رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خطر على الماء والغذاء فى الدول النامية:

التغيرات المناخية.. صراع الأغنياء يدفع ثمنه الفقراء

جفاف المحاصيل الزراعية
جفاف المحاصيل الزراعية يهدد بنقص الغذاء

التكنولوجيا الخضراء روشتة علاج تقلبات البيئة

 

أصبحت التغيرات المناخية مسألة حياة أو موت، فلم يعد تأثيرها مرتبطا بحالة الطقس، ولكنه انعكس على المحاصيل الزراعية وحياة الكائنات الحية ومنها الإنسان بالطبع، بالإضافة إلى تأثيرها على العديد من المدن حول العالم التى أصبحت معرضة للغرق.

وفى محاولة لمواجهة مخاطر الظاهرة، عقدت دول العالم مؤتمرات دولية للتباحث حول تأثير هذه التغيرات المناخية وكيفية الحد من تداعياتها، وأكد الخبراء أن «الطبيعة توجه إنذاراً شديداً لنا»، فالظواهر الجوية الحالية تنذر بمستقبل كارثى مشيرين إلى أنه «إذا لم نعمل على خفض الانبعاثات ستصبح تلك الظواهر الجوية أكثر عنفاً، وربما تؤدى إلى تأثير سلبى على كل جوانب الحياة من تدمير للبنية التحتية وخفض إنتاجية المحاصيل الزراعية، وبالتالى تصاعد خطر الأمن الغذائى والاقتصاد خاصة على الدول التى ليس لها يد فى تلك التغيرات مثل الدول النامية ومنها مصر».

هذا الملف يرصد ظاهرة التغيرات المناخية التى تنذر بمخاطر كارثية على الكرة الأرضية، خاصة فى الدول الفقيرة التى تدفع فاتورة تخريب الدول الصناعية الغنية للبيئة منذ عقود طويلة.

تُحد من الهدر فى الموارد الطبيعية

 

التكنولوجيا الخضراء.. «سلاح عالمى» لمواجهة تقلبات الطقس

تأثيرات مفجعة بات يعانى منها الملايين، بسبب كوارث الطقس الشديد الناتجة من تغير المناخ، والذى بدأ من الجفاف فى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وصولًا إلى الأعاصير المدارية المدمرة التى تكتسح جنوب شرق آسيا، والكاريبى والمحيط الهادى، فضلًا عما سببته درجات الحرارة الشديدة فى موجات حر قاتلة بأوروبا، وحرائق الغابات فى الجزائر وكرواتيا، إضافة إلى وجود فيضانات شديدة فى باكستان، بينما ترك الجفاف الشديد فى مدغشقر مليون شخص أمام فرص محدودة جدًا للحصول على غذاء كافٍ.

محمد محسن رمضان

الخبير البيئى محمد محسن رمضان، مستشار مركز المعلومات والتحول الرقمى، وضع عدة حلول للمواجهة، موضحاً أن التكنولوجيا البيئية تعد تطبيقًا هاما لمراقبة البيئة والموارد الطبيعية وصيانتها والحفاظ عليها، وكبح الآثار السلبية للمشاركة البشرية، وأوضح أن الأضرار التى لحقت بالطقس دفعت العديد من العلماء والسياسيين إلى المطالبة بثورة تكنولوجية جديدة للحد من التغيرات المناخية، حيث تعتبر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من الأساسيات فى مجال مراقبة تغير المناخ والتخفيف من آثاره والتكيف معه، مثل نظام الإنذار المبكر والتطبيقات الذكية فى عدة مجالات منها إدارة الطاقة والمخلفات والمياه للحد من بصمة الكربون ومواجهة التحديات البيئية.

وأضاف «رمضان» أن هذه التكنولوجيا تساعد على تحسين جودة حياة البشر، وتقلل الهدر فى الموارد الطبيعية، وذلك من خلال استخدام نظم الذكاء الاصطناعى القادرة على التنبؤ بالحرائق والكوارث الطبيعية، ونظم إنترنت الأشياء التى تُستخدم فى تحسين إدارة الموارد وتقليل الهدر فى الطاقة، وتبنى نماذج المدن الذكية القادرة على خلق مجتمعات أكثر استدامة وحفاظاً على البيئة.

