رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

إذا دخل الحب فى أى شيء بالحياة زينه وأخفى ما به من عوار أو تشوهات، وإذا دخل فى كتابة التاريخ، أفسده وزيفه وكان تدليسًا وكارثة للأجيال، ومن العبث أن تتم كتابة التاريخ لحقبة زمنية لا يزال حاكمها أو زعيمها موجودًا فى سدة الحكم، فالحاكم أو الزعيم يشكل غالبًا المحور الأول لمكونات تفاصيل وأحداث هذا التاريخ، والتاريخ الحقيقى يبدأ عندما تنتهى السياسة، أى تنتهى تلك المرحلة، ويتم التخلص والتجرد من الـتأثر الشخصى بها، كما أن هناك فارقًا هائلًا بين كتابة التاريخ وكتابة موضوعات أو تقارير سياسة، التأريخ لا يجب أن يخضع للهوى، ولا أن يجافى الحياد والموضوعية، ولا يجب أن يوجه أو تتدخل به ثقافة المؤرخ واتجاهاته السياسية والفكرية، أو منفعته الشخصية.

وللأسف نجد العرابين ممن قربهم حاكم بعينه، وقلدهم المناصب، ومكنهم فى مفاصل الدولة، أو منحهم امتيازات ما، هم من يتوشحون لاحقًا أو فى نفس العهد حتى بعباءة المؤرخ، دونما أى موضوعية أو حياد، وهو ما يعتبر تزويرًا مفضوحًا للتاريخ الذى يجب أن يقوم على كتابته وتسجيله من يفهمون أصول الـتأريخ عن حق، بعيدًا عن التبعية أو الحزبية والهوى، ليؤرخوا بحياد، لأن هذا التاريخ المشبوه للأسف يعتبر بمرور الزمن وثائق ومراجع، تعتمد عليها أجيال وأجيال فى ثقافتهم، أبحاثهم، دراساتهم، وتتشكل معها أفكارهم وتصوراتهم عن الماضى ومن ثم الحاضر والمستقبل.

ومؤسف أن أجد من يعتبر نفسه مؤرخًا، حين يعتمد فى تقييمه التاريخى لحقبة ما على تصريحات، مواقف إنسانية، مناظرات قام بها زعيم أو رئيس الدولة فى تلك الفترة، وما أيسر التنظير، خاصة ممن يلعبون السياسة، وما أبرع لعب الأدوار الإنسانية والتوشح بعباءتها، فيما تخفى نفس العباءة سياسات يطبقها أى حاكم شمولى من القمع ومصادرة الحريات وسجن أصحاب الفكر والرأى الحر من المعارضين، ويتجاهل هذا المؤرخ أو من يصنف نفسه على أنه مؤرخ فى مجمل تقييمه الواقع الذى عاشه الشعب فى تلك الحقبة من جميع النواحى، ساسيًا، عسكريًا، اقتصاديًا، اجتماعيًا، بل نجده يستشهد بشهادة بعض الأفراد من المقربين لهذا الرئيس لذكر مآثره، شهامته، رغم أن لا المواقف الإنسانية، ولا الشهادات الفردية هى الأساس لكتابة التاريخ، لأنها تعد تعمدًا واضحًا لإخفاء الإخفاقات والانتكاسات وتشويه الحقائق التى اتسمت بها تلك الحقبة كتابة التاريخ شيء، وكتابة الأحداث الإنسانية أو حتى السياسية شيء آخر تمامًا.

وليس من الإنصاف حين يؤرخ المؤرخ أن يقارن بين حدث هنا، وبين ما يحدث هناك، بمعنى أدق لو أراد مؤرخ توثيق حالة الديمقراطية الليبرالية فى عهد الرئيس عبدالناصر على سبيل المثال أو فى عهد الرئيس السادات، ليس حيادًا أن يقارن بين الديمقراطية فى مصر فى تلك الفترة، وبين معاناة شعوب أخرى من افتقاد لهذه الديمقراطية، التاريخ ليس عقدًا للمقارنات بين حالة وحالة، لإبراز الأفضل والأسوأ، فهذا تزوير وتشويه للوعى وتدمير للتاريخ، التاريخ يعنى تقييم الحالة بصورة مجردة وشاملة بكل ما بها وما عليها.

المؤرخ يجب أن يكون حياديًا، لديه قدرة على إعادة بناء صور الأحداث التى وقعت فى الفترة التى يؤرخها، أن تكون الفرصة متاحة أمامه للاطلاع على وثائق الدولة فى تلك الفترة، وفرصة الاطلاع على شهادات ومذكرات السياسيين المعاصرين لتلك الفترة من جميع الأطراف، المؤيدة والمعارضة، فى الداخل والخارج، ألا يتجاهل أحداثًا، وألا يضفى بخياله وتصوراته إضافات على الأحداث، أن يكون متمتعًا بالقدرة على تقصى المادة التاريخية التى يسجلها من عدة مصادر، ويصنفها دون أن يدلى بدلوه ولا رأيه فيها، بل يكون أمينًا موضوعيًا، لا يجامل، ولا يخاف ذكر الحقيقة تحت أى سبب، فما أبشع التدليس لإفساد حقائق التاريخ.. وللحديث بقية.

[email protected]