رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أﻳﺎدٍ ﻣﺠﻬﻮﻟﺔ ﺗﻐﺘﺎل ﺗﺮاث اﻟﻮﻃﻦ

من"المجمع العلمى "إلي"مبني الأوقاف"

بوابة الوفد الإلكترونية

 

 

جاء وقع الخبر ثقيلا، فما بين غاضب ومتحسر وحزين بدت ردود الأفعال، هكذا استقبل المجتمع نبأ حريق مبنى وزارة الأوقاف بالقاهرة مطلع هذا الشهر، ولمن لا يعرف القيمة التاريخية لذلك المبنى، فهو يعد تحفة معمارية تنتمى إلى طراز «نيو مملوك»، ويعود تاريخ إنشاء وزارة الأوقاف لعام 1835، حين أمر محمد على باشا والى مصر بتأسيسها تحت اسم ديوان الأوقاف العمومى، وافتتحه الخديو توفيق عام 1899، وقد جرى توسعة المبنى ببناء ملحق به فى 1912، وإضافة بناء ملحق آخر فى عام 1929، وثالث بعد هدم منزلين مجاورين فى عام 1936. 

وقد أعاد حادث احتراقه للأذهان مشاهد أخرى مماثلة، لمبان ومعالم تراثية وتاريخية، أتت النيران عليها تماما، أو أفقدتها جزءا مهمًا من قيمتها التراثية، وليس إبريل ببعيد، ذلك الشهر الذى احترقت فيه كنيسة العذراء التاريخية، ورئيس الملائكة ميخائيل والشهيد أبى سيفين والقديس الأنبا كاراس بمدينة ديروط بمحافظة أسيوط، والذى أودى بالكنيسة التراثية كاملة، بل من ذا ينسى حريق شركة مصر للصوت والضوء والسينما بالهرم، عام ٢٠١٦، والذى التهم أقدم استوديو تصوير فى مصر، وهو استوديو النحاس الذى يحوى أقدم بلاتوهات وديكورات تعود إلى 100 سنة ماضية.

احتراق قصر ثقافة بنى سويف، وسرقة المجمع العلمى، فى أحداث الفوضى التى أعقبت ثورة يناير، وما وصل إليه قصر المسافرخانة من حالة تردٍ وإهمال، عقب ذلك الحريق الهائل الذى أتى عليه عام ١٩٩٨، ويقع قصر المسافر خانة بين درب المسمط ودرب الطبلاوى فى حى الجمالية، بناه محمود محرم الفيومى أحد كبار تجار القاهرة سنة 1203هـ 1789م، وشيد بجواره مسجدًا  على رأس درب المسمط، ووقف عليه أوقافًا، وبدأ فى تشييد هذا القصر سنة 1779م وانتهى منه سنة 1789م، وكان القصر غنيا بزخارفه وعناصره المعمارية، والقسم الأول منه بناه فى عام 1779، والثانى عام 1783م. ويعد القصر من أجمل دور القاهرة فى القرن الثامن عشر، ويحمل القصر الكثير من النماذج الفنية والمعمارية المبهرة من أرابيسك ورخام وفسيفساء وزجاج ملون بشكل يتسق مع ارتفاعه الكبير الذى كان يبلغ 22م، كما كان يحتوى على أكبر مشربية من الطراز الإسلامى على مستوى العالم. 

وقام شاه بندر التجار محمود محرم بإهداء القصر إلى إبراهيم باشا الذى أهداه إلى ابنته الأميرة فاطمة والدة الخديو إسماعيل الذى ولد فى هذا القصر وتحديدًا فى القاعة القبلية بالطابق العلوى منه.