وأشار خبير تكنولوجيا المعلومات، إلى أن ظاهرة الاحتباس الحرارى من التحديات الكبرى التى تواجه المدن وتساهم التقنيات الذكية فى التغلب عليها، بالاستفادة من الحلول التكنولوجية التى تقدمها، مثل توفير معلومات دقيقة عن نقاط الازدحام المرورى، كما أن استخدام إشارات المرور الذكية تقوم بصورة ذاتية بقياس مؤشرات الكثافات المرورية وإعادة التوجيه وإعطاء الأولوية للشوارع التى ليس بها كثافة عالية، واستخدام المركبات الكهربائية سوف تساهم فى الحد من الانبعاثات الضارة، وتحسين حالة الطقس فى الشوارع، وسيكون الأمر أسهل عند التخطيط لبناء المدن الذكية.

وأشار إلى أن استخدام التقنيات الذكية يساهم فى تقليل خفض الانبعاثات الكربونية، والحد من مظاهر التلوث، وذلك من خلال إنشاء مدن ومبانٍ ذكية وصديقة للبيئة تتميز بالاستدامة وتوفر فى استهلاك الطاقة والمياه ويمكن تحقيق الكفاءة فى إدارة الموارد من خلال استخدام أجهزة الاستشعار وأجهزة إنترنت التى تقوم بتهيئة الطاقة والأجهزة الإلكترونية وأجهزة التكييف والإنارة والمياه، كما تقوم أيضاً برصد مؤشرات ارتفاع درجات الحرارة ورصد أى خلل وإرسال إنذار لأفراد المنزل أو للجهات المعنية، والأمر نفسه ينطبق على الشوارع والميادين والمدن أيضاً، فتعمل أجهزة الاستشعار والمقاييس الذكية المنتشرة داخل المدينة على الحفاظ على الموارد وتقليل الهدر فى الطاقة، كما تُمكن التكنولوجيا من إدارة المخلفات وتحويلها إلى طاقة نظيفة ووقود، ومعالجة مياه الصرف والأمطار والزراعة لإعادة استخدامها، بما يساهم فى النهاية فى التغلب على مشكلة التلوث وإدارة المخلفات البيئية.

وأكد أن دور التكنولوجيا الذكية لا يتوقف عند الحفاظ على البيئة من التلوث فقط، بل يتعدى ذلك إلى التدخل فى الطبيعة لتحسين حالة الطقس، حيث يمكن التأثير على العوامل البشرية التى تؤدى إلى ارتفاع درجات الحرارة من خلال الاستفادة بتحليل البيانات الضخمة التى يمكن الحصول عليها من أماكن رصد درجات الحرارة المختلفة الموجودة بالمدينة، وربطها بعملية إدارة الحشود والتكدسات البشرية، وربطها كذلك مع مناطق الصناعات التى ينجم عنها ارتفاع فى درجات الحرارة.

وأضاف أن ربط كل هذه البيانات مع بيانات حالة الطقس والرطوبة فى الجو، ومع تداخل تلك البيانات وتحليلها مع نظيرتها الواردة من صور الأقمار الصناعية حول حالات التصحر والجفاف والفيضانات واندلاع الحرائق والكوارث الطبيعية، فإن ذلك يساهم فى التوقع بمشكلات التغيرات المناخية مستقبلاً، وتقديم صورة واقعية عن العوامل التى يمكن التحكم فيها لتحسين حالة الطقس.

كما يمكن استخدام التكنولوجيا فى عمليات توليد المطر أو ما يُطلق عليه «الاستمطار»، من خلال استخدام أشعة الليزر الموجهة إلى السحب أو من خلال اختراق طائرات صغيرة للسحب، وإطلاق عشرات المشاعل المُحملة بجزيئات صغيرة جداً من كلوريد البوتاسيوم وكلوريد الصوديوم لتلقيح السحب، بهدف زيادة كميات المياه بداخلها وتحفيزها لزيادة المطر.

مصر تدفع فاتورة التلوث العالمى

 

 الموجات الحارة وغرق الإسكندرية أهم المخاطر

تعرضت مصر خلال الفترة الماضية إلى ظواهر جوية فى غير مواعيدها، وأنماط مناخية مختلفة أكثر عنفاً عن ذى قبل، منها موجات الحرارة الشديدة والسيول والعواصف الترابية، وكلها تقريبا حدثت فى غير موعدها، ففى بداية فصل الربيع تعرضت البلاد لموجة حرارة شديدة على غير المعتاد جعلت الجميع يتنبأ بصيف ساخن جدا، فى نفس الوقت لم تظهر رياح الخماسين المعتادة وتأخر ظهور العواصف الترابية التى اجتاحت البلاد بعد شم النسيم رغم أننا اعتدنا على أنها كانت تحدث قبله دائما، كما تعرضت البلاد لسيول وأمطار غزيرة فى بداية الربيع بخلاف المعتاد أيضاً، هذا إضافة إلى الموجة شديدة الحرارة التى تشهدها البلاد هذه الأيام.

