عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

العالم مستمر فى محاربة التضخم

البنوك المركزية ترفع الفائدة... وتوقعات بعد خفضها حتى عام 2024

البنك الفيدرالى الأمريكى
البنك الفيدرالى الأمريكى والبنك المركزى الاوروبي

يستمر العالم فى مواجهة التضخم (ارتفاع الأسعار) وعلى الرغم من التأثير السلبى لرفع الفائدة المستمر فى الولايات المتحدة والذى أدى لإفلاس أربعة بنوك حتى تاريخه فقد رفع مجلس الاحتياطى الفيدرالى (البنك المركزى الأمريكي)، 3 مايو، سعر الفائدة الرئيسى بواقع 25 نقطة أساس (ربع نقطة مئوية) إلى مستوى بين 5 بالمئة و5.25 بالمئة وهو المستوى الأعلى منذ 2007. وشهد معدل التضخم السنوى فى الولايات المتحدة الأمريكية تباطؤا، خلال شهر مارس الماضى، إلى 5 بالمئة قياسا بمستوى 6 بالمئة فى فبراير 2023.

وقام البنك المركزى الامريكى برفع الفائدة أربع مرات منها بمقدار 75 نقطة أساس، واثنتين فى مايو وديسمبر بنصف نقطة مئوية، واثنين بربع نقطة مئوية فى مارس ومايو وهو ما يعنى أن البنك المركزى الفيدرالى مستمر فى إجراءات تشديد السياسة النقدية التى بدأها العام الماضى وقد شهدت الولايات المتحدة منذ مارس الماضى أزمة مصرفية بإفلاس 4 بنوك كان آخره منذ أيام بنك باك ويست وهو ما يعيد إلى الأذهان الأزمة المالية التى ضربت العالم فى 2008، وكان سببها الرئيس أزمة رهون عقارية وكان أبرزها إفلاس البنك الاستثمارى ليمان براذرز الذى يعد أضخم إفلاس فى القطاع المالى الأمريكى بأكثر من 600 مليار دولار.

وفى تاريخ البنوك الأمريكية بلغ حجم الأصول لأكبر عشرة إفلاسات لبنوك تجارية (ليست استثمارية) نحو 1.31 تريليون دولار. واستحوذ العام الجارى على نصيب الأسد من هذه الإفلاسات بثلاثة بنوك هي: باك ويست وفيرست ريبابلك وسيليكون فالى وسيجنتشر، ما يشير إلى حجم الأزمة الحالية التى يمر بها القطاع مع الوتيرة المتسارعة لرفع أسعار الفائدة الأمريكية. 

وتمتد الأزمة إلى أوروبا، وقد قام البنك المركزى الأوروبى، 4 مايو، رفع معدل الفائدة بواقع 0.25 نقطة مئوية، ليصل إلى 3.75 بالمائة، فى محاولة منه للعمل على استقرار الأسعار على المدى المتوسط فى منطقة اليورو، ليصل معدل التضخم إلى 2 بالمئة.

وقال البنك:«إنه سيواصل اتخاذ مقاربة ترتكز على البيانات»، دون أن يشير إلى أنه وصل إلى المرحلة الأخيرة من اتخاذ مثل هذه القرارات المتعلقة برفع الفائدة.

وتعد هذه سابع زيادة على التوالى لمعدلات الفائدة فى إطار حملة البنك غير المسبوقة لتشديد الإجراءات النقدية التى بدأت العام الماضى مع ارتفاع أسعار السلع اليومية، متمسكا بسياسته فى مكافحة التضخم المرتفع لضبط ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، التى زادت بشكل ملحوظ بعد الحرب الروسية - الأوكرانية فى عام 2022.

ويشكل رفع الفائدة الذى يستخدم لمحاربة التضخم أو ارتفاع الأسعار خطرًا على النشاط الاقتصادى حيث يؤدى إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض، سواء لإنشاء مشروعات جديدة أو توسعة المشروعات الحالية، أو الاقتراض للأفراد بغرض الاستهلاك وكلها تصب فى الدخول فى ركود اقتصادي.

وقال مركز بحوث بنك قطر الوطنى إن بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى يتعرض عادة لضغوط لتيسير أو تغيير السياسات النقدية المشددة للغاية، حيث يفضل المستثمرون وعامة الناس «المكاسب السهلة» أو الأوضاع النقدية الميسرة. ويمكن لأسعار الفائدة المرتفعة والمتصاعدة أن تقيد النشاط الاقتصادى وتزيد من تكلفة رأس المال وتؤدى إلى عمليات بيع لتصفية الأصول طويلة الأجل مثل أسهم النمو والسندات طويلة الأجل والعقارات.

واستجابة للتضخم الذى تجاوز النسبة المستهدفة بفارق كبير، نفذ بنك الاحتياطى الفيدرالى منذ شهر مارس من العام الماضى واحدة من دورات التشديد النقدى الأكثر قوة وغير المتوقعة فى تاريخ الولايات المتحدة. وأدى ذلك إلى مفاجآت سلبية وتراجع ملحوظ فى أسهم النمو (-9%)، وسندات الخزينة طويلة الأجل (-19%) والأصول العقارية الأمريكية (-22%). وتؤكد هذه الانخفاضات على الحاجة إلى دراسة أعمق للسياسة النقدية لبنك الاحتياطى الفيدرالى وتأثيرها على الاستقرار المالى.