تلك الحوادث وغيرها الكثير من كوارث أصابت معالمنا التراثية، وتركتنا نصارع أسئلة ملحة؛ إلى متى سنظل نعانى تلك الظاهرة المؤسفة دون أن يكون هناك حل حاسم، وماذا ننتظر حتى نمتلك خطة تأمين وسلامة كاملة للحفاظ على التراث الثقافى والتاريخى من مخاطر قد تتهدده؟

لماذا لا يطبق نظام عام لحماية التراث من السرقة والاقتحام، وتوافر أنظمة الكشف عن الحريق والغازات السامة والخطرة؟

أو ليس ما يحدث عامل تعطيل خطيرًا لخطة الدولة لتطوير القاهرة التاريخية، والحد من نتائجها؟ 

أليس التراث الثقافى والتاريخى جزءًا أصيلا من الهوية الوطنية والإنسانية، وإذا ما تم فقده فإننا حينئذ نفقد قيمة تلك الهوية؛ مما ينسحب بدوره على صفة الاستدامة التى يجب أن تتمتع بها الموارد الثقافية والتاريخية؟ 

على أنه ورغم ذلك القصور الواضح فى عوامل الحماية والأمان للتراث، إلا أن هناك مجموعة من القوانين والتشريعات التى تضمن حماية الأثر سواء من التعدى بالسرقة أو الإضرار أو التشويه أو الهدم، إلا أن تلك التشريعات لم تتطرق بشكل مباشر لما قد يصيب الأثر والتراث من كوارث كالحريق، فهى ليست كافية لتضعنا أمام حلول حاسمة لتلك الأزمة، فهى تحتاج حتما لقرارات عاجلة، لذا فقد حملنا أسئلتنا تلك وتوجهنا بها لأهل الذكر حتى نعلم ما غفل عنا... 

بداية يوضح الدكتور حسين عبدالبصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الاسكندرية، أن لجنة إدارة الأزمات تختص بالمحافظة على المبانى التى تصنف أثرا، وليست المبانى التراثية، فليس كل تراث قد سجل أثرا.

مؤكدا أن تلك الظاهرة تعد أمرا مؤسفا، فنتيجة لتلافى وسائل الأمان أو ندرتها، نجد أنفسنا نفقد أثرا أو تراثا كل فترة، ولا يمكن تعويضه أو إعادته لما كان عليه.

وعما يمكن توفره من حلول، يقول عبدالبصير إنه لابد من تشكيل لجنة تضم خبراء على مستوى عال من وزارة الثقافة والآثار، تكون مهمتهم سن قوانين ملزمة، ووضع خطة واضحة لإنقاذ المبانى التراثية والأثرية.

مستطردا: فهناك أماكن تتوافر بها عناصر حماية من الكوارث والحرائق، وأماكن أخرى تفتقد لتلك الوسائل، مما يجعل الأخيرة عرضة للخطورة.

مختتما بأن الأمر يحتاج لمراجعة دورية لوسائل الحماية فى المبانى التراثية والأثرية، حتى لا نقع ضحايا مفاجأة الكوارث ونقف مكتوفى الأيدى أمام تراث أمتنا وهو يضيع أمام أعيننا واحدا تلو الآخر.

فيما يحدثنا محمد مندور، الباحث فى التراث ومستشار وزير الثقافة الأسبق، عن أهم الحلول قائلا:

نحن فى مصر نفتقد لثقافة الصيانة، مما يتسبب فى كثير من الكوارث المفاجئة، وذلك على العكس من بلدان أوربا، ففى باريس مثلا هناك شركات تتابع الصيانة بشكل دورى دون أن يكون هناك شكوى؛ حتى يقلل من معدل حدوث المخاطر لأى مبنى، فيجب أن تكون هناك خطة صيانة دورية كل ثلاثة شهور مثلا وذلك درءا للمخاطر التى قد تحدث لإزالة فترة بقاء المبانى، فهناك مبان يعود عمرها لمائة عام تحتاج لصيانة بشكل فعال ودورى حتى يطول عمرها. 

هناك أيضا مفهوم جديد للتعامل مع المبانى التاريخية، 

فالعالم كله يتعامل مع المبانى التاريخية ليس فقط باعتبارها مزارات، ولكن يتم إعادة توظيف كل مبنى حسب طبيعته، وبالتالى يجب إعادة قراءة كل مبنى تاريخى وتراثى بمصر، ومعرفة كيفية الحفاظ عليه وتوظيفه بما لا يهدد بقاءه.