كل هذه التغيرات المناخية أكدت وجود خلل بمنظومة التوزيعات الجوية المعروفة، ووفقًا للدراسات المنشورة على المستويين المحلى والدولى تمثل الأحداث الجوية العنيفة (الموجات الحرارية، السيول، العواصف الترابية)، وارتفاع منسوب مستوى سطح البحر أهم التأثيرات السلبية الناتجة عن تغير المناخ مصر، على الرغم من أنها من أقل دول العالم إسهاماً فى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، فضلًا عن تأثر جودة الأراضى وتدهور الإنتاج الزراعى وتأثر الأمن الغذائى والموارد المائية وزيادة معدلات شح المياه، وتدهور الصحة العامة. كما أن مصر مهددة بسبب ارتفاع درجات الحرارة عن معدلاتها الطبيعية إلى انتشار أمراض: الملاريا، والغدد الليمفاوية، وحمى الضنك، وحمى الوادى المتصدع، خاصة فى المناطق الجنوبية من البلاد، بسبب توافر المناخ والموطن المناسب للحشرات ناقلة العدوى، فضلًا عن تدهور السياحة البيئية.

وتسعى مصر لمواجهة هذه الظاهرة قبل تفاقم الأوضاع، وتعتبر واحدة من الدول القليلة على مستوى العالم التى تمتلك مجلس وزراء مصغر لتغير المناخ برئاسة رئيس مجلس الوزراء بالقرار رقم 1129 لسنة 2019، وعضوية 7 من الوزراء المعنيين (الخارجية، البيئة، التخطيط، المالية، والزراعة والموارد المائية، والتنمية المحلية، بالإضافة لممثل عن وزارة الدفاع) وكذلك ممثلين عن القطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدنى، والمراكز البحثية؛ بهدف التعامل مع التغيرات المناخية من خلال استراتيجية وطنية موحدة، وقد تم إطلاق ملخص تلك الاستراتيجية على هامش مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ فى نوفمبر 2021، ثم تم إطلاقها بشكل نهائى فى 30 مايو 2022، حيث إن وجود استراتيجية وطنية سوف يسهم فى وضع خطة وطنية للتكيف مع تغير المناخ، والتى بدأت فى عام 2020 من خلال تمويل قدره 3 ملايين دولار من صندوق المناخ الأخضر.

محمد طنطاوى وكيل وزارة البيئة 

من جانبه قال محمد طنطاوى وكيل وزارة البيئة بأسيوط ورئيس جمعية حماية البيئة والتنمية بأسيوط: «إن التغيرات المناخية هى تغيرات طويلة الأمد ومن الممكن أن يؤثر على منطقة محددة أو على الكوكب بأكمله، وظهرت هذه التغيرات نتيجة الثورة الصناعية بأوروبا، وزيادة ظاهرة الاحتباس الحرارى والغازات الدفيئة وزيادة نسبة الكربون، والتى أدت إلى ارتفاع درجات حرارة الأرض»، لافتًا إلى أن أسباب التغيرات الطبيعية متعددة منها أسباب بشرية مثل زيادة الغازات الدفيئة والتى تؤدى إلى امتصاص وانعكاس طاقة الشمس على سطح الأرض، حيث تقوم بحبس الأشعة تحت الحمراء والتى من المفترض أن تخرج للفضاء، ولذلك ترتفع درجة حرارة الأرض، بالإضافة إلى الإفراط فى استخدام الوقود الأحفورى نتيجة استخدام وسائل النقل المختلفة، فضلًا عن قطع الغابات التى تمتص ثانى اكسيد الكربون، واستخدام السماد وحرق المخلفات، بالإضافة إلى العوامل الطبيعية مثل التغيرات التى تحدث فى مدار الأرض ونشاط الطاقة الشمسية والنشاط البركانى.

