رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ربما يظن البعض لأول وهلة أن من يبكى على الإنسان فقط بعد موته هم أقرباؤه من الدرجة الأولى، أو أصدقاؤه المقربون جدًّا. والسؤال الآخر: ما هو نوع البكاء وكيفيته والمدة التى يظل يبكى فيها على الميت؟

تأتينا الإجابة فى قول الله سبحانه وتعالى حين أهلك قوم فرعون (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) {الدخان :29} وقد جاء تفسيرها كما روى ابن جرير عن ابن عباس رضى الله عنه فى هذه الآية، أن رجلًا قال له: يا أبا العباس رأيت قول الله تعالى: «فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين»، فهل تبكى السماء والأرض على أحد؟، فقال رضى الله عنه: نعم إنه ليس أحدٌ من الخلائق إلا وله باب فى السماء منه ينزل رزقه ومنه يصعد عمله، فإذا مات المؤمن وأغلق بابه من السماء الذى كان يصعد به عمله وينزل منه رزقه، فقد بكى عليه، وإذا افتقده مصلاه فى الأرض التى كان يصلى فيها ويذكر الله عز وجل فيها بكت عليه. ثم قال ابن عباس: إن الأرض تبكى على المؤمن أربعين صباحًا! فقلت له: أتبكى الأرض؟، قال: أتعجب؟! وما للأرض ألا تبكى على عبدٍ كان يعمرها بالركوع والسجود، والصدقة والزكاة، وما للسماء ألا تبكى على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها كدوى النحل.

وحين تعمر مكانك وغرفتك بصلاة وذكر وتلاوة كتاب الله عز وجل فهى ستبكى عليك وأيضا سيفتقدك بيتك وغرفتك التى كنت تأوى إليها، وعلى عكس ذلك كله، فسوف تشهد نفس الأرض على معاصيك كما بكت على عبادتك.

تفسير رائع يبعث الأمل فى النفس، ويملأ القلب باليقين فى رحمة الله عز وجل، وأن مجهودك لن يضيع حتى مع الجماد (مواضع السجود) والتى تظل أربعين يومًا تبكى على فراقك، فى الوقت الذى ينساك أحب الناس إلى قلبك، ربما بعد أيام أو بعد ساعات، على الرغم من أن كل أموالك وعقاراتك وسياراتك حرصت على أن تضعها كاملة بين أيديهم دون نقصان، فهل حرصت هذا الحرص فى أن تتصالح مع مواضع السجود فى أرضك، أو منزلك، أو المسجد الذى كنت تصلى فيه، وأن تكون صلاتك قريبة من الخشوع وبعيدة عن الرياء والسمعة؟

وهل حرصت على أن تتقى الله فى موضع هبوط رزقك، وأن تتقن عملك حتى يبكى عليك هذا الموضع بعد موتك؟، وماذا إذا كان هذا الرزق يأتى من أبواب مشبوهة أو محرمة، فهل ستبكى عليك أم ستشهد على فسادك، كما جاء فى سورة الزلزلة، فى قوله تعالى: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا)، وذكرت بعض التفاسير أن المعنى هو ما عمل عليها ابن ادم من خير أو شرّ (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا) أى أعلمها بذلك.

فيا لها من آيات كاشفة، تزلزل الجبال وتزيدها خشوعًا، ونحن نلهو نحو دنيا فانية، ورغم ذلك نتمسك بزخرفها حتى آخر لحظة فى حياتنا وننسى ما ينفعنا، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم أن نلقاك، واجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله.