رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

فى حياة الإنسان مواقف حدية جديرة بأن تغير نظرته إلى الحياة برمتها ؛ ففى هذه المواقف يكتشف المرء فجأة أنه لا يملك من أمره شيئا، وأن تلك الثقة التى يتصرف بها كانت ثقة زائدة على الحد فى قدرته على إدارة حياته ناهيك عن التأثير فى حياة غيره من المقربين إليه أوالمحيطين به! ومن هذه المواقف موقف مواجهة الموت؛ إذ كلما فقدت عزيزاً لدى ازددت ألماً وزهداً فى الحياة الدنيا ومعناها؛ فحينما فقدت الأب دارت بى الدنيا لدرجة أنى لم استطع الوقوف لأصلى عليه كما يفعل الناس عادة، وبعد أن انتهى العزاء وكان مليئا بالأعمام والأقارب والأصدقاء قلت فيهم الخير والبركة! لكننى فقدت مثلاً معنى وأهمية أن أسارع إلى تلبية أى دعوة من الإذاعة أوالتليفزيون وذلك ليتمكن أبى من ضبط موجة الإذاعة أو القناة التليفزيونية ليرانى ويستمع إلىّ، وكان يجد فى هذا سعادة كبيرة أكثر من سعادتى شخصياً، ومن تاريخه لم يعد يهمنى كثيراً هذا النشاط الذى كان يكلفنى الوقت بلا طائل أو عائد!! وحينما فقدت أمى بعدها ضاع كل العطف وكل السند، فبعد الوالدين لا أحد يعتنى بك بحق ولا ثقة فى إخلاص أحد بالشكل المطلق الذى كان يمنحه وجودهما فى الحياة. ومن ثم صرت أكثر زهداً فى الحياة واجتماعياتها وبعد أن كنت أسعد وأرحب بأى نشاط ثقافى عام أو إدارى سواء كان فى الجامعة أو خارجها إذ ربما يكون هذا هو طريق تحقيق حلمها الذى طالما تاقت إليه حيث كانت تتصور خطأ أنها ضحت بسعادتها بوجودى بجوارها ووهبتنى لمصر، وكم كانت تسألنى متعجبة متى أراك وزيراً.. لقد أرسلتك إلى القاهرة لتكون كذلك!! لقد صرت أذهب إلى هذه اللقاءات الإعلامية بعد رحيل الأب والأم فقط لأن فى هذا أداء للواجب تجاه وطنى وقضاياه أملاً فى مستقبل أفضل للأجيال القادمة!.

وربما كانت اللحظة الحدية الأصعب هى لحظة فقد الزوجة الحبيبة، إذ حينها أظلمت الدنيا فى وجهى واكتشفت أنها كانت ودون أن أشعر بذلك فى حياتها، أنها كانت محركة حياتى الشخصية والدافع الأكبر وراء كل ما أنجزت ولم أعد أتحمس لأى شىء، لقد ضاع كل المعنى للحياة فى غيابها ولم أعد أرغب فى أى شىء! لقد كنت أتصور أنه من الممكن تجاوز الحزن والانتصار عليه مع مرور الوقت، لكننى وجدت أن الحقيقة غير ذلك ؛ فكلما مر الوقت تجذر الحزن فى القلب وازداد الشعور بالألم، إننى وبعد مرور عامين على هذا الحدث الجلل بدأت أفهم وأتعاطف مع ذلك الصديق الذى هاجمته وضقت به حينما أخبرنى بأنه بعد وفاة زوجته لم يستطع أن يعيش فى نفس المكان وغير مكان إقامته والمدينة التى كان يسكن فيها وتزوج بأخرى هناك حتى يستطيع مواصلة الحياة!

فهل صحيح أنه يمكن للإنسان أن يمتلك السعادة وأن يعيشها؟! أعتقد أنه على صعيد التنظير العقلى والكلام عن الثقة فى الذات وقدرات الإنسان على التكيف والتجديد ربما يكون ذلك أمراً ممكناً، لكن واقع الحياة التى يحياها المرء وما يعانيه فيها من مشاعر وانفعالات لا يمكنه ذلك بشكل مطلق؛ إذ إننا فى واقع حياتنا نعيش بمشاعر وانفعالات متناقضة لعل أكثرها وأصدقها هى مشاعر الحزن والألم. وربما يكفى للإنسان فى حياته أن يعيش على ذكرى وتذكر بعض اللحظات الاستثنائية السعيدة فى حياته مثل لحظات ظهور نتائج سنواته الدراسية ونجاحه أو تفوقه ولحظات إبلاغه بحصوله على جائزة ما أو منصب ما، وكذا ذكرى لحظات شعر فيها بالحب الحقيقى ممن حوله، ولحظات اختطفها من الزمن بالقرب من حبيبه. وقد صدق الشاعر القائل على لسان أم كلثوم «خد من عمرى، عمرى كله إلا ثوانى أشوفك فيها!!» إن الحياة مهما طالت لا تقاس حقيقة إلا بمثل هذه اللحظات الاستثنائية التى يشعر فيها الانسان بالسعادة!! وكم هى قليلة هذه اللحظات، فعلى كل منا أن يلتمسها وإذا وجدها فليتمسك بها وليعشها بصدق لأنه إن فقدها فقد لا يحصل عليها مرة أخرى!!

[email protected]