وأوضح «طنطاوى» أن اللجنة الوطنية المعنية بالتغيرات المناخية، حذرت فى الفترة الماضية من زيادة درجة حرارة الكرة الأرضية عن 1.5 درجة حتى لا تحدث كوارث بيئية ومناخية كبيرة، موضحا أن مصر ستكون من أكثر الدول المتضررة لو استمرت غازات الاحتباس الحرارى فى الزيادة، وبرغم من قمم المناخ التى تهدف إلى تحقيق العدالة المناخية للدول المتضررة ومساعدتها ومدها بالأموال اللازمة للتكيف مع التغيرات المناخية، إلا أنه عادة ما تنتهى هذه القمم بتوصيات وليست قرارات ملزمة للدول الصناعية.

وأشار وكيل وزارة البيئة بأسيوط إلى أن التغيرات المناخية أصبحت معاناة مستمرة وتهدد مسار التنمية فى مصر وتؤثر سلبا على استراتيجية الحد من الفقر، وتضرر المناطق الساحلية والزراعة والأمن الغذائى والمناطق الصناعية فى الساحل الشمالى، وله آثار كبيرة على قطاع السياحة وارتفاع معدلات الوفيات والأمراض والجفاف، فضلًا عن ملوحة الأراضى الزراعية وتعرض منطقة دلتا النيل لأضرار كثيرة، بالإضافة إلى ارتفاع سطح البحر المتوسط، وأوضح أن هذه التغيرات ستؤدى إلى هجرة ملايين المواطنين من الدلتا لمنطقة وادى النيل، وستكون مدينة الإسكندرية من أكثر المحافظات تضررًا، حيث من المتوقع أن تغمر المياه حوالى 30% منها بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر ولو بنصف متر فقط، وهو ما ينتج عنه هجرة حوالى 2 مليون شخص وبالتالى خسائر بالمليارات.

وعن الحلول المقترحة، أوضح الخبير البيئى أنه يجب إصدار قوانين ملزمة لحماية البيئة من التلوث، والتوسع فى استخدام للطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقات النووية والشمسية، واستخدام التكنولوجيا النظيفة، وإعادة تدوير المخلفات وتقليل قطع الأشجار، والتوسع فى زراعتها وزراعة أسطح المنازل، والإشراف على المصانع ومخلفاتها وصيانة الماكينات حتى لا تحدث زيادة فى الانبعاثات، وفرض ضريبة على المنشآت التى تتسبب فى خروج انبعاثات الكربون بشكل أكبر من المسموح بها قانونا، وإنشاء مراكز بحثية متخصصة لمراقبة ومتابعة منع استخدام غاز الكلوروفلور والكربون بشكل خاطئ بسبب تأثيراتها الضارة على طبقة الأوزون، ومساعدة الدول النامية بالتكنولوجيا والخبرات والمال للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة.

وأكد أن الدول يجب أن تلعب دوراً فى الحد من انبعاثات الكربون من خلال سن القوانين ووضع اللوائح الفعالة كفرض ضريبة الكربون على المصانع، والتوسع فى إعادة تدوير المخلفات والتقليل من استخدام مكيفات الهواء واستخدام المصابيح والأجهزة الموفرة للطاقة، والتقليل من استخدام المَركبات وزراعة الأشجار لزيادة الغطاء النباتى والاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة.

«النينو».. تيارات ساخنة ترفع درجة حرارة الأرض

 

تحدث فى المحيط الهادى وتأثيرها يطول العالم كله

خلال الأيام القليلة الماضية، أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية عن بداية ظاهرة النينيو المناخية المقترنة بارتفاع درجات الحرارة العالمية، موضحة أن هناك احتمالاً بنسبة 90% لاستمرار ظاهرة النينيو خلال النصف الثانى من عام 2023، ومن المتوقع أن تتسم هذه الظاهرة بالقوة المعتدلة.

وقال الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) البروفيسور بيتيرى تالاس: «إن ظهور ظاهرة النينيو سيزيد كثيراً من احتمال تحطيم الأرقام القياسية لدرجات الحرارة وزيادة درجات الحرارة فى أجزاء كثيرة من العالم وفى المحيطات».

كما ستتسبب هذه الظاهرة أيضاً فى حدوث موجات جفاف شديدة فوق أستراليا وإندونيسيا وأجزاء من المناطق الجنوبية من آسيا وأمريكا الوسطى والمناطق الشمالية من أمريكا الجنوبية، وخلال فصل الصيف الشمالى، يمكن لمياه النينيو الدافئة أن تغذى الأعاصير فى وسط شرق المحيط الهادئ، بينما يمكن أن تعيق تكوين الأعاصير فى حوض المحيط الأطلسى.

