رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

أكتب اليوم عن الضلع الثالث من أضلاع مثلث الدراسات الكلاسيكية المؤثرين فى الثقافة المصرية المعاصرة، لقد كان هو د. عبدالمعطى شعراوى؛ إذ كنت أنظر إليهم باعتبارهم ثلاث قامات كبرى يجلس كل منهم على أحد المكاتب الثلاثة بحجرة أساتذة القسم، وكان رابعهم المبدع العظيم الذى لم يأخذ حظه من الشهرة والنجومية د. يحيى عبدالله -رحمه الله- الذى لم تكن تراه جالسا على مكتب قط مفضلا الجلوس خارج الحجرات أمام القسم مع أحد الزائرين أو أحد الطلاب أو الباحثين.

والطريف أن معرفتى بالدكتور عبدالمعطى تعود إلى بداية السبعينيات وأنا فى مقتبل الدراسة الجامعية بالفرقة الأولى عام كما كانت تسمى آنذاك، فى حادثة تروى ومازالت عالقة بالذهن حتى الآن، فقد كنت مرشحا لانتخابات اتحاد طلاب الكلية عما كان يسمى آنذاك بلجنة النشاط السياسى والثقافى وفى منتصف اليوم دخلت لأدلى بصوتى ككل الطلاب، فإذا به وكان رئيسا للجنة يقول لى بعد أن بحث فى الكشف أمامه: يا بنى أنت لست طالبا فى الكلية أنت محول إلى كلية التجارة!! ودارت بى الدنيا حتى كدت أفقد الوعى! ولم يفلح معه أن قلت: مع سيادتك كارنيه الكلية وهذا كارنيه المدينة الجامعية وهاكم اسمى أول اسم فى كشف المرشحين! فقد قام بكل هدوء ينادى أحد العاملين ليعطيه شريطا لاصقا ويضعه فوق اسمى وهو يقول : «اذهب لشئون الطلاب وهات ما يثبت أنك طالب بالكلية»! وبالطبع لم أستطع ذلك لأن أحدهم لما أدرك مدى شعبيتى بين زملائى ورفضى - الجاهل بلعبة الانتخابات - الدخول فى قائمتهم الانتخابية كتب باسمى طلب تحويل وحولت أوراقى فعلا الى تلك الكلية التى لم أفكر يوما فى دخولها، وكم كان درسا قاسيا ومؤثرا فى حياتى رغم أننى بنهاية اليوم وبعد فرز الأصوات حصلت على أعلى الأصوات فى مفاجأة مدوية جعلت خصومى يأتون لتهنئتى بذلك رغم حصول مرشحتهم على العضوية التى حرمونى منها!! ومنذ ذلك اليوم وكلما قابلت د. عبدالمعطى أذكره بذلك الموقف فيضحك قائلا: «حد قالك تدخل الانتخابات ضد الشيوعيين!»

ولد الدكتور عبدالمعطى شعراوى فى الحادى عشر من شهر نوفمبر عام 1932، وحصل على درجة الليسانس فى الآداب من قسم الدراسات اليونانية واللاتينية بكلية الآداب - جامعة القاهرة عام 1956 بتقدير عام جيد جداً، كما حصل على درجة الماجستير فى الآداب من قسم الدراسات اليونانية واللاتينية بكلية الآداب - جامعة القاهرة عام 1962 بتقدير عام ممتاز، ودرس فى جامعة أثينا باليونان فى الفترة من 1961 إلى 1964، ثم سافر إلى بريطانيا حيث استكمل دراسته وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة بريستول بانجلترا عام 1967، وقد تقلد العديد من المناصب منها رئاسة مجلس قسم الدراسات اليونانية واللاتينية، كما رأس وشارك فى عضوية العديد من المجالس والهيئات، فقد عمل وكيلاً لوزارة الثقافة ورئيساً لقطاع الثقافة الجماهيرية فى الفترة من يونيو 1985 حتى أكتوبر 1987، كما سافر إلى ليبيا ليعمل أستاذاً زائرا فى قسم الآثار والدراسات اليونانية عام 1978، كما سافر ليعمل أستاذا زائرا فى معهد الدراسات الكلاسيكية - جامعة لندن فى العام الدراسى 1980 - 1981، كما عمل أستاذا زائرا فى كلية الآداب - جامعة القاهرة فرع الخرطوم وأستاذا زائرا بالمعهد العالى للفنون المسرحية بالكويت.

ولقد كان د. شعراوى مؤمنا برسالة المسرح الثقافية السامية وبرهن على ذلك بالمقولة الشهيرة «أعطنى مسرحا.. أعطِك شعبا ناضجا» التى قدم بها مؤلفه المهم «المسرح المصرى المعاصر.. أصله وبداياته»، وقد أثرى المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات والترجمات من اللغتين اليونانية واللاتينية منها أساطير إغريقية، وهوميروس شاعر الإلياذة والأوديسا وجرة الذهب وكوميديا الفظ والإنياذة.

ولذلك اعتبره اليونانيون أحد آلهة الثقافة المصرية بسبب ترجماته وأبحاثه المستمرة حول آلهة الإغريق والذى قام بتصنيفهم إلى آلهة كبرى وصغري، وآلهة البشر، فلم يترك أسطورة إلا وتعمَّق فيها وأنتج من خلالها علمًا كان خافيا عن الكثيرين. ولم يكن غريبا إذًا أن تكرمه اليونان بالحصول على العديد من الجوائز وأن يمنح وسام الجمهورية اليونانية عام 2013 من الرئيس اليونانى كارلوس بابولياس.

وكم كنت سعيدا حينما دارت الأيام وشاركته فى سنواته الأخيرة تدريس مقرر علم الأساطير لطلاب الدراسات العليا، فكان يحكى ويشرح للطلاب بأسلوبه الشيق تلك الأساطير الإغريقية ويأتى دورى بعد ذلك لأوضح لهم كيف أثرت هذه الأساطير على نشأة وتطور الفكر الفلسفى اليونانى وكيف استلهمها الفلاسفة وعمقوا من خلالها أفكارهم الفلسفية، لقد رحل د. شعراوى فى ابريل 2017م تاركا مؤلفاته ومترجماته وسيرته العطرة تتحدث عنه جيلا بعد جيل رحمة الله عليه.

[email protected]