عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ضوء فى آخر النفق

أتهيب وأنا أكتب هذه السطور.. ففى حضرة «مصر الأخرى» مهابة، تشعرك بها كتابات المفكر  نبيل عبدالفتاح. هذا التعبير هو صاحبه، ولأنه ينشغل بما لا ينشغل به الآخرون، من دراسة «التدين والثورة الرقمية وجدل الفعلى والرقمى فى تشكيل الحالة الدينية» _ وبالمناسبة هذا عنوان أحدث كتبه–إلى تذكيرنا بمقامات الكبار.. الذين هم أولياء الله الصالحين حقا. آباء التاريخ والثقافة والفنون والقضاء والعلم، الذين يمثلون مصر الحقيقية التى لمع نجمها بهم وخفت ضوؤها برحيلهم، وبغياب أمثالهم عن مواقع يملأون بها فراغ من سبقوهم. منذ زمن بعيد يعود إلى الثمانينيات أطلق أستاذنا الدكتور مراد وهبة صيحة تحذير بأننا لسنا مهددين بالخروج ليس من التاريخ فقط وإنما من  الحضارة الإنسانية كلها. مضى التحذير وكأنه لم يسمعه أحد. وما أسمعت إذ ناديت حيا.. ولكن لا حياة لمن تنادى. ومثل الثمرات التى اكتمل نضجها فوق الشجيرات أخذت فى التساقط، حتى كادت تصبح جرداء.. عارية حتى من الأوراق الخضراء.. أفقنا على التصحر الحالى الذى نعيشه.

فى كتابه الأخير -الذى سأروى قصة صدوره لاحقًا–«التدين والثورة الرقمية،جدل الفعلى والرقمى فى تشكيل الحالة الدينية» فإن  نبيل عبدالفتاح يكتب إهداء غريبا يشبه الاعتراف يذكرنى بكلمات د. وهبة: «إلى زمنى الضائع بلا «نوستالجيا» ولا أسف ولا أسى، وإلى عالم ما بعد الإنسان وتطوراته المذهلة، والأمل فى حياة كونية عادلة ومتوازنة، وإلى أجيال الحياة فى عالم الروبوتات، تذكرونا.. حاولنا مع غيرنا أن ندفع مصر وعالمنا العربى نحو التقدم، لكن وأسفاه! خارج التاريخ! إهداء مُبْكٍ ودامع لمن يقرؤه، لكنه شديد وقوى وجريء من كاتبه.  

في  الاحتفال بمئوية ميلاده ذكرنا الكاتب الكبير عبدالله السناوى بما قاله الأستاذ هيكل عن مصر فى مسألة الخروج من التاريخ.. يقول الأستاذ: اول ما يتوجب علينا أن نعرف الحقيقة ونواجه تحدياتها ونجد حلولا لأزمات الوجودية التى تعترضنا «مصر لم تعد كما عرفتها، ملامحها تغيرت. «التجريف الذى حصل فى مصر والقحط الذى نال من الأفكار والبشر والطموحات أوصلنا بعد سنين طويلة من النهضة واليقظة لسؤال الوجود نكون أو لا نكون. يقول السناوى فى مقال له إن سؤال الأستاذ لم يجد إجابة وانكفأ المثقفون بعد الدور الكبير الذى لعبوه فى التمهيد لـ (٣٠)يونيو بأثر الخيارات التى اتبعت، وعلى قناة سى بى سى تصاعد منسوب قلق الأستاذ، فكان أن سمعنا منه نفس تحذير مراد وهبة عن الخروج من التاريخ.

من مراد وهبة وصولا إلى نبيل عبدالفتاح، فإنه  صاغها كالقذيفة: نحن واأسفاه خارج التاريخ.

فى سلسلة بدأها منذ عامين تقريبا، عندما لمح نبيل عبدالفتاح العجب العجاب فى مجتمعنا، راح يذكرنا  بمصر البازغة الضوء المشرقة التاريخ والحضارة.. مصر الأدب والفن والموسيقى والغناء والعلوم.. مصر طه حسين وسيد درويش ومشرفة والأخوين وانلي  والتابعى وفؤاد مرسى..  إلى آخر الراحلين العظماء. يفسر حديثه عن مصر الأخرى وتحيته لهؤلاء بأنهم « لم يطلبوا شيئا من أحد وظلوا بعيدين عن صخب السلطة وعملائها ومضوا كل فيما يعمل مستقلا، معسورين ومرضى ولم يستكينوا وظلوا رمزا على بلاد لم تهتم بهم هم، وهذا هو الرمز والرسالة».. يتبع.