وحيد سعودى

عن تلك الظاهرة، يقول وحيد سعودى، خبير الأرصاد والتحاليل الجوية، أن التغيرات المناخية نتج عنها عدة ظواهر منها ظاهرة النينو، وهى عبارة عن تيارات ساخنة تحدث فى المحيط الهادئ وتتجه نحو الشرق لتصل إلى سواحل أمريكا الجنوبية نتيجة للتسخين الذى تُحدثه التيارات فى قاع المحيط، ومن الممكن أن تشكل هذه التيارات مع غيرها منظومة متكاملة تؤدى إلى التغير الكبير فى درجات حرارة المياه وبالتالى تحدث ظاهرة النينو، وهى تؤثر على المناخ فى الكثير من المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية.

وأضاف «سعودى» أنه وفقا للتوقعات تحدث ظاهرة النينو فى مناطق مختلفة من العالم، حيث يؤدى حدوثها إلى تأثيرات متباينة، ففى أمريكا الجنوبية ستزيد احتمالات حدوث موجات جفاف قد تحد من قدرة غابات الأمازون على امتصاص غازات ثانى أكسيد الكربون من الجو، وتفاقم الاحتباس الحرارى، وفى أستراليا، وبعد 3 سنوات من هطول الأمطار القياسى، من المتوقع أن تعكس ظاهرة النينو هذا الاتجاه بشكل جذرى، لتصبح موجات الحرّ والجفاف أكثر انتشارًا، خاصة خلال فصلى الشتاء والربيع.

أما عن تأثير ظاهرة النينو على الوطن العربى، أوضح خبير الأرصاد الجوية، أنه يتمثل فى زيادة الاحتباس الحرارى بوجه عام، ولكن لن يكون لها تأثير رئيسى فى منطقة شمال أفريقيا، والمنطقة العربية، فظاهرة التذبذب الجنوبى تحدث بعيدا عن منطقة شمال أفريقيا، لذلك يكون تأثيرها ضعيفا مقارنة بـظواهر مناخية أخرى مماثلة.

وعن بوادر حدوث تغيرات فى درجات الحرارة خلال فصول السنة، أشار إلى أن هناك بداية جغرافية لأية فصل من فصول السنة متفق عليها دولياً، وهناك بداية مناخية قد تبدأ قبل البداية الجغرافية أو بعدها بأسبوع أو أكثر أو بعد البداية الجغرافية بنفس المدة، فمن الممكن أن تأتى درجات الحرارة أعلى من معدلاتها الطبيعية، قبل بداية فصل الصيف أو تتأخر نسبياً وقياساً عليه باقى فصول السنة، ولكن من المستحيلات أن يوجد تنبؤ طويل المدى بحالة الطقس لفصل كامل، فحتى الآن التنبؤات الفصلية لا تزيد درجة دقتها عن 27%.

ارتفاع درجه الحرارة

أما عن التكيف مع مثل هذا الطقس الحار فيجب اتباع الآتى، شرب السوائل وعلى رأسها المياه بشكل مستمر حتى ولو لم يشعر الإنسان بالعطش، مع غسل الرأس بماء الصنبور البارد أكثر من مرة فى اليوم الواحد، خاصة للأطفال والأشخاص الذين يتواجدون خارج المنزل خاصة ما بين وقتى الظهيرة والعصر، والحرص على استخدام الشمسية أو الكاب، وعدم الجلوس فى الأماكن المغلقة سيئة التهوية لفترات طويلة، وعدم إغلاق زجاج السيارات تماماً، وعدم التعرض لأشعة الشمس المباشرة لفترات طويلة، وعلى المصطافين التواجد على الشواطئ ونزول البحر فى الصباح الباكر أو قبل غروب الشمس مباشرة.

