رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أهم أهداف الحداثة هو رفاهية شعوبها بتيسير كل سبل الحياة المخملية، وجعلها متاحة ومتوفرة بأسعار رخيصة. وهو ما تحقق خلال الثلاثة عقود الماضية بعدما فرضت واشنطن سطوتها على البلاد والعباد بعد نهاية الحرب الباردة، وأصبحنا نرزح تحت عالم أحادى القطبية، اتخذ العولمة أداة لسيطرة الشركات عابرة القارات على كل مناحى الحياة، ومحت بجرة قلم كل العوائق والحدود المصطنعة أمام التجارة الدولية وصارت تتحكم فى كل مفاصلها، وكتبت بمداد من دم الفقراء «شريعة اليانكيز» الذى استولى على ثرواتهم من المواد الخام بثمن بخس، ونقل ونشر مصانعه فى أماكن حيوية مختارة بعناية للاستفادة من الأيدى العاملة الماهرة والرخيصة، يكدحون بالسخرة كعبيد مناكيد لدى مجتمعات تحتقرهم وتلفظهم إذا قرروا الفرار إليها من جحيم شظف العيش فى دولهم التعيسة.

لكن دوام الحال من المحال، فقد هبت رياح التغيير بما لا تشتهى سفن العم سام وشركاه، فقد انتهى عصر رفاهية الوفرة الذى نعاه إلى مثواه الأخير مسيو ماكرون بعدما صارح شعبه بالحقيقة المرة، وأن على الفرنسيين التأقلم مع الظروف الصعبة ولابد من تقديم تضحيات كبيرة.

وأعتقد عاجلًا او آجلا أنه سيحذو حذوه باقى السياسيين الغربيين لأن لا أحد يمكنه حجب شعاع الشمس، لاسيما وأن الواقع الاقتصادى شهد تغيرًا جزئيا بعد تفشى وباء كوفيد-19 الذى أجبر الكوكب على إغلاق طويل الأمد استتبعه خلل كبير فى سلاسل الإمداد والتوريد، بعدما تضاعفت مخاطر الشحن والتأمين، ثم زاد الطين بلة جملة من الصراعات الجيوسياسية العبثية فى لحظة فارقة يئن من وطأتها الأغنياء قبل الفقراء بعد الارتفاع الجنونى فى أسعار الطاقة والحبوب… الخ، فكانت بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير، فسياسة العقوبات الاقتصادية الفاشلة بغية تركيع الدب الروسى انعكس تأثيرها الفظيع على نسب التضخم العالمى وسقط المؤشر الأمريكى إلى عمق 6.6%، وهذه أسرع وتيرة للتضخم منذ عام 1982. ويراقب الفيدرالى الموقف الحرج عن كثب، واللافت للنظر تصريح رئيسه جيروم باول الشهر الماضى، عندما سئل عن ضبابية الوضع الحالى، فقال «سيكون بالتأكيد عالمًا مختلفا، قد يكون فيه تضخم أعلى، وربما إنتاجية أقل، وسلاسل توريد أكثر مرونة وقوة».

يتوقع بعض المحللين استمرار الزيادات السريعة فى الأسعار، وبات سؤال الساعة هو ما إذا كانت هذه الزيادات ستستمر؟ وترتبط الإجابة بما إذا كان التحول عن العولمة سيترسخ أم لا. وهو ما أشار إليه مقال مهم نشرته نيويورك تايمز للكاتبتين جينا سمياليك وآنا سوانسون تحذران فيه من مغبة الوضع الحالى الذى يزداد تعقيدًا، لاسيما مع غضب العمال الأمريكيين من هروب الوظائف عبر المحيط ليلتقط ترامب طرف الخيط ويستغل بحسه الانتهازى هذا التململ فى وضع سياسات شعبوية شعارها جذاب «أمريكا أولا»، ليشن حربا تجارية شعواء بفرض رسوم جمركية باهظة عجلت بعودة وحدات الإنتاج إلى ديترويت وهيوستن، وبالطبع لقى ذلك استحسانا واسعًا مما سيسرع من وتيرة انهيار نظام العولمة المستقر منذ عقود.

للأسف كرة الثلج تكبر كل يوم، فالعالم ينتقل إلى عصر اقتصادى جديد يقاسى ارتفاع تضخم رهيب يصاحبه تغييرات مفاجئة فى التكامل الاقتصادى العالمى مع تزايد مخزون القلق بشأن تغير المناخ؛ لذا من الصعب التنبؤ بأى شيء فى الوقت الحالى. وعلى الله قصد السبيل.