كجزء طبيعى من دورة التشديد النقدى، يمكن للأوضاع المالية الأكثر تقييدًا أن تخلق آثارًا سلبية على الثروة، بل يمكن أن تؤدى هذه العملية فى بعض الأحيان إلى عواقب وخيمة غير مقصودة، لا سيما عندما تصبح حركات السوق غير منتظمة، مما يؤدى إلى حالة من عدم الاستقرار المالى، وأزمات ائتمان، وركود اقتصادى حاد. فى الواقع، تطورت أغلب الأزمات المالية الكبرى فى العقود العديدة الماضية خلال فترات ارتفاع وتصاعد أسعار الفائدة.

فى الأسابيع الأخيرة، بدأت أولى علامات عدم الاستقرار المالى فى الظهور، حيث شهدت البنوك الأمريكية الإقليمية التى تكبدت خسائر كبيرة غير محققة فى محافظ السندات الخاصة بها تدفقات خارجية كبيرة من الودائع. وأدى هذا الافتقار إلى الثقة إلى التهافت على سحب الودائع من مؤسسات أكثر هشاشة، مثل: بنك سيليكون فالى ومقره كاليفورنيا وبنك سيغنيتشر فى نيويورك. ثم ظهرت مخاوف من انتقال العدوى، واضطرت السلطات الاقتصادية إلى التدخل لتغطية الودائع بالكامل وفتح نافذة جديدة للسيولة. 

ويتيح البرنامج المعلن للتمويل البنكى لأجل محدد (BFTP) للبنوك إيداع سندات الخزينة وسندات الدين الحكومية الأخرى لدى بنك الاحتياطى الفيدرالى بسعرها الأصلى، مما يمكّن المقرضين من تجنب البيع الاضطرارى والوفاء بقيمة الودائع.

وأدى عدم الاستقرار المالى إلى زيادة الجدل حول ما إذا كان بنك الاحتياطى الفيدرالى مستعدًا «للتوقف» مؤقتًا عن رفع أسعار الفائدة أو حتى تخفيضها عاجلًا وليس آجلاً. 

ونظرًا لانخفاض توقعات التضخم وضعف توقعات النمو، أصبح المستثمرون الآن يعتقدون أن بنك الاحتياطى الفيدرالى سيخفض أسعار الفائدة فى النصف الثانى من العام. وتشير العقود الآجلة للأموال الفيدرالية إلى تخفيضات بواقع 100 نقطة أساس فى أسعار الفائدة بحلول يناير 2024.

ويرى تحليل QNB أن تظل أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول، ولا يتوقع أى تخفيضات فى أسعار الفائدة حتى عام 2024 على الأقل، على الرغم من القلق المستمر بشأن عدم الاستقرار المالى.

والعوامل التى تؤكد أنه لن يخفض الفائدة حتى عام 2024 تتمثل في: أولاً، على الرغم من التراجع الكبير فى التضخم فى الأشهر الأخيرة، من 9.1% فى يونيو 2022 إلى 6% فى فبراير 2023، فلا تزال الظروف غير مواتية لبنك الاحتياطى الفيدرالى لتحقيق النسبة المستهدفة للتضخم. وبصرف النظر عن التباطؤ الاقتصادى المستمر، لا تزال أسواق العمل الأمريكية تعتبر حاليًا الأضيق منذ عقود، ويجب أن يحدث اعتدال كبير فى نمو الأجور الذى تتراوح نسبته حاليًا بين 5 و6% قبل أن يستقر التضخم عند مستويات أنسب؛ لذلك من المهم أن يبقى بنك الاحتياطى الفيدرالى على سياسة التشديد النقدى لكى يسمح بحدوث انفراج تدريجى فى سوق العمل.

ثانياً، يؤدى ضبط أدوات السياسة النقدية المختلفة إلى توفير مساحة لبنك الاحتياطى الفيدرالى للحفاظ على موقف حازم فى مكافحة التضخم مع إدارة مخاطر عدم الاستقرار المالى. نعتقد أن التباين بين الهدفين من المرجح أن يؤدى إلى «فصل» أدوات السياسة النقدية. فى الماضى، أيد معظم مسؤولى البنوك المركزية الحاجة إلى مواءمة أدوات السياسة، أى أن أسعار الفائدة الرسمية والميزانية العمومية يجب أن تسير فى نفس الاتجاه أو يجب على الأقل ألا تتعارض مع بعضها البعض – سواءً عند التيسير أو الحياد أو التشديد النقدى. وقد أدى ذلك إلى قواعد الجمع بين رفع أسعار الفائدة والحفاظ على استقرار الميزانية العمومية أو تخفيضها، على عكس توسيع الميزانية العمومية، الذى يزيد من المعروض النقدى والسيولة فى النظام. 

خلال الأسابيع القليلة الماضية، أكد بنك الاحتياطى الفيدرالى مجددًا ضرورة تبنى نهج مختلف فى تطبيق أدوات السياسة النقدية تكون بموجبه سياسة أسعار الفائدة هى الأداة الرئيسية لمكافحة التضخم المرتفع، بينما سيتم تعديل سياسة الميزانية العمومية، بطريقة مستهدفة، من أجل دعم الأسواق المالية المجهدة. وهذا سيسمح بتنفيذ عملية تتسم بمزيد من التنظيم والاستدامة لتعديل السياسة النقدية.