الإنسان والنبات والحيوان.. ضحايا حرب الطبيعة

 

الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. الأكثر تضرراً

«درجات الحرارة على مستوى العالم سترتفع بأكثر من 1.5 درجة مئوية على مدار الخمسين عاما القادمة» بتلك العبارات أكدت دراسة نشرتها فى يونيو الماضى مجلة «استدامة الطبيعة» Nature Sustainability عن التغيرات المتوقع حدوثها مستقبلًا، لافتة إلى أن غالبية سكان منطقة الشرق الأوسط سيواجهون طقسا شديد الحرارة بحلول عام 2050، وفى أبريل الماضى، نشرت مجلة «ذا لانسيت» البريطانية المتخصصة فى الطب، دراسة حول الوفيات المستقبلية الناجمة عن الطقس الحار فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى حال استمرار ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، لافتة إلى أن الوفيات بسبب الطقس الحار فى المنطقة سترتفع من حالتى وفاة لكل 100 ألف نسمة فى الوقت الحالى إلى حوالى 123 لكل 100 ألف نسمة خلال آخر عقدين من القرن الحالى، ما يعنى أنه بحلول عام 2100، فإنه من المحتمل أن يموت حوالى 138 ألف شخص جراء الطقس الحار سنويا.

 

وسجلت الهند، وهى واحدة من أكثر المناطق تأثراً بتغير المناخ، ارتفاعاً فى عدد الوفيات نتيجة استمرار ارتفاع درجات الحرارة، كما سجلت كل من إسبانيا وإيران وفيتنام درجات حرارة شديدة مما أثار المخاوف من أن يصبح صيف العام الماضى الذى شهد صعوداً فى عدد الوفيات أمراً اعتيادياً.

فى هذا السياق يوضح الدكتور محمد أحمد العدوى، خبير الهندسة الكيميائية، أن أنماط الطقس المعتادة فى مكان ما، ويتسبب تغير المناخ فى أن تكون أنماط الطقس أقل قابلية للتنبؤ، لأنه لم يعد من الممكن الاعتماد على درجات الحرارة المتوقعة، كما ارتبط تغير المناخ بظواهر مناخية ضارة أخرى مثل الأعاصير المتكررة والأكثر شدة والفيضانات والأمطار الغزيرة والعواصف الشتوية، كما أنه فى المناطق القطبية، أدى ارتفاع درجات الحرارة العالمية المرتبط بتغير المناخ إلى ذوبان الصفائح والانهيارات الجليدية بمعدل متسارع من موسم إلى آخر، كما ساهم فى ارتفاع مستويات سطح البحر فى مناطق مختلفة من الكوكب، إلى جانب التوسع فى مياه المحيطات، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وبدأ الارتفاع الناتج فى مستوى سطح البحر فى إتلاف السواحل نتيجة زيادة الفيضانات والتعرية.

محمد أحمد العدوي

وأضاف «العدوى» أن ظاهرة الاحتباس الحرارى أدت إلى ارتفاع درجة الحرارة السطحية المتوسطة لكوكب الأرض مع ارتفاع مستوى ثانى أكسيد الكربون وغاز الميثان وبعض الغازات الدفيئة التى تساهم فى تدفئة جو الأرض السطحى، وقد لوحظت الزيادة فى متوسط درجة حرارة المناخ منذ منتصف القرن العشرين مع استمرارها المتصاعد حيث زادت درجة حرارة سطح الكرة الأرضية بمقدار 1.2 درجة مئوية منذ بداية القرن الماضى، وقد أقرت اللجنة الدولية أن الغازات الدفيئة الناتجة عن الممارسات البشرية هى المسئولة عن ارتفاع درجات الحرارة المُسجلة منذ منتصف القرن العشرين، فى حين أن الظواهر الطبيعية مثل ضوء الشمس والبراكين لها تأثير صغير فى الاحتباس الحرارى منذ ما قبل الثورة الصناعية حتى عام 1950.

وأوضح «العدوى» أن هناك أمرا آخر أدى إلى زيادة الاحتباس الحرارى وهو إزالة الغابات للزراعة والتوسع العمرانى، فالأشجار تمتص ثانى أكسيد الكربون من الهواء وعندما يتم قطع الأشجار أو حرقها فإن الكثير من الكربون الذى خزنته يتم إطلاقه مرة أخرى فى الهواء على شكل ثانى أكسيد الكربون، كما تزيد الأنشطة البشرية من مستويات غاز الميثان فى الغلاف الجوى وتشمل هذه الأنشطة زراعة الأرز وتربية الماشية وحرق الوقود الأحفورى وتحلل المواد العضوية فى مدافن النفايات.

وعن أضرار ظاهرة الاحتباس الحرارى على الكرة الأرضية، قال «العدوى» إنها تؤدى إلى تغير درجة حرارة الأرض، أى لا يكون ارتفاع درجة حرارة الأرض ثابتاً وبنفس الدرجة، فدرجة حرارة الهواء السطحى فوق اليابسة ترتفع بشكل أسرع من المحيطات وبالتالى تكون زيادة درجة حرارة السطح فوق القطب الشمالى أكبر وهو ما يؤدى لذوبان الثلوج والجليد.

