رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خيمت غيوم التوتر والانقسام على سماء نيودلهى التى استضافت قمة العشرين بغياب مفاجئ للتنين الصينى، فى رسالة واضحة لمن يهمه الأمر وأيضا اختفاء قسرى لقيصر الكرملين المدرج على قوائم الترقب، فكانت الأجواء بروتوكولية باهتة خالية من الزخم السياسى أو الاهتمام الإعلامى؛ لذلك شعرت واشنطن بالحرج بسبب إهانة الكبرياء الوطنى لحليفتها الكبيرة التى تطمح فى خطف مركز مصنع العالم من جارتها اللدود، فقررت أن تحتال لها بإخراج لعبة مبهرة من جراب الحاوى عبارة عن مشروع ضخم خيالى للربط بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط وصفه «جو النائم» بالصفقة الكبرى التى تحوى فرصا لا حصر لها ستسهم فى جعل الشرق الأوسط أكثر استقرارًا وازدهارًا، ولسوف يغير قواعد اللعبة، وهو ما يتضح من ردة فعل نتنياهو الذى تباهى بأنه أكبر مشروع تعاون فى تاريخ إسرائيل!

فكرة المشروع ببساطة هى خلق ممرات تجارية جديدة أكثر فعالية تعزز مرونة سلاسل التوريد، بتشييد بنى تحتية ضخمة تحتاج إلى عقود وأموال طائلة لربط الموانئ الهندية بجبل على حيث تفرغ حمولتها ثم نقلها على مئات قطارات السكك الحديدية بطول 2600 كيلو فى صحارى قاحلة إلى ميناء حيفا، لتفريغها وشحنها مرة ثانية إلى الموانئ الأوروبية! إلى جانب خطوط متقدمة لنقل الكهرباء والهيدروجين الأخضر، وكابلات فائقة السرعة لنقل البيانات.

الحقيقة أن هذا النصب الأمريكى الإسرائيلى الصرف يهدف إلى ضرب مبادرة الحزام والطريق فى مقتل حتى يجهض الطموح الصينى فى مهده قبل أن يتبوأ صدارة الاقتصاد العالمى رسميًا، والأهم إقليميًا فبركة حلم هوليوودى فانتازى لتحفيز التطبيع بين إسرائيل وباقى دول الخليج الغنية، والذى من شأنه تغيير المعادلة كليًا، وهذا يصب فى مصلحة الهيمنة الأمريكية على المنطقة وبالتأكيد سيقوى من حظوظ بايدن فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، إذًا هى صفقة انتخابية لا أكثر، فلا توجد إشارات ملموسة تؤكد جدية تنفيذه، فلم توضع جداول زمنية محددة، ولا تكلفة إجمالية، أو حتى مصادر تمويل موثوقة، ناهيك عن ضبابية جدواه الاقتصادية. 

هذا المشروع ليس الأول ولن يكون الأخير، فهنالك 12 مشروعا عالميا تحاول منافسة قناة السويس التى يبلغ حجم البضائع التى تمر عبرها 1400 مليون طن سنوياً، بما يمثل 12% من حركة التجارة الدولية، 30% منها تجارة حاويات و5% للنفط الخام و10% منتجات بترولية، و8% للغاز المسال..

لقد سبقت الرؤية المصرية الجميع وقامت بربط ميناء  السخنة أبعد نقطة على البحر الأحمر، بميناء الإسكندرية وهى أبعد نقطة على المتوسط، وهو الأقرب إلى الأسواق الأوروبية، بقطار فائق السرعة طوله 350 كيلومترا، أقل تكلفة، وأكثر جودة وأمانا، ثم طورت بديلا عبقريا وهو ميناء العريش الجديد، الذى وصفه الإعلام العبرى بالمنافس الخطير للموانئ الإسرائيلية؛ نظرا لموقعه المتميز وجاهزيته للقيام بدور حيوى فى حركة النقل العربى، كما أنه عامل جذب مكمل للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

بعيدا عن العواطف الشوفينية وترجيحا لمبدأ النقد الموضوعى، مجرد التدقيق للحظات فى هذه القياسات الرقمية كفيل بدحض هذا الهراء الذى يهدف إلى ممارسة ضغوط رهيبة على استقلال القرار الوطنى، لاسيما وأن الانتخابات الرئاسية على الأبواب، فبعد أن كشف الصديق قبل العدو عن نواياهم البراجماتية آمل أن يدرك جهابذة خبراء المقاهى أن مشروعات البنية الأساسية ليست ترفًا، بل هى فرض عين، حتى وإن كان ثمنها غلاء المعيشة لأننا فى عالم لم يعد يحفل بأنين  الضعفاء.