الشرقاوى من ظلال الحضرة النبوية حيث كان قد قرر الإقامة بالمدينة المنورة ليحرر المنطقة من كل ذلك فإذا كانت الصوفية تحرر النفوس فأنها في ذات الوقت تدعو لمحاربة الظلم والطغيان. 

 لعب صاحب الفضيلة دورا بارزا في الكفاح ضد الاستعمار البريطاني في صعيد مصر كان هو المرجعية لكل النفوس الوطنية الثائرة ضد الاستبداد والظلم في نفس الوقت وبينما كان شيخنا يحطم الأصفاد في منطقته كان ذلك الزعيم سعد زغلول الذي تسكنه روح مصر قد تحرك منذ فترة وجيزة نحو القضية ذاتها. 

هرم مصر الشامخ سعد زغلول وذلك المصباح الذي يضيء للأرواح الشيخ الشرقاوى العالم الجليل كانا يسيران في نفس الدرب هذا يقود الأمة في الشمال والآخر يقودها في الجنوب ومعه الكثير من الوطنيين وكان لا بد من اللقاء بين القطبين. 

 زار سعد زغلول شيخنا حيث تلك الصورة الشهيرة على ظاهرة نوبيا العائمة النيلية التي حملت سعد ورفاقه إلى عواصم الصعيد سنة 1921 ، وكان اللقاء حارا بين محاربين من طراز فريد تبنيا قضية مصر للمصريين قال سعد «الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة» وكتب العارف بالله «إذا جاء نصر الله والفتح يا مصر، فما مثل هذا الفتح فتح ولا نصر». 

 جاهر العارف بالله بدعوته الوطنية نحو تحرير البلاد رغم عنفوان الموالين للوجود البريطاني في مصر وأخذ ينشد القصائد الجليلة ويحث المصريين بحضوره الطاغي،على مجابهة المستعمر. 

وخاض حروبًا ضد البدع التي كانت متفشية في عصره والتي تخلط الدين بالضلال ودعا علماء المسلمين اتخاذ موقف تجاه مجتماعتهم التي يعيشون فيها. 

أنجب الصعيد كثير من العلماء ولكن يبقى الشيخ أبوالوفاء الشرقاوى هو علامة فارقة في تاريخ الصعيد ليس كقيمة روحية صوفية فقط بل كمناضل وطني تصدى بكل جرأة للقوى الاستعمارية.

 ورغم رحيل الإمام فإنه بيننا، فالساحة الشرقاوية الرحبة تحتضن الزائرين والمصباح الذي يضيء للأرواح لا يزال يشع نورًا للطالبين.