وأضاف أن ظاهرة الاحتباس الحرارى تؤدى أيضاً إلى تغير أنماط هطول الأمطار، فقد شهدت بعض المناطق زيادة فى هطول الأمطار الغزيرة أكثر من المعتاد كالمناطق القطبية وشبه القطبية وانخفضت فى مناطق خطوط العرض الوسطى، ومن المتوقع حدوث زيادة فى هطول الأمطار بالقرب من خط الاستواء وانخفاضها فى المناطق شبه الاستوائية، وهذه التغييرات ستؤدى إلى زيادة فرص تغير الطقس فى العديد من المناطق مثل أمريكا الشِّمالية وأوروبا وأفريقيا، وهو ما قد يؤدى إلى الجفاف فى بعض المناطق، وحدوث فيضانات كبيرة فى مناطق أخرى.

حريق الغابات

وأضاف «العدوى» أن الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ توقعت أن يخلو القطب الشمالى من الجليد البحرى الصيفى بحلول عام 2050، حيث ساهم ذوبان الجليد فى الأنهار الجليدية فى جميع أنحاء العالم، والصفائح الجليدية الكبيرة فى جرينلاند وأنتركتيكا فى ارتفاع مستوى سطح البحار والمحيطات، الذى ارتفع بين عامى 1901 و2010 حوالى 19 سم.

وأوضح أن العلماء سجلوا زيادة فى كثافة الأعاصير فى المحيط الأطلسى منذ السبعينيات، وأشارت الدراسات إلى أن الاحتباس الحرارى له تأثير على أعاصير المحيط الأطلسى، ويعتقد العلماء أنه من المحتمل أن يؤدى الارتفاع المستمر فى درجات حرارة المحيطات الاستوائية إلى حدوث أعاصير أقوى على مستوى العالم فى القرن المقبل.

كما يؤثر التغير المناخى على النُظم البيئية وعلى التنوع الحيوى للنباتات والحيوانات وأشكال الحياة الأخرى، حيث غيرت بعض النباتات والحيوانات نطاقاتها الجغرافية استجابة لارتفاع درجات الحرارة بالفعل، فعلى سبيل المثال وجد علماء الأحياء أن أنواعا معينة من الفراشات والطيور فى نصف الكرة الشمالى هاجرت شمالًا لتجنب هذا الارتفاع، كما بدأت الأشجار تورق أو تُزهر فى وقت أبكر من الربيع وبدأت بعض الثدييات تنهى سباتها مبكرًا، ويهدد الذوبان المستمر للجليد البحرى فى القطب الشمالى الحيوانات التى تعتمد على الجليد البحرى للصيد كالدببة القطبية، وكل هذه التغيرات ستؤدى إلى انقراض بعض النباتات والحيوانات مع مرور الوقت.

المجتمع الدولى «المتهم الرئيسى» فى قضية المناخ

 

الاجتماعات والاتفاقيات.. حبر على ورق

أصبحت التغيرات المناخية واحدة من أهم القضايا العالمية المُلحة فى وقتنا الحالى، مما وضعها فى مكان الصدارة على أجندة كافة الاجتماعات الدولية والإقليمية، وصار العمل المناخى واحداً من أهداف التنمية المستدامة.

 وعلى أثر ذلك أقيمت عدة قمم عالمية لمواجهة الجفاف والهجرة والتغيرات التى تهدد الكرة الأرضية، وتعود بداية قمة المناخ إلى بروتوكول كيوتو عام 1997 الخاص بتطبيق اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بتغير المناخ عام 1992، وتلزم الاتفاقية الدول الصناعية بتخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 5% بحلول عام 2012، وفى عام 2005 انعقدت الدورة الأولى لمؤتمر أطراف كيوتو فى مونتريال الكندية، حيث تقرر تشكيل فريق يتابع ما تم عليه الاتفاق، بعد ذلك توالت المؤتمرات التى كان آخرها فى نوفمبر 2022 فى شرم الشيخ (COP 27)، ولكن برغم من تلك القمم إلا أنه لم تتخذ إجراءات فعلية على أرض الواقع للتقليل من نسبة الاحتباس الحرارى.

