عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

بديهى أن أخبار الموت تفجعنا، وما يحيط بموت بعض الأشخاص-سواء نعرفهم أو لا نعرفهم- لا يمنحنا العظة فقط، بل من قصص الموت ما يجعلنا نتوقف أمام حقائق مريرة، حقائق لم نفكر بها من قبل، وأخرى نتجاوزها تجاهلًا؛ عسى أن نكمل حكم «الكَبَد» فى الحياة عن رضا بقضاء الله.

ومن تلك القصص حادث وفاة سليمان محمد عبدالحميد «55 سنة» مدير المدرسة بقرية صفط فى المنيا، وكانت الحقائق المريرة المحيطة بالوفاة هى فاجعتنا الجماعية؛ فالمدير التعليمى التربوى القدير، اضطرته احتياجات أسرته إلى أن يعمل فى البناء، وتوفى أثناء عمله، وقد فتحت هذه الوفاة صنابير من «مصمصة الشفاه» حول هذا المسكين الذى نحى هيبة عمله بمجال التعليم جانبًا ليشتغل عامل بناء باليومية، كما نكأت الحادثة جروحًا ولامست ندبًا لدى مئات الآلاف من أبناء بلدى، الذين تتشابه ظروفهم معه فى اختلاف لبعض التفاصيل.

فالأستاذ سليمان كان يمكنه بكل بساطة أن يصبح تاجرًا فى الدروس الخصوصية كغيره من آلاف المعلمين فى مصر، أو يدير مركزًا للدروس لحسابه، أو يتشارك مع غيره، كان يمكنه بيع ضميره فى أى مجال مرتبط بعمله ويستفيد من منصبه، لكنه لم يفعل ذلك، وتمسك بشرفه وضميره، وحفظ كرامة ومهابة وظيفته، وضحى بمهابة نفسه شخصيًّا بهذا العمل الإضافي؛ ليسقط شهيدًا فى ميدانها، ويدفع ثمن القوامة التى ألزم نفسه بها أمام أسرته.

مئات الآلاف يفعلون ما فعله أستاذ سليمان فى صمت دون أن يدرى بهم أحد، لا مسئول، ولا مجتمع، يكدون فى صمت، يُنحون أحلامهم وطموحاتهم الشخصية جانبًا؛ لتتآكل سنوات شبابهم وأعمارهم فى أعمال غير وظيفتهم أو مهنتهم التى يحبونها، أو تخصصوا تعليميًّا فى مجالها، وقد قبلوا ذلك مرغمين، متضررين، ينتظرون بدورهم الموت نتيجة الإنهاك البدنى والنفسى، عسى أن يكتب عنهم أحد، أو يسلط عليهم الضوء أحد، وهم فى ذلك يعيشون فوق حد السيف، والذى يظل يؤلمهم، حتى يشطرهم، فينسدل الستار على كلمة النهاية «الموت».

فى الدول الكبرى يتم تطبيق الحد الأدنى على كل الأجور سواء للعمال أو الموظفين، وهو حد يكفى لأن يعيش المواطن حياة كريمة؛ لأنه يتم تحديد هذا الأجر بناء على دراسات اقتصادية عميقة تضع فى اعتبارها احتياجات المواطن الأساسية من مأكل، مشرب، ملبس، مسكن بكل متطلبات هذا المسكن من غاز وكهرباء ومياه، ويتم تحديد الحد الأدنى الرسمى للأجور على هذا الأساس.

أما من يرغب من المواطنين هناك فى العيش فى رفاهية أكبر، فعليه اللجوء إلى البنوك للحصول على قروض لشراء بيت خاص، سيارة، وهكذا، فى حين أن المهن أو الوظائف التى تمس مقدرات الوطن، وتمس حقوق المواطنين مثل مؤسسات الشرطة، الجيش، القضاء، التعليم، فهؤلاء يتم منحهم امتيازات ماليه أكبر؛ لأن فساد أى من هؤلاء هو ضياع للدولة وضياع لحقوق المواطنين ومستقبلهم، وهو أمر يحدث نسبيًّا فى مصر مع استبعاد فئة المعلمين تمامًا.

أما الجزء الآخر فى بلدنا الذين اختصروا طريق المتاعب والعمل المُضنى الشريف، وقرروا البيع، بيع ضمائرهم، شرفهم، إنسانيتهم، وقبض الثمن كبيرًا ليسدوا نفقات أسرهم، ويتمتعوا بحياة آدمية هى حق كل إنسان على وجه الأرض، هؤلاء يعيشون على الاقتصاد السرى المذموم الذى تسبب وسيظل يتسبب فى تخريب اقتصاد الدولة، تدمير الذمم، هدم الأخلاق، الاستهانة بمقدرات الوطن، استغلال المواطنين الآخرين.

الذين باعوا ضمائرهم يتاجرون فى كل الممنوعات والمحرمات، أو استغلوا نفوذهم فى مجال أعمالهم، تكسبوا الحرام من مراكزهم، يفتحون أدراج مكاتبهم لاستقبال الرشاوى تحت العديد من المسميات العبثية التى تم ابتكارها: إكراميات، أتعاب، حلاوة، شاى، مقابل تسيير أمور الخلق، أو التغاضى عن بعض الإجراءات الرسمية المطلوبة، أو إزالة العقبات والبيروقراطية المتعمدة، وهكذا.

وعلى كل منا أن يختار: العيش فوق حد السيف، أو أن يبيع ضميره.

[email protected]