عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ضوء فى آخر النفق

فى هذا العصر، تقوم الدنيا ولا تقعد فى مصر لعيون لعبة كرة القدم! لم تعد تقوم على معارك فكرية وأدبية كما كان الحال فى العصور الذهبية للأمة. المشتغلون بالفكر والأدب والدين يستدعون إلى أذهانهم الآن أسماء ترسخت فى الأذهان على مر العصور، من أزمنة ابن رشد وابن خلدون وابن الهيثم والفارابى، إلى على عبدالرازق وطه حسين والعقاد وفؤاد زكريا، ومن هيكل ومصطفى أمين إلى مصطفى شردى وموسى صبرى وغيرهم، أدباء ومفكرون ومشتغلون بالفلسفة أفنوا حياتهم من أجل التقدم ذهبت حياتهم هباء، أخطر ما بقى من معارك القيم الثقافية الرفيعة محله ساحات النيابة والقضاء، منها ما يتعلق بازدراء الأديان أو بقضايا الحسبة التى أرهبت مفكرين وطاردتهم ونفتهم إلى الخارج، أما معارك الإسلام وأصول الحكم والصراع الثقافى بين القانون السماوى والآخر الوضعى -أو ما كان المفكر فرج فودة يعبر عنه بقوله «إن القانون الوضعى يطال ما لا تطوله الشريعة الإسلامية»–ما يعنى أنه لا تعارض بين الاثنين، أو التنافس النقدى بين المدارس الشعرية حول قصيدة النثر والشعر العمودى مثلًا، حول الذائقة الأدبية متى نمت وولدت عند الكاتب، حول المعين الملهم للمبدعين، حول أساليب الكتابة، ومعاناة الكتاب بحثًا عن أفكار وصياغات و«ستايل» للكتابة، فكل هذه معارك ثقافية أسقطناها بالتقادم وجفت ينابيع عقولنا عندها! تأثرت إلى حد الضعف صناعة الثقافة فى مصر. تراجعت المشاريع الإبداعية. متابعة دقيقة لأبرز المنتديات والملتقيات والورش الثقافية تصدمك بعيوب فادحة تظهر على ثوب المبدع من سطوره الأولى. كيف كان الكتاب والمفكرون والمشتغلون بالفلسفة وحتى بكتابة الأعمال السينمائية قصة وسيناريو وحوار، والنصوص المسرحية ومعالجتها مسرحيًا، يمتعوننا ويذهلوننا؟ الجيل الطالع حتى القادم «من الغيطان ومن المزارع» لم يعد يسعى للإجابة! القادمون حتى من الأرض الخصبة التى تكوّن «الطبقات الجيولوجية» فى رؤوس المبدعين، فقدوا بعض سماتهم المحرضة على الإبداع. الاستسهال فى الإبداع–أو الاستهبال–هو السمة الغالبة.. «مفيش حاجة متعوب عليها».. قضايا الفن للفن أم الفن للحياة، القيم التى شغلت المبدعين وكانت أبرز هموم المثقفين لعصور خلت وَلَّتْ وذهبت، ولم يقابلها فى العصر الحديث فكرة جديدة. تقزَمت كل الأشياء، حتى فى الدراسات الأكاديمية الرصينة جاء زمن يعترف فيه أستاذ جامعى مثل الدكتور محمد عبدالمطلب بأنه منح درجات علمية ماجستير ودكتوراه مجاملة لطلابه! فكيف يدرس هؤلاء لطلابهم، وكيف يشرفون على رسائل تلاميذهم؟

اقرأ الإبداع الجديد تجد أن أغلب «المبهرين» على الشاشات جاهلون باللغة، فيكتبون «لكن» (لاكن)! ولكى تدل «نحن» على الجماعة فلابد أن تكتب (نحنو)! المنطق السائد هو الشلة، والقيمة الحقيقية فى الدعم والنقد والمساعدة على التفتح والتوهج قد يتلقاها من يبحث عنها، تجدها مثلًا فى مناقشات رصينة فى ورشة الزيتون الأدبية، وتجدها فى منتدى المستقبل، وربما فى حلقة نقد معروفة يقدمها ناقد «إخواني» يناقش أعمال الأدباء مقابل المال! لكن المشكلة الحقيقية أن التعليم لم يعد فى قيمة كرة القدم، لم تعد المدرسة تُقِيم أُمَة، بعكس اللعبة الشعبية الأولى فى العالم، تقيم الدنيا ولا تقعدها. فلسفة «الكورة» عند الجمهور هى المتعة.. الكورة للكورة، أما الآداب والفنون فلم تعد تعرف هويتها وماهيتها. «راحت فى الوبا»!