وكشف تقرير «كوبرنيكوس» لتغير المناخ التابع للاتحاد الأوروبى أن عام 2022 كان خامس أشد الأعوام حرًا عالميًا، وثانى أشد الأعوام حرًا على الإطلاق فى أوروبا، وأن مستويات الغازات الدفيئة فى الجو هى الأعلى من أى وقت مضى.

وقالت كيارا ليغورى مستشارة السياسات المتعلقة بالمناخ فى منظمة العفو الدولية، «إن هذا يكشف تفاقم حدة أزمة المناخ التى بدأت تؤدى إلى معاناة بشرية على نطاق واسع ومثير للقلق، مؤكدة تأثر ملايين الناس بالظواهر الجوية القصوى عام 2022، بما فى ذلك الفيضانات الكارثية التى حدثت فى باكستان وجنوب وغرب أفريقيا، والجفاف الشديد فى شرق أفريقيا، وموجات الحر فى الصين والهند، ودرجات الحرارة القياسية التى سُجّلت فى الصيف فى شتى أنحاء أوروبا، والدمار الذى ألحقه الإعصار إيان فى كوبا وفلوريدا، قائلة إنه من الصادم أن معظم الدول والشركات تواصل التوسع فى إنتاج الوقود الأحفورى بالرغم من الكم الملموس والقاطع من الأدلة على أن تغيّر المناخ يحدث بخطى متسارعة.

المهندس حسام محرم 

من جانبه قال المهندس حسام محرم المستشار السابق لوزير البيئة، إن مشكلة التغيرات المناخية تعتبر من اخطر التحديات التى تواجه البشرية فى الفترة الحالية، ومواجهتها تستلزم تعاون المجتمع الدولى لاحتواء آثارها المدمرة على كوكب الأرض، لذا بدأت الأوساط السياسية فى تحديد ملامح هذه الظاهرة، وحجم المشكلات التى ستنتج عنها وتهديدها للموارد الطبيعية والاقتصاديات الوطنية والعالمية.

وأكد المستشار الأسبق لوزير البيئة، أن هذا التكاتف تبلور فى صورة اتفاقيات دولية لمواجهة تلك الظاهرة، وتمخض ذلك عن مجموعة من التعهدات التى ألقيت على عاتق كل دولة من الدول التى تساهم فى التغيرات المناخية، من خلال التخفيف من غازات الاحتباس الحرارى، والتزام كل دولة بتحقيق نسبة خفض معينة لتحقيق الخفض الإجمالى اللازم، للاحتفاظ بدرجة حرارة الكرة الارضية كما هى، فضلا عن التزام الدول الكبرى بمساعدة الدول النامية فنيًا وماليًا، وذلك من أجل التكيف مع تداعيات التغيرات المناخية، خاصة مع الدول التى ستعانى من اختفاء أجزاء من السواحل الخاصة بها، بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر والتكيف مع كافة الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية.

وأشار الخبير البيئى إلى أن الأداء الفعلى على أرض الواقع، يشير إلى تقاعس من جانب الكثير من الدول الرئيسية فى المجتمع الدولى عن الوفاء بتعهداتها، سواء بتخفيف أو مساعدة الدول النامية للتكيف مع التداعيات، وبالتالى فهناك خطورة أن تكون وتيرة العمل المناخى الدولى أبطأ من الوتيرة اللازمة للنجاح فى احتواء هذه الظاهرة، والحفاظ على كوكب الأرض، مما قد ينتظره من مخاطر جمة نتيجة تداعيات هذه الظاهرة.

 وطالب مستشار وزير البيئة الأسبق بأن يكون المجتمع الدولى أكثر جدية، وينبغى احتواء آثار تداعياته السياسية مثل حرب روسيا وأوكرانيا والتى تؤثر على إعادة ترتيب أولويات المجتمع الدولى فى التعامل مع التحديات الاقتصادية والبيئية، كما ينبغى تفعيل ما تم الاتفاق عليه فى قمة المناخ الأخيرة، وأهمها قيام الدول المتقدمة بمساعدة الدول النامية فيما يسمى بصندوق الأضرار، والذى يعد من أهم القرارات التى توصلت إليها القمة الأخيرة بشرم الشيخ، وتحويل العمل المناخى إلى عمل حقيقى على أرض الواقع، كما ينبغى أن تأخذ دول العالم تحديات العمل المناخى بشكل أكثر جدية، بعيدا عن تغليب المصالح الآنية وبعض دول العالم ينبغى عليها وضع كوكب الأرض على رأس أولوياتها.