عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هموم وطن

ماذا حدث لنا، وكيف وصلنا إلى هذا الحد من الكسل والتنبلة فى مجتمعاتنا، بعد أن أصبح الدليفرى الوسيلة الأولى والأهم من وسائل توصيل الطلبات إلى المنازل والنوادى والجامعات وكل شىء؟! كنا نعلم ونحن صغار أن البيت الذى يتدلى من شرفته أو بلكونته «السَّبت» أو القفة ليس به رجال أو أولاد، وكنا نتعاطف مع أصحابه ونبذل لهم المجهود لقضاء حوائجهم، بل ونعيب على من يعتمد على غيره فى قضاء حوائجه، وكان معظمنا يحفظ بيت الشعر الذى يقول: ما حك جلدك مثل ظفرك.... فتولَّ أنت جميع أمرك، والحديث الشريف: (صاحب الشىء أحق بحمله)، وكنا نفرق بين الشهامة والاستغلال، وبين المرض والتنبلة أو الكسل أو «الاستعباط»، وكنا أيضا نحفظ معنى الحديث الشريف الذى يقول فيه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: (اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم)، وكنا نتسابق لقضاء حوائجنا وحوائج الجيران، ولكن بعد أن أصبح الكسل شعارًا وأصبحت الاتكالية منهجًا، أصبح الدليفرى وسيلة رائجة للصغير قبل الكبير، وتحولت إلى بند من بنود الإنفاق يتحمله رب الأسرة، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة، وتوارى الشباب خلف الأبواب والشرفات، فى انتظار شباب مثلهم يحضرون لهم طلباتهم، كما كانت تفعل النساء قديمًا، وتحولت هذه الوسيلة إلى كنز يدر على منافذ البيع دخلًا إضافيًّا تقتطعه الأسر من دمائها، ورغم ذلك لا ننهر أبناءنا الكسالى، ولا نعودهم على إحضار ما يحتاجونه بأنفسهم خوفًا من إيذاء مشاعرهم. وبعد هذا كله نبحث لهم عن أماكن فى عيادات التخسيس والجيم وجراحات التكميم؛ لإزالة دهون الكسل والتنبلة والاتكالية!

لابد أن يتبنى الإعلام هذه الظاهرة الخطيرة، ويجب تشكيل وعى المجتمع مره أخرى، وأن تنادى المنابر على اختلاف أنواعها بنبذ الكسل والخمول، والدعوة إلى النشاط والحيوية، والاعتماد على النفس.

ماذا ننتظر بعد أن أصبحت الشهادات العلمية: الدكتوراه وغيرها ترِد إلينا من الداخل والخارج بالدليفرى؟ ولك أن تتخيل صديقك أو جارك أو أحد أقربائك، الذى تحول بقدرة قادر إلى دكتور، دون أن تعلم كيف ومتى وأين حدث هذا، ودون أن يغيب عن سمعك وبصرك يوما ما، وبعد أن كان أصحاب الفضل يتجولون فى الشوارع والطرقات والأزقة يتحسسون البسطاء والفقراء والمحتاجين لمنحهم زكاتهم فى أيديهم، ظهرت عبارة «صدقتك أون لاين»، أو «سنرسل لك المندوب حتى باب البيت»، وسيرسلون هم أيضا الفتات وما تبقى من صدقتك دليفرى إلى من يستحقها ومن لا يستحقها.

لقد أصبح كل شىء سهلًا فى حياتنا إلا الأعمال والواجبات والفروض، أصبحنا نؤديها بضجر وكسل وصعوبة، وتاهت المواعيد والالتزامات كما تاه كل شىء حولنا، ولا نجيد إلا إتقان متابعة وسائل التواصل الاجتماعى، ومتابعة عامل الدليفرى بدراجته النارية لحظة بلحظة، قبل أن يفقد الغذاء سخونته، ونفقد شهيتنا المشتاقة دائما لكل ما يزيد من أوزاننا، ويسلب ما فى جيوبنا... وللحديث بقية.